منحت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران دولا عربية دفعة من أجل التحرك تجاه الساحة العراقية لإحداث نوع من التوازن في ظل النفوذ الإيراني الممتد منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى اليوم.
وعلى ما يبدو فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تقوم باستدارة في الساحة العراقية بعد أعوام من سياسات الإدارات السابقة التي منحت إيران نفوذا كبيرا في العراق وتسعى واشنطن الآن لتحجيمه.
ولعل أبرز مظاهر عودة العرب للولوج إلى الساحة العراقية زيارات مسؤولين عراقيين كبار إلى الأردن والسعودية باعتبارهما دول جوار وافتتاح معبر طريبيل الرابط بين عمان وبغداد وكذلك معبر عرعر الحدودي مع السعودية برعاية أمريكية مباشرة.
انفتاح بعد قطيعة
وخلال الأسبوع الحالي شهدت العلاقات العراقية السعودية التي تعاني من قطيعة منذ ربع قرن عودتها بقوة عبر إنشاء مجلس تنسيق مشترك بين البلدين شارك في أولى جلساته وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون والذي استغل زيارته للرياض لتوجيه رسائل مباشرة بأن الهدف القادم تقليص النفوذ الإيراني بالإضافة لمطالبته بسحب مليشيات طهران من العراق.
وفي الأردن حل زعيم التيار الصدري ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ضيفا على عمان والتقى العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين في زيارة كشفت مصادر من التيار لـ"عربي21" أن الهدف منها "كسر العزلة العربية عن العراق والتي تسببت بها حكومات عراقية سابقة" وكانت تلك الحكومات بمجملها موالية لإيران.
إقرأ أيضا: اتفاقيات غير مسبوقة في مجلس التنسيق السعودي العراقي
وفي بيان للديوان الملكي الأردني أشار إلى أن الملك "أشاد بالدور المهم للتيار الصدري في العملية السياسية ونهجه الوطني والعروبي"، لافتا إلى "التطور الإيجابي الذي تشهده علاقات العراق مع أشقائه العرب" على حد وصف البيان.
وتطرح التحركات العربية تجاه توسيع العلاقات مع في ظل النفوذ الإيراني الواضح تساؤلات عن مدى قدرة العرب على مزاحمة إيران على النفوذ في العراق بالإضافة لمدى الجدية الأمريكية في تحجيم السيطرة الإيرانية على الساحة العراقية.
استدارة أمريكية
المتخصص بالشأن الإيراني الدكتور نبيل العتوم قال إن الدول العربية "لا شك أنها استشعرت خطر استفراد إيران بالساحة العراقية بعد الاحتلال عام 2003 لكن الظروف الدولية في تلك الفترة لم تكن ملائمة للعرب من أجل إيجاد موطئ قدم هناك".
وأوضح العتوم لـ"عربي21" أن الإدارات الأمريكية منذ الاحتلال قدمت العراق على طبق من ذهب لإيران وكان هناك تماه واضح مع طهران التي اعتبرت أداة لواشنطن من أجل بسط السيطرة على العراق وإحداث نوع من الفوضى "غير الخلاقة".
ولفت العتوم إلى أن ترامب تعهد بعد مضي أسبوعين على انتخابه بتحجيم نفوذ إيران في المنطقة وأطلق استراتيجية لمنع طهران من ابتلاع العراق وكان هناك توافق إقليمي على تلك الاستراتيجية وأبرز مظاهرها محاولة التقارب العربية مع الجانب العراقي وحصلت تغيرات دراماتيكية في المشهد خلال الفترة القليلة الماضية تشير إلى هذا الاتجاه.
إقرأ أيضا: مصادر تكشف لـ"عربي21" أهداف زيارة الصدر إلى الأردن؟
ويرى المتخصص بالشأن الإيراني أن الولايات المتحدة "تدفع بكل قوتها وتحشد الإقليم باتجاه تحطيم فكرة وكلاء إيران بالمنطقة"، مشيرا إلى أن العرب لديهم إمكانية للعب دور بازر في العراق بما يملكون من أوراق قوة وعلاقات في الداخل العراقي.
وقال إن استراتيجية ترامب والتحركات العربية نحو الانفتاح على بغداد إعلان بانتهاء الدور الإيراني في العراق بعدما قام ببناء مجال حيوي على حساب أمريكا وإسرائيل في المنطقة رغم أن طهران كانت سببا في "تخفيض التواجد العسكري عقب الاحتلال والحصول على صفقات سلاح ضخمة من الخليج".
وشدد العتوم على أن الاستدارة تعني أن إيران "قامت بالواجب على أتم وجه لكن لن يسمح لها بمواصلة الطريق وأن الظروف الآن اختلفت تماما وتتوافق مع المطالبات العربية بلعب دور أكبر ضد نفوذ إيران".
ضياع الفرصة
وفي مقابل توقعات العتوم بإحداث نوع من الاختراق العربي بدعم أمريكي في الساحة العراقية قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد سعيد نوفل إن الوقت "بات متأخرا كي يكون العرب لاعبين فاعلين في المشهد العراقي".
وقال نوفل لـ"عربي21" إن إيران وعلى مدى السنوات التي أعقبت الاحتلال تجذرت بشكل كبير في العراق وليس من السهولة بمكان أن تضحي طهران وحتى الجهات الموالية لها داخل العراق بهذا النفوذ وتسلمه للسعودية ودول عربية أخرى.
وأوضح أن الدول العربية "تأخرت في أخذ زمام المبادرة منذ سنوات للعب دور في العراق يضفي حالة من التوازن على الساحة".
ورأى بأن حالة "التشرذم" التي يعاني منها العرب بسبب الخلافات العميقة بينهم هي ما سمح لإيران بالنفاذ للعراق والتحكم به وهي ما يعيقهم حاليا عن سحب البساط من تحت قدميها.
وأضاف أن "سياسات الولايات المتحدة تعاني من التخبط حاليا علاوة على الموقف العربي المتشرذم وهذا بالتأكيد يضعف محاولات تقليص نفوذ إيران في المنطقة".
خطاب راديكالي وسلوك براغماتي
وعلى صعيد الموقف الإيراني من التحركات العربية الأمريكية لسحب نفوذها من العراق قال العتوم: "إن إيران تشعر بالريبة وعدم الارتياح من التوجهات الجديد والانفتاح العربي الحاصل".
وقال إن أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي قال في تصريحات قبل أيام إن "أياما صعبة ستمر على إيران".
ولفت العتوم إلى أن إيران "عودتنا على خطاب راديكالي أما سلوكها على الأرض فيتسم بالبراغماتية وصدرت عدة تصريحات تشير إلى إمكانية الحوار والتفاهم حول العديد من الملفات".
لكنه أشار إلى أنها تلجأ لبوابات الأزمات للتفاهم مع الولايات المتحدة في ملفات الأزمة السورية والعراقية والأفغانية من أجل فرد عضلاتها وإرسال رسالة أنها قادرة على قلب الطاولة لاستخدامها كورقة ضغط.
ماذا حمل العبادي في جولته "الخاطفة" لثلاث دول عربية؟
ظريف يرد على مطالبة تيلرسون مليشيات إيران بمغادرة العراق
تيلرسون يدعو المليشيات لمغادرة العراق ويأمل بحوار خليجي