حين يتمدّحُ الحاكم العربي بالانتصار على شعبه، وذلك بالقتْلِ والتدمير والتشريد والتسجين، إلى درجة أنْ أصبحَ نصفُ هذا الشعب، وهو ما يربو على 25 مليونَ نسمة منفيّا داخل البلد وخارجه، هائما على وجهه، تتقاذفه عصاباتُ السطْوِ والغَدْرِ والاتْجار؛ ودول الإذلال والإزراء والتصرُّفُ بأوضاعه تصرُّفَ السائمة، وهو يفتَقِرُ إلى أدنى ضرورات الحياة الكريمة من مأوى مريح وغذاءٍ كافٍ ودواءٍ ناجع... وما يُقدَّرُ بمليون نسمة منه في المعتقلات، ومثلهم قتلى في غارات وحشية، أو جرحى؛ الكثيرُ منهم قد عُوِّقَ عن العمل والقدرة على الكسب.
ومِنْ هذا الشعب بهذه الأوضاع البائسة؛ المدنيون والعُزَّل من أطفال ونساء وشيوخ وعَجَزَة، ومنه العلماءُ الفاقهون، والوطنيُّونَ الصادقون، والأدباء النابهون، والمُصلِحونَ الربّانيون.. ومنه الأعلام الذينَ يُشارُ إليهم بالبنان من وجوه الوطن، وأعيانه الذين ينتسبون إلى أُسَرِه العريقة وبيوتاته الكريمة وأطيافه النبيلة. وهؤلاء جميعا ما أُصِيبوا بما أصيبوا به من هذه المآسي الأليمة، إلاّ لأنهم يُطالبونَ أنْ يُمارسوا حريّاتهم في التعبير عن مواقفهم تُجاه ما يجري في بلدهم من أحداثٍ بكلِّ صدقٍ وأمانة!!
وفي هذه الأحوال - التي أصبح فيها هذا الشعب بما حلَّ به من كوارث عظيمة وتعرّض له من مصائب جسيمة كشلايا سائمة افترستْها السراحين، فلم يعد بها من مُنَّةٌ أو قوَّة، أو لها اجتماع أو وحدة - يقوم هذا الحاكم فيعلن صرخة الانتصار على هذا الشعب المذبوح؛ بعد ستِّ سنوات مما أنزله به من ويلاتٍ وتناكيل لا يعلَمُ مداها إلاّ الله. أجل، يقوم وكأنَّهُ يقف على أكوام من الرؤوس المجزوزة والأيدي المبتورة والأرجل المقطوعة، ليعلن على أسماع العالم وأمام أبصاره، أنّه قَتَلَ شعبَه وأباده، وها هو يرقص على جراحاته وأشلائه، ويتفاخر بذبْحه وإزهاق أرواحه!!
ولا يكتفي هذا الحاكم أنْ يكفَّ عن الاستمرار بالانتقام من هذا الشعب وقتله، بعد أنْ يستنفد لذلك كُلَّ ما لديه من أعتدة فتّاكة وأسلحة محرّمة دوليا، وبعد أنْ يكِلَّ هو وجُنْدُهُ من ذبحه بأيديهم الأثيمة أو يَمَلُّ، فيدَعُهُم ومصيرهم كما كانَ يفعلُ حتّى الجاهليون بعبيدهم؛ الذين كان الواحد منهم إذا تَعِبَ من تعذيب مملوكه تركه وشأنه، بل سارَ هذا الحاكم وزبانيته خطواتٍ إجرامية أكثرَ ليُكْمِلَ مشوار الذبح حتّى الثُّمالة. فها هو يستعين بالآخرين على تقتيل شعبه من غُرباءَ ودُخلاءَ وأعداءَ، فيستقدم أو يُرحِّب بقوّات روسيا وإيران والعصابات المتعددة الجنسيات من لبنان وغيرها للدفاع عن رِجسه وظلمه وفكره المأفون؛ حِرصا ألاّ يندثر، حتى تتم المؤامرة بتصفية الصالحين عباد الرحمن من ديارهم وإحلال الطالحين عَبَدَةِ الشيطان محالَّهُم.
وها هو - وقد عاش وأسلافه وحزبه وعصاباته عُقودا - يُعلِنُ على أسماع الناس أنّه جاءَ ليحمي الحدود ويصون الوطن ويحترم الشعب ويحفظ الأمن ويُقاوِمَ العدو ويرسي قواعد العدالة والمساواة بين الناس، وأنَّ القومية العربية هي قبلته ودينه ويُنادي بالحرية والاستقلال.. أجل، ها هو بعد أنِ انكشف المستور وبانتِ المؤامرة بكل ملامحها يتركُ الحدود لليهود ويثير الحرائق في البلاد ويقتل الشعب ويترك الوطن قفرا ونهبا للدول والعصابات الطامعة في ترابه وثرواته ومقدّساته وتاريخه، وإذا بنداءات القومية العربية مدخلُ مؤامرةٍ لسيطرة فئة منبوذة من فئات الشعب على مقدّراته، وإذا بالروس والفُرس هُمُ المتحكِّمون في البلاد، وإذا بقضية الحرية والاستقلال فرية كبرى.
وإنّني لأقول لهذا الحاكم: إذا كنتم أنتم أصحاب الشعارات القومية تقولون بعداوة أمريكا ودول الغرب لنا واستعمارها لأوطاننا - ونحنُ نقول بهذا كذلك – فهذه أمريكا اليوم تجوب بلادكم وتفعل فيها الأفاعيل وأنتم ساكتون سامِدون. وهذه روسيا معها تكاد تكون هي صاحبة الزمام، فما الفرقُ بين استعمارها واستعمار أمريكا، وقد يكون استعمارها أشدَّ وأنكى. فما بالكم تُزجونَ لها جزيل الشكر في قتل هذا الشعب لإبقائكم على كراسيِّكم المهزوزة، ومعهم الفُرس الذين كانت قوميتكم العربية تعتبرهم من أعدى الأعداء، أم أنها المؤامرة القَذِرَة على العرب والمسلمين ودينهم وبلادهم؟!
وأقول لهذا الحاكم المُبِير كذلك: إنّ فخرَ حاكمٍ بقتل شعبه لم يكد يمرُّ في التاريخ ولا حتّى على يد نيرون، فنيرون حرق بعض روما ولم يحرقها كُلَّها ولم يفخر بما فعل، وأنتَ ومَنْ تفخرُ بهم معكَ من جموع الأعداء حرقوا البلاد كُلّها!! وإذا كان لا فخرَ في الحقِّ أنْ يقتُلَ حاكِمٌ شعبَهُ، بل إنها الجريمة والكفر والخيانة!! فأيُّ مكانٍ في الأرض من ثَمَّ لهذا القاتل يقبله أو يؤويه؟! ثُمَّ أيُّ فخرٍ إنْ كان في هذا أصلا فخرٌ لانتِصارِ حاكم على شعبه، وهو لم يَحُزْهُ إلاّ بمساعدة أعداء الأمة والشعب والوطن الذينَ من أغلى مُناهم أنْ يُسحَقَ هذا الشعب ويُدنَّسَ ثراهُ. ثم أقول له: وماذا تنتظر من هذه القوى الدخيلة التي تفخر بنصرها لك على شعبك؟! أتظُنُّ أنها ستترك ما حمتْه - على رأيك - لكَ وهي تنتظر حصَّتها الكبرى من الغنيمة، لأنّها عند نفسها وعندك هي التي أحرزتها لك، وقديما قال شاعِرُ العرب: "ومَنْ جَعلَ الضرغامَ للصيدِ بازَهُ، تصيَّدَهُ الضرغامُ فيمَنْ تصيَّدا"؟!
ألم تقرأْ في التاريخ عن استعانة سيف بن ذي يزن اليمني بالفُرْسِ لاسترجاع مُلْكِ قومه من يد الأحباش، فلمّا انتهى الجيش الغازي من مهمّته، حوَّلَ اليمنَ السعيد إلى ولاية فارسية يحكُمها زعماؤُهُ باسم الأكاسرة؟! أم أنه لعيون كرسيِّكَ المهزوز أنْ يبقى لك - وهو غيرُ باقٍ - فلتذهب كل البلاد إلى الجحيم، ولْيَتَولَّها مَنْ يتولاّها إنْ كان قابِلا بك؟! حرْبا على العروبة وإسلامها باستدعاء للفُرْسِ ورِضى بهم وبمجوسيَّتهم ومن ثَمَّ الروس ورِضَى بهم وبإلحادهم، ومن بعدُ فالعفاءُ على الدين، لأنه عندك ليس في الحُسبانِ!! أمّا العِصاباتُ
الطائفية وهم الفئة الثالثة التي تكيل لهم الشكر وذلك بما تدّعيه من انتصار على شعبك بذبحه، فهم أعداءُ الله حقا وليسوا أنصاره ولا حزبه، وقد رضوا بإزهاق أرواح المسلمين؟!
وأقول لهذا الحاكم السفّاح ثالثة: إنّ التاريخ لا ينسى، وهل نَسِيَ فعلةَ أبي رِغال وأبرهة الأشرم على الكعبة المشرّفة ليهدِمها، أو ابن العلقمي ودلالته هولاكو على بغداد وأهلها لتقتيلهم أو فَعْلَةَ شاور أحد وزراء الدولة الفاطمية وتعاونه مع الصليبيين ضد المسلمين!! وكلُّ هؤلاء مشتومون على ألسنة المسلمين الصادقين ومرجومون كالأبالسة، إلاّ إذا كان في المعتقد الفاسد احترامُ ابنِ مُلْجِم قاتل علي كرَّمَ الله وجهه، وتوقير أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه، وإكبارِ القرمطيّ سارق الحجر الأسود من بيت الله الحرام!! وأقول لهذه الأطراف الثلاثة الذين مدحهم الحاكم ونوَّه بأسمائهم وشكرهم على مساعدته في قتل مواطنيه: إذا كانت روسيا تمارس القتل دونما أدنى إثم أو تحرُّج، فهل أنتم - أيُّها
الإيرانيون وأتباعكم من طائفيي لبنان وأفغانستان والعراق وغيرهم – تستجيزون قتل المسلمين، وأنتم تقرؤون قوله تعالى: "ومن قتلها فكأنّما قَتَلَ الناس جميعا"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أعانَ على قتْلِ مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيِسٌ من رحمة الله"؟! ويلكم أين تذهبون غدا من غضب الله؟!
وخِتاما: لكِ الله يا شامُ من هذا الحكم الغاشم الذي لم يرعَ فيكِ ولا في أهلك الكرام إلاّ ولا ذِمّة، ولم تَطْرِفْ له عينٌ، وهو يريق دماءَ أبنائِكِ الطاهرة سيولا، فرَدِّدي معي قوله تعالى: "ولا تحسبنَّ الله غافِلا عما يعمل الظالمونَ". وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...