كشفت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير مفصل عن خداع النظام المصري المفترض أنه حليف للولايات المتحدة، وخرقه لقرارات مجلس الأمن، الذي كان عضوا غير دائم فيه، عندما استورد شحنة سلاح، اعتبرها تقرير الأمم المتحدة الأكبر في تاريخ التجارة السرية لنظام كيم جونغ أون، حيث تقدر قيمة الشحنة التي دمرها النظام بعدما اكتشفتها المخابرات الأمريكية بحوالي 23 مليون دولار.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الكشف عن الشحنة وتقرير الأمم المتحدة، الذي كشف بالدليل الدامغ أن مصر هي المشتري للشحنة، كان وراء قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجميد 300 مليون دولار مساعدات للجيش المصري.
وتقول الصحيفة إن القصة بدأت عندما تابعت المخابرات الأمريكية سفينة متهالكة غادرت في 23 تموز/ يوليو 2016 ميناء هايجو الكوري، وهي سفينة مملوكة لكوريا لكنها مسجلة في كمبوديا، ما سهل عليها المرور في المياه الدولية دون إثارة انتباه، وتابعتها المخابرات وهي تمر عبر شبه الجزيرة الملاوية إلى بحر العرب، وشمالا في البحر الأحمر، حيث أوقفتها السلطات المصرية في ميناء الأدبية، وتحققت من الوصف المقدم لها من الأمريكيين، وقاموا بفحص ما في السفينة، حيث وجدوا كتلا من الحديد، لكنهم اكتشفوا صناديق خشبية، وبعد إخراج آخر قفص من الـ79 في ميناء الأدبية، بدا من الواضح أن الشحنة كانت أسلحة، لكنها تختلف عن أي من الشحنات، وفيها 24 ألف قنبلة يدوية، وكلها نسخ كورية من رؤوس صاروخية سوفيتية معروفة باسم "بي جي- 7"، صنعت أولا في الستينيات من القرن الماضي.
ويلفت التقرير إلى أن خبراء التحقيق في الأمم المتحدة اكتشفوا مستوى آخر من الخداع، حيث طبع على كل قطعة سلاح تاريخ صنعها، وهو آذار/ مارس 2016، أي قبل أشهر من رحلة جي شون، وكلها كانت مزيفة، مشيرا إلى أن المحللين في الموقع كشفوا عن أن هذه الأسلحة ليست حديثة الصنع، كما جاء في تقرير الأمم المتحدة، "بل كانت مخزنة لوقت طويل".
وتذكر الصحيفة أن تحقيقا للأمم المتحدة أشار إلى أن الشحنة كانت جزءا من ترتيبات سرية، حيث حاول المسؤولون المصريون جهدهم إخفاء العقود مع الجهة المصدرة لها، وهي كوريا الشمالية.
وينقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين ودبلوماسيين غربيين، قولهم إن الكشف ربما كان وراء الشكاوى الخاصة والإجراءات التي اتخذها الأمريكيون بشأن محاولات المصريين الحصول على أسلحة ممنوعة من بيونغ يانغ، مشيرا إلى أن هذه الشحنة تلقي ضوءا على تجارة السلاح الدولية، التي أصبحت شريان الحياة لكوريا الشمالية ونظام الرئيس كيم جونغ أون، الذي يعاني من عقوبات اقتصادية؛ بسبب العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضت عليه.
وتورد الصحيفة أن بيانا من سفارة مصر في واشنطن، أشار فيه إلى "شفافية" المصريين، وتعاونهم مع محققي الأمم المتحدة، وتدميرهم شحنات الأسلحة التي وصلت بطريقة غير مشروعة، لافتة إلى أن مسؤولين أمريكيين علقوا قائلين إنه لولاهم لما تم الكشف عن الأسلحة غير المشروعة.
ويفيد التقرير بأن الحادثة تكشف عن الصعوبة في محاولات تغيير سلوك كوريا الشمالية، من خلال الضغوط الاقتصادية، مستدركا بأنه رغم العقوبات المفروضة على النظام، إلا أنه يقوم سرا بالاستفادة من تصدير السلاح الرخيص لعدد من الدول، التي شملت مرة إريتريا وإيران وبورما وكوبا وسوريا، بالإضافة إلى جماعتين إرهابيتين ودول حليفة لأمريكا، مثل مصر.
وتنوه الصحيفة إلى أن بعض الزبائن لديهم علاقات تعاون عسكري قوية مع بيونغ يانغ، وهناك أخرى استفادت من السوق التي فتحتها كوريا الشمالية للأسلحة القديمة، وتعود إلى حقبة الحرب الباردة، وتباع بأسعار زهيدة جدا، وتحولت إلى مصدر مهم للنظام، الذي يملك قدرات عالية في إخفاء الأسلحة وتصديرها بطريقة غير مشروعة، بما في ذلك الاعتماد على سفن تحمل أعلام دول أخرى، مشيرة إلى انه يضاف إلى هذا البراعة في إخفاء السلاح داخل السفن، بطريقة لا يمكن اكتشافها إلا بصعوبة، كما في حالة جي شون، حيث تم وضع المقذوفات الصاروخية تحت كم من الحديد الخام.
وينقل التقرير عن المحلل في شؤون الدفاع الكورية في مركز أبحاث الدفاع المتقدمة ديفيد تومبسون، قوله إن "المواد التي غطيت فيها الأسلحة لا تهدف فقط إلى إخفاء الشحنة، لكنها تكشف عن الطريقة التي استخدمت فيها كوريا الشمالية تجارة مشروعة للتغطية على تجارة غير مشروعة".
وتقول الصحيفة إن "تجارة السلاح غير المشروعة في كوريا جاءت نتاجا لتجارة بدأت مشروعة، ففي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي قدم الاتحاد السوفييتي السابق معدات عسكرية، بل مصانع كاملة، كوسيلة للحصول على دعم دول في العالم الثالث، وكطريقة لجعل السلاح السوفييتي السلاح المستخدم في جيوشها، بطريقة أكدت حاجتها المستمرة لقطع الغيار والأسلحة المصنعة سوفييتيا، وانتهزت كوريا الشمالية الفرصة، وحصلت على رخص لإنتاج نسخ من أسلحة روسية وصينية، تتراوح ما بين البنادق والمقذوفات الخاصة بالمدفعية والفرقاطات والدبابات، وانتشرت مصانع السلاح في كوريا الشمالية، فأنتجت في حقبة الستينيات من القرن الماضي ما يكفي للجيش وزيادة لبيعه والحصول على النقد، ومع نهاية الحرب الباردة توسعت الدول التي تستورد السلاح الكوري، وشملت جماعات متمردة".
ويورد التقرير نقلا عن المحللة في معهد ميدلبرة للدراسات الدولية أندريا بيرغر، قولها إن الطلب على السلاح الكوري الرخيص سيزداد حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفرض العقوبات عليها، بسبب برامجها النووية.
وتبين الصحيفة أنه مع زيادة الضغوط على كوريا الشمالية بشكل جعلها تهدد بإبعاد زبائن السلاح، غيرت الحكومة من وسائلها، حيث بدأت تغير تسجيل أسماء وأرقام الدبابات؛ حتى يتم بيعها في ظل أعلام أجنبية، ونشأت شركات واجهة في الصين وماليزيا؛ لمتابعة العقود دون وجود علاقة ظاهرة مع بيونغ يانغ.
ويستدرك التقرير بأنه رغم إبعاد العقوبات عدد من زبائن كوريا، إلا أن التجارة السرية استمرت، خاصة الدول المنبوذة من الغرب، مثل سوريا التي اشترت أجهزة حماية من الأسلحة الكيماوية، لافتا إلى أن من بين الذين اشتروا سلاحا كوريا حزب الله اللبناني، الذي اشترى مقذوفات وصواريخ كورية.
وتكشف الصحيفة عن أنه عثر على بنادق كورية الصنع إلى جانب جثث قتلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا، مع أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أنها أسلحة منهوبة من مخازن النظام الليبي السابق.
وبحسب التقرير، فإنه مع ذلك، فإن الباحثين عن السلاح الرخيص، الذي لا يوجد في الأسواق التجارية، يضمون دولا في الصحراء الإفريقية وأوغندا والكونغو، التي اعتمدت على كوريا لتدريب جيوشها وتسليحها، وتضم مصر، التي تعتمد على الدعم الأمريكي، لكنها تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وعسكرية تعود لسنوات السبعينيات من القرن الماضي مع بيونغ يانغ.
وتقول بيرغر من مركز ميدلبرة إن مصر أوقفت تعاملها العسكري مع كوريا الشمالية، إلا أن حادثة سفينة جي شون تكشف أنه من الصعب التخلي عن العادات القديمة، مشيرة إلى أن الجيش المصري لا يزال يملك أنظمة سلاح تعود إلى العصر السوفييتي السابق، منها ستة أسلحة مضادة للدبابات، بما فيها قاذفات "آر بي جي – 7"، التي كانت تحمل السفينة الكورية أسلحة خاصة بها، ويعتقد أن عدد قاذفات "آر بي جي- 7" العاملة في الجيش المصري يقدر بحوالي 180 ألفا.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين المصريين ووجهوا بعلاقاتهم مع سفينة جي شون، وكان الرد هو الإنكار والتعتيم، لافتة إلى أنه في وقت الاكتشاف كانت مصر عضوا غير دائم في مجلس الأمن، ورفضت في البداية تضمين أي مواد تربطها بالشحنة في تقرير الأمم المتحدة، وتقول السفارة إن السلطات المصرية حاولت تأجيل ومنع تضمين معلومات بسيطة، مشددة على مديح مجلس الأمن تعاونها في التحقيق.
ويفيد التقرير بأن تقرير الأمم المتحدة الصادر في شباط/ فبراير تجنب تحديد وجهة السلاح، مشيرا إلى أن السلطات المصرية قامت بتدمير الشحنة، وأن النائب العام المصري قام بالتحقيق فيها، مستدركا بأن التفاصيل التي جمعتها الأمم المتحدة، وأطلعت دبلوماسيين عليها، لا تدع مجالا للشك أن وجهة المقذوفات كانت مصر.
وتبين الصحيفة أن الدليل القاطع اكتشف في الصناديق، حيث تم تحديد كل منها باسم الشركة المصرية، إلا أن البعض حاول إخفاء الدليل، وأكد المسؤولون ضلوع شركة مصرية في الصفقة لكنهم رفضوا تأكيد اسمها، ولم يذكر اسمها في تقرير الأمم المتحدة، حيث قال: "أغلقت السلطات المصرية الشركة الخاصة، وألغت رخصتها".
ويستدرك التقرير بأنه رغم توقف المسؤولين الأمريكيين عن نقد مصر علنا، إلا أن الشحنة أسهمت في توتر العلاقات بين البلدين، وجاءت بعد سلسلة من الحوادث في عهد باراك أوباما وترامب وتتعلق بكوريا الشمالية، منوها إلى قول المسؤولين إنها كانت وراء تجميد واشنطن مساعدة 290 مليون دولار للجيش المصري هذا الصيف.
وتكشف الصحيفة عن أنه رغم مديح ترامب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام الكاميرات في أثناء زيارته للبيت الأبيض، إلا أن بيان البيت الأبيض أشار إلى أن تحذيرا قدم في اللقاء الخاص.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول مسؤول أمريكي: "أكد الرئيس ترامب أهمية تنفيذ الدول كلها قرارات مجلس الأمن المتعلقة بكوريا الشمالية، والتوقف عن تقديم المنافع الاقتصادية والعسكرية لكوريا الشمالية".