كتب دوغ باندو في موقع مجلة "فوربس" الأمريكية مقالا، تحدث فيه عن طموحات الهيمنة لدى كل من
السعودية والإمارات العربية المتحدة، واتهمهما بتهديد المصالح الأمريكية والسلام في الشرق الأوسط من خلال الهجوم على دولة
قطر.
ويقول الزميل في معهد "كاتو"، الذي عمل في السابق مساعدا خاصا للرئيس رونالد ريغان، إن "السعودية تريد الهيمنة على الخليج، فيما تطمح
الإمارات لحكم السعودية، وإن بطريقة غير مباشرة، وكلاهما تريدان فرض سيادتهما على الجارة قطر، ولم تفعل الدولتان حتى الآن إلا تقوية استقلال قطر وفضح نفاقهما، ويجب على الولايات المتحدة مواصلة الوساطة من خلال تأكيد الخطأ الذي يقع على المحور العدواني القمعي، أي محور السعودية- الإمارات".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى بداية الأزمة في حزيران/ يونيو، "حيث فرضت الرياض وأبو ظبي ما يشبه الحصارعلى المشيخة الصغيرة قطر، وطلبت منها القبول بموقع الدويلة، وانضمت إليهما دولتان، باعتا من قبل سيادتهما: مصر، التي يتلقى رئيسها عبد الفتاح السيسي، الذي لا يحظى بشعبية، دعما ماليا من السعودية والإمارات، والبحرين، التي قامت العائلة الحاكمة السنية فيها بسحق الدعوات الديمقراطية من الغالبية الشيعية بدعم من السعودية، وانضمت للرباعي المالديف، وإحدى الحكومات المتنافسة في ليبيا، فيما اختارت الكويت وعُمان الوقوف على الحياد، وقدم المحور السعودي الإماراتي لقطر 13 مطلبا غير قابلة للتفاوض، منها وضع سياسات الدوحة تحت الرقابة الأجنبية"
ويشير باندو إلى أن "شكل الجغرافيا في الشرق الأوسط، ووجود كميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي قادا إلى إثراء أمم غير مهمة تحكمها عائلات صغيرة، ويقول مسؤول في وزارة الخارجية لم يكشف عن اسمه: (لا توجد أيد نظيفة هنا)، خاصة أن جوهر الأزمة يقوم على دعم الإرهاب والعلاقات مع
إيران، ويضيف أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عبرتا عن إحباط من قطر، وليس بسبب دعم الإرهاب، فبعد هذا كله كان 15 مهاجما من بين 19 شاركوا في هجمات أيلول/ سبتمبر 2001 سعوديين، بالإضافة لاثنين من الإمارات، وأصبحت للبلدين سمعة غير طيبة في واشنطن؛ نظرا لكونهما مصدرا لتمويل تنظيم القاعدة والجماعات التي تستهدف الولايات المتحدة".
ويؤكد الكاتب أن مسؤولي الخارجية اشتكوا في برقية، تعود إلى 30 كانون الأول/ ديسمبر 2009، جاء فيها: "نواجه تحديا مستمرا لنقنع المسؤولين السعوديين بأن تمويل الإرهاب النابع من السعودية يجب أن يكون أولوية استراتيجية"، هذا مهم؛ "لأن المانحين من السعوديين يشكلون المصدر الأهم في تمويل الجماعات الإرهابية السنية حول العالم، ولا تزال المملكة قاعدة تمويل مالي لتنظيم القاعدة وحركة طالبان ولشقر طيبة وغيرها من الجماعات الإرهابية بما فيها حركة حماس".
ومضت وزارة الخارجية في ملاحظاتها للقول إن المواطنين الإماراتيين "قدموا الدعم لعدد من الجماعات الإرهابية، بالإضافة ألى الدور المتزايد الذي باتت تؤديه الإمارات بصفتها مركزا للنشاط المالي العالمي، الذي تزاوج مع ضعف الإشراف التنظيمي، ما يجعلها عرضة لسوء استخدام ممولي الإرهاب وشبكات الناشطين".
ويجد باندو أن "القرصنة التي تعرض لها الحساب الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، أدت إلى انتشار تقارير دامغة عن دعم حكومته لشبكة حقاني في أفغانستان، والراديكاليين الإسلاميين في ليبيا، والجماعات الأخرى، وقبل عدة سنوات دعت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون (لممارسة الضغط على حكومتي السعودية وقطر، اللتين تقدمان دعما سريا ولوجيستيا لتنظيم الدولة والجماعات السنية الراديكالية الأخرى في المنطقة)، وفي العام الماضي اشتكى دونالد ترامب من أن السعوديين هم (أكبر ممولي الإرهاب في العالم) وفي فترة قريبة لاحظ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس السيناتور بوب كوركر أن (حجم الدعم للإرهاب الذي تقدمه السعودية يتقزم أمام الدعم القطري)".
ويلفت الكاتب إلى أن "المسؤولين في واشنطن يقولون إن السعودية حسنت من سجلها، حيث قال مسؤول في الإدارة لصحيفة (فايننشال تايمز) إن (التفاعل والتعاون مع السعوديين تحسن)، لكن ليس بسبب إصلاح الرياض نفسها.،ففي العام الماضي اشتكت وزارة الخزانة الأمريكية من أن السعودية والإمارات دعمتا جماعتين يمنيتين داعمتين لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في أيار/ مايو أن السعودية وقفت أمام جهود واشنطن لتصنيف الفرع السعودي لتنظيم الدولة منظمة إرهابية، وحصل التقدم بسبب الضغط الأمريكي المستمر، و(لأن الولايات المتحدة جعلت تمويل الإرهاب أولوية، وقامت بطرح الموضوع دون توقف مع هذه الدول كلها) بحسب ما قاله مصدر لصحيفة (فايننشال تايمز)".
ويقول باندو إن "قطر، مثل الكويت التي تجنبت الهجوم السعودي الإماراتي، قد انتقدت بسبب قصورها، لكن الخارجية اعترفت في نهاية تموز/ يوليو بالتقدم الذي حققته الدوحة في مجال تحديد مصادر التمويل، لكنها حذرت من أن (ممولي الإرهاب داخل البلد لا يزالون قادرين على استغلال النظام المالي غير الرسمي)، ووقعت قطر في الفترة الأخيرة مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة، تتعلق بتمويل الإرهاب، التي من شأنها بناء رد فعال".
ويلفت الكاتب إلى أنه "على خلاف الرياض، فإن الدوحة لا تنفق أربعة مليارات دولار سنويا لنشر الأصولية الوهابية، التي تهيئ الناس للجاذبية الإرهابية، من خلال التقليل من شأن المسلمين وغير المسلمين الذين لا يقبلون تعاليمها الأصولية".
ويعلق باندو قائلا إن "السعودية قد تكون قائدة في مهرجان النفاق العالمي: فالعائلة المالكة تقوم بالتأثير على الممارسة الدينية العامة، من خلال تقديم الدعم الوافر، وتشجيع التعصب في الوقت الذي يعيشون فيه حياتهم الخاصة خلف الجدران، ودون ذرة من حياء أعلنت الحكومة الشهر الماضي عن إنشاء مكتب نائب عام لاستهداف خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، وللأسف، فإن خطاب الكراهية للعائلة المالكة مضر، ففي تقرير نشره توم ويلسون من جمعية هنري جاكسون، ومقرها لندن، ناقش فيه وجود أدلة كافية تؤشر إلى الأثر الذي تركه التمويل الأجنبي على نشر التطرف الإسلامي في بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى، حيث ساهم المال السعودي في تشدد المسلمين في البوسنة وكوسوفو وباكستان".
وتنقل المجلة عن المحلل النرويجي المتخصص في مجال الإرهاب، توماس هيغهامر، قوله: "لو كانت هناك فرص لإصلاح إسلامي في القرن العشرين فإن السعوديين منعوها".
ويقول الكاتب إن "ما تعنيه السعودية والإمارات من دعم الدوحة لـ(الإرهاب) هو استضافتها لجماعات ناقدة للسعوديين والإماراتيين، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد أكبر منظمة للإسلام السياسي، واندمج أعضاؤها اجتماعيا في عدد من الدول، مثل الكويت وتركيا، وتسلموا حكومات في مصر وتونس ودول أخرى، وانتهت رئاسة محمد مرسي بطريقة سيئة، لكنه لم يكن مسؤولا إلا عن جزء بسيط من الجرائم التي ارتكبها الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي طلب الدعم من أبو ظبي والرياض، في الوقت الذي سحق فيه المعارضة بطريقة وحشية".
وينوه باندو إلى أن "الدولتين انتقدتا قطر بسبب استضافتها كلا من حركة حماس وحركة طالبان، إلا أن الحفاظ على قناة اتصال مع هذه المنظمات مفيد، وتكشف الرسائل الإلكترونية المسربة للعتيبة غضب أبو ظبي عندما خسرت لصالح قطر المكان لاستضافة سفارة حركة طالبان، ومن المنظور الأمريكي فإنه من الافضل أن تكون هذه الجماعات قريبة، حيث تتم مراقبتها، والتاثير عليها أفضل من أن تكون مثلا في طهران".
ويؤكد الكاتب أن "واشنطن لم تطلب من قطر طرد ضيوفها، وفي تموز/ يوليو، قال مدير (سي آي إيه) السابق ديفيد بترايوس: (على شركائنا أن يتذكروا ـن قطر-وبناء على طلبنا- رحبت بوفود حركتي طالبان وحماس)، وتعترف كورتني فريير، من (غالف ستيت أناليتكس) بأن استضافة لاجئين سياسيين لها سوابق تاريخية، وتعكس (الرغبة لتوسيع التاثير إقليميا ودوليا) ولا تعكس (تقاربا أيديولوجيا)".
ويقول باندو: "لعل من أكثر المضايقات للسعوديين والإماراتيين هو وجود قناة (الجزيرة) التي تنتقدهم، وبعد هذا كل فإنهم تعودوا على الإملاء للصحافة التي تسيطر عليها الدولة في السعودية والإمارات، وجرمت كلتا الحكومتين أي نوع من التعاطف مع قطر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول الصحافيون السعوديون إنهم يتلقون نقاطا محددة وأوامر للهجوم على الدوحة".
ويبين الكاتب أنه "كجزء من حرب العلاقات العامة، انتقدت الرياض وأبو ظبي سجل الدوحة في مجال حقوق الإنسان والحرية الدينية، ولا أحد يدعي أن قطر هي ديمقراطية غربية، فالتقرير الأخير لوزارة الخارجية حول حقوق الإنسان في العالم لاحظ أن قطر لا تعقد انتخابات للمناصب الحكومية، ولا تحمي الحريات المدنية، وتقيد الدولة الحرية الدينية، لكن الاضطهاد هو أوسع وأعمق في السعودية والإمارات العربية، مثلما تعاني حقوق الإنسان في البحرين ومصر، مع أنهما طرفان صغيران في الدراما المستمرة".
وينوه باندو إلى أنه "بالنسبة للإمارات، فإن تقرير وزارة الخارجية لاحظ (أهم ثلاث مشكلات تتعلق بحقوق الإنسان، وهي عدم قدرة المواطنين على اختيار حكومتهم في انتخابات حرة ونزيهة، ومحدودية الحريات المدنية (بما فيها حرية التعبير والتجمع والانتماء للجمعيات) والاعتقالات دون تهم، والحجز في أماكن مجهولة، والاعتقال الطويل الذي يسبق المحاكمة، وسوء المعاملة اثناء الحجز)، وكأن هذا الأمر ليس كافيا، حيث يمضي تقرير الخارجية للقول: "من المشكلات الأخرى لحقوق الإنسان غياب الشفافية الحكومية، ووحشية الشرطة وحراس السجن، وتدخل الحكومة في الحريات الشخصية، بما في ذلك الاعتقال في قضايا تتعلق بتعليقات على الإنترنت، وغياب القضاء المستقل، ويمنع القانون الإلحاد ونشر التعاليم غير الإسلامية، وبطريقة غير مباشرة يمنع التحول عن الإسلام لديانات أخرى، من خلال العودة للشريعة في قضايا العقيدة، بالإضافة إلى الانتهاك والعنف الأسري ضد المرأة، الذي يظل مشكلة)، وقال المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان إن دعاة حقوق الإنسان يواجهون مشكلات، مثل (التجريم والتحرش ضدهم وعائلاتهم، والقيود على حرية الحركة، والمنع من العمل، والطرد التعسفي، والاعتقال القسري)".
ويعلق باندو على إعلان السعودية عن إنشاء "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي نشرت بيانا انتقدت فيه الطريقة التي عاملت فيها قطر الحجاج العائدين من أداء شعائرهم، قائلا إن "مزاعم الجمعية حول إساءة قطر معاملة حجاجها فيه حساسية، لكن الشخص يتساءل متى ستقوم الجمعية بالتعليق على وضع المدون رائف بدوي، الذي حكم عليه بالسجن لعشرة أعوام، والجلد ألف جلدة، فيما حكم لاحقا على محاميه بـ15 عاما، وقد تتناول الجمعية 14 شيعيا حكم عليهم بالإعدام؛ نظرا لاحتجاجهم ضد العائلة المالكة، حيث تم التعامل مع الاتهامات على أنها قضايا لها علاقة بالإرهاب، وأقل ما يمكن أن تقوم به الجمعية هو إصدار بيان صحافي، وقد تقوم الجمعية بالتعليق على خطف ثلاثة من أفراد العائلة المالكة المعارضين، سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر، وسعود بن سيف الناصر، الذين قدمت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قصتهم الشهر الماضي، وقد أفرج عن ابن عبد العزيز لظروف صحية، ليعاد اختطافه في عام 2016، ولم يسمع أحدعن مصير الثلاثة الذين يعتقد أنهم في السجن".
ويلفت الكاتب إلى ما ورد في تقرير وزارة الخارجية عن السعودية، ولم يكن جيدا: "مشكلات حقوق الإنسان وأهمها هو عدم قدرة المواطنين وعدم توفر الوسائل القانونية لهم لاختيار حكومتهم، والتقييد على الحقوق العامة، مثل حرية التعبير، بما في ذلك الإنترنت، وحرية التجمع والانتماء والتعبير، بما في ذلك الدين والتمييز المستمر ضد الجنس، وغياب الحريات المتساوية، التي أثرت على معظم ملامح حياة المرأة".
ويستدرك باندو بأن "انتهاكات الحكومة لا تتوقف هنا، حيث أضاف تقرير وزارة الخارجية (مشكلات أخرى لحقوق الإنسان تضم: غياب القضاء المستقل والشفافية، الذي يظهر في الحرمان من الإجراءات القانونية والاعتقال العشوائي والاحتجاز، وغياب الحقوق المتساوية للأطفال والعمال الوافدين، وانتهاك المعتقلين والسجون ومراكز الاعتقال المكتظة، والتحقيق مع المحامين وناشطي حقوق الإنسان والمعارضين للحكومة والمطالبين بالإصلاح واحتجازهم ومحاكمتهم وإدانتهم، واحتجاز السجناء السياسيين، والتدخل العشوائي في الحريات الشخصية والبيوت والمراسلات)، وبالنسبة للدين تقيد الإمارات ممارسة الأديان الأخرى غير الإسلام، مع أنها تتصرف بطريقة مختلقة عن الدول القمعية المسلمة، وبالمقارنة تتسم السعودية بالديكتاتورية، فلا كنائس أو كنس أو معابد أو أي من بيوت العبادة الأخرى، وحتى تتم معاملة الأقلية الشيعية بطريقة سيئة، ودائما ما تنظر الولايات المتحدة للسعودية على أنها بلد مثار قلق".
ويفيد الكاتب بأن "الجهاد السعودي الإماراتي استهدف علاقة قطر مع إيران، خاصة أن طهران والدوحة تشتركان بحقل للغاز الطبيعي، وهو ما يقتضي علاقة حضارية بينهما، ومن المفارقة أن الإمارات تعترف بهذا الواقع، حيث أشار النائب السابق لرئيس الوزراء القطري عبدالله بن حمد العطية إلى أن حجم التجارة بين إيران والإمارات أكبر منه مع قطر، ووافقت الأخيرة على قطع العلاقات التجارية مع طهران لو قطعت الرياض وأبو ظبي علاقتهما معها".
ويرى باندو أن "العزل لم ينجح بصفته أسلوبا ضد إيران، فعلى خلاف هذا، فإن هناك أملا في حصول تحول ديمقراطي ليبرالي فيها أكثر من السعودية، وتتذكر طهران الماضي الليبرالي، وتعقد انتخابات، وتتسامح مع الإعلام المعارض، ولديها غالبية شبابية تتطلع للغرب، وعلى صعيد السياسة الخارجية تبدو سياسات الرياض أكثر خطورة -غزو اليمن، والترويج للراديكالية الإسلامية في سوريا، ودعم الاستبداد في البحرين، وتمويل الديكتاتورية في مصر، ومحاولة تحويل قطر إلى دولة دمية- وتخاف العائلة السعودية الحاكمة من إيران؛ لأن هذه لديها قضية، وإن كانت قاصرة، مقارنة بنظام يتمتع فيه الأمراء بمزايا أكثر من المواطنين".
ويجد الكاتب أنه "من المفارقة أن الحملة الإماراتية السعودية نفعت إيران بشكل كبير، وتبدو طهران أكثرعقلانية مقارنة مع الأمراء المدللين، والتفت قطر لإيران طلبا للمساعدة، وتوفير المواد الغذائية التي لم تعد متوفرة عبر السعودية، وبالتأكيد أعادت قطرعلاقاتها الدبلوماسية، وعززت علاقاتها مع تركيا للمساعدة في الحد من التسيد الإماراتي- السعودي في الخليج".
ويستدرك باندو بأنه "رغم تحرك السعودية والإمارات بالترادف مع بعضهما، إلا أنها حليفان متنافران، وعبر السفير العتيبة عن رغبة حكومته بالتلاعب في السعودية، من خلال ولي العهد ونائبه، بل إنه زعم أن إنشاء حكومة علمانية هو هدف تشترك فيه الحكومتان، وفي اليمن قتل الشريكان المدنيين، وعرقلا الجهود الدولية للمساعدة، بشكل أدى إلى خلق أزمة إنسانية، ورغم مسؤوليتها عن الكارثة، فإن الرياض تحاول القيام بحملة علاقات عامة تظهر فيها دعمها للمدنيين في اليمن، ومع ذلك فاستراتيجية كل منهما مختلفة، فمن جهة تقوم السعودية بتقوية الإسلاميين الراديكاليين، أما الإمارات فتواجه تنظيم القاعدة، رغم أنها اشترت قبل عامين أسلحة من كوريا الشمالية لتوزيعها في اليمن".
ويجد الكاتب أنه من الصعب التكهن بالموقف الأمريكي، فقبل زيارته للرياض انتقد الرئيس ترامب العائلة السعودية؛ لاعتمادهاعلى أمريكا للدفاع عنها، ولأنها تمول الإرهاب، ويبدو أنهم استطاعوا جذب الرئيس، ربما من خلال الكرة الأرضية التي أمسك بها، أو نظرا لرقصة السيف، وعلى ما يبدو منح دعمه للحملة الإماراتية السعودية، وكتب تغريدة مصادقة لها فيما بعد، لكن وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس وقفا بوضوح، إن لم يكن بطريقة غير مباشرة، مع قطر، وانتقد تيلرسون الرياض وأبو ظبي، وضغط عليهما لتحديد مطالبهما، التي أدت لـ13 مطلبا يستحيل تنفيذها، واعتبر موقف قطر (عقلاني)، وأكد جيمس ماتيس دور الدوحة العسكري، التي تستضيف القوات الأمريكية في قاعدة العديد، ولم يعبرا عن تعاطف مع متهمي قطر، بالإضافة إلى أن المخابرات الأمريكية تعتقد أن أبو ظبي هي التي قامت بالقرصنة على الموقع الحكومي، ونشر أخبار مزيفة على لسان الأمير، التي أسهمت في خلق الأزمة، فحليف ومجرم إلكتروني لا يتوافقان مع هذه الإدارة، هذا كله قوّى من موقف المشيخة الخليجية، وجعلها في مزاج من لا يريد التنازل، وفي الوقت ذاته واجهت السعودية والإمارات الإهانة، وفي الوقت الذي شجبتا فيه الموقف (الاستعماري) لإيران وتركيا في سوريا فإنهما -الإمارات والسعودية- مارستا الأسلوب ذاته في الخليج".
ويفيد الكاتب بأنهما "حاولتا دون نجاح دعم الدول الصغيرة، مثل الصومال، وتحدث السفير الإماراتي في موسكو عمر سيف غباش عن تحويل الأزمة إلى (نحن وهم)، وعلى ما يظهر الآن فإنهم (هم) الذين ينتصرون الآن، فبعد طلب سلسلة من المطالب غير القابلة للنقاش، فلا يمكن للسعودية والإمارات التراجع دون خسارة ماء الوجه، وفي ضوء الموقف الأمريكي، فإن التصعيد، خاصة الحل العسكري الذي جرى الحديث عنه مرة، أصبح خارج الصورة الآن، فوجود القوات التركية يمثل عقبة أخرى أمام العدوان السعودي الإماراتي، واستقبلت السعودية في الشهر الماضي عضوا غير معروف في العائلة الحاكمة في قطر، من الجانب الخاسر في الصراع الداخلي على أمل استخدامه في جهود تغيير النظام، وعلى ما يبدو فإن القطريين اتحدوا وراء قيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".
ويذكر باندو أن "أبو ظبي والرياض تنفقان أموالا ضخمة على مراكز البحث، خاصة (معهد الشرق الأوسط) وجماعات العلاقات العامة، مثل (بوديستا غروب)، إلا أن تسويد صفحة قطر لم يبيض صفحتهما، وتجد الإمارات والسعودية صعوبة لبناء دعم دولي لتحولا جارة خليجية إلى مستعمرة حقيقية، وكبت النقد ضد ممارساتهما الديكتاتورية، وممارسة الرقابة على منظمات الإعلام الدولية".
ويشير الكاتب إلى أن "أمير قطر تحدث في الأسبوع الماضي مع ولي العهد السعودي، لكن بعد ظهور تفاصيل الحوار بينهما اتهم الأخير الأول بتشويه ما دار بينهما، ما أعاد مثيري النزاع إلى المربع الأول، ومن هنا فإن الحصار الحقيقي مكلف للطرفين، وتعاني قطر بلا شك من المصاعب الاقتصادية أكثر من المعادين لها، لكنها في وضع اقتصادي أفضل من السعودية، التي عانت بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط، وتراجع ولي العهد بشكل مهين عن بعض الإصلاحات الاقتصادية التي فرضها بداية العام الحالي".
ويذهب باندو إلى أنه "من الناحية السياسية فمن اتهموا قطر هم الخاسرون، وركزوا الانتباه بطريقة غير مقصودة على سجلاتهم في حقوق الإنسان والنفاق المشين، فيما حصلت إيران العدو الرئيسي للرياض على منافع كبرى، ولم تتخذ الولايات المتحدة موقفا رسميا، إلا أن المسؤولين لاموا الدول التي بدأت المعركة".
ويبين الكاتب أن "الكثير من الحكومات لا ترى في الوقت الحالي حلا سريعا للمواجهة في الخليج، ولاحظ ريكس تيلرسون أن (الحل النهائي قد يحتاج لوقت)، وفي النهاية لا بد للرياض وأبو ظبي من التراجع، لكن أيا منهما ليست مستعدة للإهانة".
ويختم باندو مقاله بالقول: "في الظرف الطبيعي لم تكن واشنطن لتهتم بالشجار بين نخبة تتظاهر بالورع، لكن الولايات المتحدة جعلت نفسها ضامنا لأمن الخليج، ولا يمكن للإدارة تجاهل النزاع الحالي، خاصة في ظل تهور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يتصرف مثل دب في محل لبيع الأطباق الصينية، فخليج تتسيده السعودية، التي تريد نشر الإمبريالية الوهابية، مع دولة الإمارات المنشغلة ببناء قواعد عسكرية في البونتلاند وصومالي لاند واليمن، سيكون أخطر من ذلك التي تسيطرعليه إيران، ومن هنا فيجب على الرئيس ترامب ممارسة قيادية قوية وإيجابية في شوؤن الشرق الأوسط، ومواجهة الدور المبالغ فيه والسلبي الذي تؤديه الرياض، وعلى المسؤولين الأمريكيين إرسال رسائل بأنهم يتوقعون من الإمارات والسعوديين تنظيف الفوضى التي خلقوها في أقرب وقت".