قضايا وآراء

ترامب يوحد الإيرانيين ويفرق الأمريكيين!

1300x600
"فرق تسد" سياسة اتبعها أبناء البشر ضد بعضهم البعض منذ القدم، وبين الدول، كانت بريطانيا الأكثر توظيفا لها خلال القرون الماضية، ثم ورثتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد بزوغها كقوة عالمية مسيطرة. أما أن الأخيرة لم ترث معها المكر الثعلبي البريطاني الذي كان يضمن نجاح عملية تطبيق سياسة "فرق تسد" في معظم الأحوال.

فضلا عن ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأربع الماضية بعد انتصار الثورة في إيران، اتبعت نهجا غير مجد في تدخلاتها في الشأن الداخلي الإيراني، فعلى سبيل المثال عندما حاولت إقحام نفسها في الاستقطاب السياسي الداخلي في إيران بين الأصوليين والإصلاحيين من خلال الإعلان عن دعم الأخير بعد أحداث عام 2009، أضحى التيار الإصلاحي أول ضحية لهذا الدعم الإعلامي، بعد أن وفر ذلك ذرائع لازمة لخصومهم لتوظيفها في تصفية الحسابات السياسية معهم.

اليوم واشنطن تقع في الخطأ نفسه، لكن بشكل آخر، فبعد أن كان الاتفاق النووي يشكل عنصرا خلافيا في الحلبة السياسية الداخلية في إيران بين الإصلاحيين والأصوليين، بالرغم من كونه قرار النظام الإيراني ككل، وليس قرار الحكومة فحسب، واستخدمه التيار الأصولي في مهاجمة الرئيس روحاني وحكومته، في ظل العراقيل التي كانت ومازالت تضعها الولايات المتحدة الأمريكية في دواليب هذا الاتفاق، وحّدت التلميحات الأمريكية الأخيرة باحتمال إدراج الحرس الثوري الإيراني المقرب من المحافظين في قائمة "الإرهاب" الأمريكية وتزامنها مع محاولات نسف الاتفاق النووي، كأهم إنجاز لحكومة الإصلاحيين، وحدت البيت الداخلي الإيراني، ومواقف مختلف مؤسسات الدولة الإيرانية، سواء يحكمها الإصلاحيون أو المحافظون، في مواجهة السياسة الأمريكية الجديدة.

فمن جهة سياسات ترامب ضد الاتفاق النووي، والحرس الثوري الإيراني كأهم أذرع الثورة الإسلامية في إيران، واحتمال وضعه في قائمة "الإرهاب" وتنفيذ قانون "كاتسا"، قللت من حملات الأصوليين على "برجام" (التسمية الإيرانية للاتفاق النووي) والرئيس روحاني وفريقه الحكومي، ومن جهة أخرى، دفعت الحكومة رئيسا ووزراء وقوى سياسية، إلى الوقوف بجانب الحرس في مواجهة الإجراءات الأمريكية المحتملة ضده.

ردا على هذه السياسة الأمريكية التي باتت تستهدف جميع أقطاب الحكم في إيران، جاءت ابتسامات متبادلة في لقاء جمع بين وزير الخارجية الإيراني الدبلوماسي المحنك "محمد جواد ظريف" والقائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء جعفري، تخللتها رسالة وجهها الأخير للولايات المتحدة الأمريكية، حيث خاطب دونالد ترامب بالقول: "على الرئيس الأمريكي أن يعلم أننا ووزارة الخارجية والحكومة واحد، وقلوبنا واحدة".

وفي المقابل، وصف ظريف الحرس الثوري بأنه "فخر لإيران"، محذرا في الوقت نفسه أن "الرد الإيراني سيكون متناسبا وقويا إذا ما ارتكبت الإدارة الأمريكية أي خطأ استراتيجي بتصنيف الحرس كمنظمة إرهابية".

ومن جهته، الرئيس روحاني الذي كان يوجّه انتقادات للحرس الثوري خلال حملته الانتخابية الأخيرة، أصبح يدافع عنه بشدة وحزم يوم الأربعاء الماضي خلال الاجتماع الحكومي، واصفا إياه بالمحبوب لدى الشعب الإيراني وشعوب أخرى في المنطقة، مضيفا: "نحن مجتمع واحد، ونحن إيران".

بيد أن مقابل تكاثف أقطاب الحكم في إيران في مواجهة الرئيس الأمريكي، والذي أشار إليه الرئيس روحاني نفسه، عندما قال إن "الرئيس الأمريكي خلق اليوم ظروفا جعلت إيران متحدة أكثر من أى وقت مضى"، أحدثت سياسات دونالد ترامب تجاه الاتفاق النووي مع إيران، شرخة، وانقساما بين أركان الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلته في مواجهة قادة عسكريين بوزن وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس هئية الأركان الأمريكية الجنرال دانفورد من ناحية، وكذلك مشرعين بارزين في الكونغرس الأمريكي من ناحية أخرى، الذين لهم دور كبير في رسم توجهات هذه المؤسسة، ومساهماته المؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية.

والطريف أنه بفضل سياسات دونالد ترامب، أصبح اليوم أبرز معارضي الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس، أكبر المدافعين عنه، وعن ضرورة الحفاظ عليه وعدم الانسحاب منه، فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوع "بوب كوركر" الذي قاد معارضة الاتفاق في المجلس قبل إقراره في عهد الرئيس أوباما، يطالب اليوم بالحفاظ على الاتفاق، منتقدا بشدة نية الرئيس الأمريكي الانقلاب عليه.

والمفارقة أيضا أن سياسات ترامب هذه، لم تحوّل معارضين أمريكيين كبار للاتفاق النووي إلى داعميه فحسب، بل وحّد معارضيه وداعميه في إيران أيضا، و"اليوم يقف المعارضون للاتفاق النووى جنبا إلى جنب مع الداعمين له. لدينا كلنا صوت واحد" حسب قول الرئيس الإيراني.

وأخيرا، أن تحول مشرعين كبار في الكونغرس الأمريكي من معارضين للاتفاق النووي إلى داعمين له، لا يصب في مصلحة الاستراتيجية التي سيتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال المرحلة المقبلة، حيال هذا الاتفاق، إذا ما قرّر أن يرمي الكرة في معلب الكونغرس دون أن يعلن الانسحاب عن الاتفاق في خطابه المرتقب غدا الجمعة الثالث عشر من أكتوبر.