أعلنت دار الإفتاء السياسي في المملكة العربية السعودية عن العثور على سعد الحريري في بيته في الرياض، وقررت إعادة إحياء رجل تم قتله معنويا مع سبق الإصرار والترصد؛ من أجل إثبات قدرة نظام الحكم الجديد في المملكة على التدخل في شؤون أي دولة لا تتفق مع سياستها أو لا تعارض، وبوضوح، سياسة إيران في المنطقة.
إخراج سعد الحريري من محبسه أكد ما حاول النظام الجديد في المملكة نفيه، وهو أن الحريري محتجز رهينة، وأنه لا يستطيع أن يتكلم بحرية. وحين أخرجوا الكلام من فمه، قام يمدح الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد بطريقة تشبه الإسهال وبدون أي ضغوط، وليعلن أن استقالته التي تمت من الرياض ليست نهائية، ولكنها ذكية وتكتيكية من أجل الضغط على حزب الله.
ظهور سعد الحريري أكد ما حاول النظام الجديد في المملكة نفيه، وهو أن الحريري محتجز رهينة، وأنه لا يستطيع أن يتكلم بحرية
كيف يكون المرء حر وهو يهاجم رفقاء السياسة في بلاده من خارجها؟ ماذا عن التبعية إذن؟ وكيف يكون شكلها وكنهها يا سعد؟
كيف يكون سعد الحريري حرا وطليقا؛ وهو لا يقدر أن يعود لبلاده ليعلن منها استقالته، أو ليؤكد وهو واقف على أرض وطنه؛ أنه حر وطليق، وليس محتجزا قصريا أو مخطوف ذهنيا؟
لعلكم شاهدتم المقابلة والعديد من الأخطاء التي وقع فيها المخرج، ولا أعني المخرج الفني، بل المخرج السياسي لها، أو العقل المدبر الذي أراد تأكيد أن سعد حر؛ فأثبت عكس ذلك تماما، وذلك دليل العجلة والرغبة في الرد على انتقادات العالم، بما فيه السيسي نفسه الذي كان من المتوقع أن يدعم ويساعد ويساند ابن سلمان، على الأقل مقابل "الرز"!!
أعود للتذكير بالرجل الذي ظهر في الخلفية؛ وهو يحمل الورقة والقلم، ونظرة الحريري باشمئزاز إليه، ثم إشارته له بيده للانصراف. فهذه فاضحة وكاشفة، وقد أتت على الجهود المبذولة، وبيّنت أن الحريري ليس فقط مختطفا، بل بات في حكم المنتهي سياسيا على الأقل.
الصحف والدوريات العالمية كشفت المستور، ولم يبق أمام السلطة في المملكة إلا تقديم معالجات ترقيعية لسياسة خاطئة اتبعتها من قبل في المنطقة في مواجهة إيران
الصحف والدوريات العالمية كشفت المستور، ولم يبق أمام السلطة في المملكة إلا تقديم معالجات ترقيعية لسياسة خاطئة اتبعتها من قبل في المنطقة في مواجهة إيران. وكان لديها (أي السعودية) خيارات أفضل بكثير، وأقل كلفة، ولكنها سياسات مزجت بين التبعية والرغبة في إيصال ابن سلمان للسلطة بأي ثمن، ولو كان الثمن هو إنهاء دور المؤسسة الدينية، وبيع مقدرات الشعب السعودي في البورصات العالمية.
لكن من بين أهم ما كتب في هذا المجال حتى الآن؛ مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وهي مجلة دورية رصينة، تحت عنوان: "ما الذي يجري فعليا في المملكة السعودية" (What is really going on in Saudi Arabia) للكاتب جون تشاكمان.
لعل أخطر ما جاء في المقال هو ما ذكره الكاتب عن علاقة ابن سلمان بالكيان الصهيوني، ووصفه لهذه العلاقة بأنها تشبه علاقة الكيان بالجنرال السيسي. وقال نصا: "ولي العهد السعودي هو بالضرورة رجل (الكيان الصهيوني) في المملكة، تماما كما أن السيسي هو رجلها في مصر. (دولة الكيان) مرتاحة لكونها محاطة بحكومات مطلقة مستبدة، وطالما أن هذه الحكومات تابعة للراعي الأمريكي".
ويضيف الكاتب: "ولي العهد (السعودي) يقوم بخدمة دموية أخرى للمصالح (الصهيونية)، حينما استدعى رئيس وزراء لبنان سعد الحريري للمملكة لبعض الأعمال، ثم تبين للجميع أن ما حدث هو قرصنة خالصة بطريقة حديثة".
ويخلص الكاتب إلى أنه لو قامت دولة الكيان بكل هذه الأعمال القذرة التي جرت في المنطقة لوصفت بالدولة المنبوذة؛ "لأنها عادة ما تبدأ الحروب".. انتهى الاقتباس.
لكن وبعيدا عن اختطاف الحريري، والمأزق الذي وقعت فيه السلطة السعودية نتيجة سياسات غير حكيمة، فإن المسألة تبدو لي ليست بالجديدة، وإن تغيرت طريقة التعاطي مع الحريري إلى الطريقة الراهنة، وهي خشنة وغبية بامتياز. فالملاحظ أن عبد ربه منصور هادي تم اختطافه، ولكن بطريقة أكثر "شياكة"، وإن كان المضمون أكثر عنفا، على عكس ما جرى مع الحريري، إذ كان المضمون مسالما، بينما الطريقة غير دبلوماسية وغريبة، كما ذكرت.
شنت السعودية الحرب على اليمن، وأخذت عبد ربه منصور ومن معه، من مؤيدين لسياسة السعودية في اليمن والمنطقة، رهائن، واستعانت بمحمد بن زايد في مخططاتها في اليمن. فرئيس اليمن لا يملك من أمر نفسه ولا وطنه شيئا، وليس بمقدوره العودة، ولن يعود إلا أن تستوفي السلطة السعودية غرضها منه، ثم تلقيه في اليم أو في الصحراء، أو نسمع عن سقوط طائرته في جو السماء، ثم يعلن النظام السعودي الحداد على عبد ربه منصور، مثلما يعلنه على اليمن الذي ذهب ولن يعود؛ طالما بقيت سلطة المملكة على حالها الراهن.
سياسة السلطة السعودية والإماراتية تتعلق بالأطماع، وليست مرتبطة أبدا بالأخلاق في شيء!
هل تخسر السعودية بقية جدران منظومة أمنها القومي؟