قالت الباحثة بمركز كارنيغي للدراسات، ميشيل دان، إن الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، يحاول إرسال رسالة بقطع المساعدات الأمريكية عن مصر، مفادها أنه أكثر حزما من سلفه، باراك أوباما، وأكثر اهتماما بقضايا
حقوق الإنسان.
ولفتت في تقرير لها ترجمته "
عربي21"، إلى أن إدارة ترامب قد لا تكون مهتمة كثيرا بمعاقبة الأنظمة السلطوية بسبب انتهاك حقوق الإنسان، إلا أن الخطوة تهدف إلى توجيه رساله أيضا إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المنتمين للحزب الجمهوري، بعد أن تنامى لديهم القلق بسبب الأوضاع الحقوقية في مصر، وعبروا عن انزعاجهم من رئيس النظام هناك، عبد الفتاح
السيسي.
ويرجع القلق في مجلس الشيوخ إلى عدة قضايا أبرزها؛ إدانة العاملين في المنظمات الأمريكية غير الحكومية، والتشريع الجديد الذي يقيد حرية المجتمع المدني، وانتهاكات حقوق الإنسان الواسعة، واستخدام السلاح الأمريكي في أعمال قتل خارج القانون في سيناء.
وتاليا التقرير كاملا:
يمكن لسببين اثنين اعتبار قرار إدارة ترامب في وقت مبكر من هذا الأسبوع سحب ما يقرب من مائة مليون دولار من المعونة لمصر، وتعليق ما يقرب من مائتي مليون دولار أخرى خطوة بالغة الأهمية. أولا، معظم هذه الأموال هي عبارة عن مساعدة عسكرية لم يحصل أن ألغيت من قبل، بينما سبق أن ألغيت المساعدات الاقتصادية في عدد من المناسبات. وثانيا، ارتبط هذا الإجراء بمخاوف تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان، وهي خطوة غير اعتيادية لأي إدارة، وبشكل خاص الإدارة الحالية بالذات.
ما الذي فعلته بالضبط وزارة الخارجية – التي لديها الصلاحية بصرف المعونة الخارجية بمجرد صدور قرار عن الكونغرس بتوفير الأموال المقررة لذلك؟ قامت بإعادة برمجة (وترجمة ذلك هو أنها سحبت من مصر) 95.7 مليون دولار من المعونة بما في ذلك 65.7 مليون دولار على شكل مساعدات عسكرية وثلاثون مليون دولار على شكل مساعدات اقتصادية. كانت هذه الأموال مكدسة لم تنفق خلال السنوات الأخيرة (وهناك ما هو أكثر بكثير من ذلك، وخاصة في مجال الدعم الاقتصادي) وقررت إدارة ترامب إلغاء كل ذلك سعيا منها لإرسال إشارة.
الخطوة الأولى التي اتخذتها وزارة الخارجية هي الاحتفاظ – على رف لا تطاله يد مصر – بما يقرب من 195 مليون دولار إضافية من المساعدة العسكرية، التي كان من الممكن أن تعاد بشكل نهائي غير قابل للنقض إلى الخزانة الأمريكية بحلول الثلاثين من أيلول/سبتمبر إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء. يمثل هذا المبلغ نسبة قدرها 15 بالمائة – التي قرر الكونغرس إخضاعها لأوضاع حقوق الإنسان – من مبلغ قدره 1.3 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية، خصصت لمصر في ميزانية السنة المالية لعام 2016. يعني ذلك بأن وزير الخارجية ريكس تيلرسون إنما فعل ما كان سلفه جون كيري قد فعله من قبل، حيث قال إن مصر لم تلب الشروط، ولكن تجاوز عن هذه الشروط لأسباب تتعلق بمصالح "الأمن القومي". إلا أن تيلرسون وضع الأموال على رف قائلا، إن مصر لن يكون بإمكانها الاستفادة منها إلى أن "نرى تقدما في ممارسة الديمقراطية" (بحسب ما صرح به ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية).
لماذا أقدمت وزارة الخارجية الأمريكية على اتخاذ هذه الخطوات، ولماذا الآن؟ ربما كان الدافع وراء هذه القرارات الإجراء الذي لوح به أعضاء الكونغرس، حيث إن بعض كبار أعضاء مجلس الشيوخ، وعدد كبير منهم ينتمون إلى الحزب الجمهوري، تنامى القلق لديهم بسبب الأوضاع في مصر، ولقد عبروا عن انزعاجهم من سلوك الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما كان واضحا خلال جلسة الاستماع (التي عقدها مسؤولو الاعتمادات المالية في مجلس الشيوخ، الذين يناط بهم اتخاذ القرارات بشأن المساعدات الخارجية)، التي تقدمت أمامها بشهادتي في شهر نيسان/إبريل. هناك عدد من القضايا التي أدت إلى تدهور علاقة بعض من الأعضاء المهمين في مجلس الشيوخ مع مصر، ومنها: الجرح المتقرح منذ إدانة العاملين في المنظمات الأمريكية غير الحكومية في عام 2013، والتشريع الجديد المتشدد الذي يقيد حرية المجتمع المدني في مصر، والانتهاكات المستمرة على نطاق واسع لحقوق الإنسان، وما يشاع عن استخدام الأسلحة التي ترد من الولايات المتحدة الأمريكية في أعمال قتل خارج إطار القانون في سيناء. فلو أن الإدارة أخفقت في عمل شيء بخصوص هذه القضايا فقد يلجأ الكونغرس إلى إصدار تشريع صارم جديد حول المعونة التي تقدم إلى مصر. وهذا ما دفع الإدارة إلى الأخذ بزمام المبادرة.
لم تعلن وزارة الخارجية على الملأ ما هو "التقدم" المطلوب تحقيقه من أجل الإفراج عن الـ 195 مليون دولار، سوى القول بأن الأمر يتعلق بوضع حقوق الإنسان وبنشاط المنظمات غير الحكومية. وقد يكون هذا مقصودا لذاته، ولعله قرار حكيم. ولربما قامت وزارة الخارجية سرا بإيصال شروط محددة إلى الحكومة المصرية، ويمكن للمرء أن يخمن ماهية هذه الشروط. فعلى الأرجح سيتضمن ذلك شيئا بخصوص تعديل أو إلغاء القانون المتعلق بالمنظمات غير الحكومية. لم يتوان تيلرسون عن التصريح بوضوح وعلى الملأ بأن تصديق السيسي على هذا القانون، بعد أن ظن المسؤولون في الإدارة الأمريكية أنهم حصلوا على وعد بأنه لن يفعل ذلك، بات مثار خلاف بين الجانبين. وقد تتضمن قائمة الشروط أيضا إسقاط الأحكام التي صدرت بحق العاملين في المنظمات الأمريكية غير الحكومية، ووقف المضايقات التي تتعرض لها جماعات حقوق الإنسان المصرية.
تتصدر هذه القضايا اهتمامات أعضاء الكونغرس بالإضافة إلى المطالبة بإنشاء آلية رصد لمراقبة استخدام المعدات والأسلحة التي تزود بها الولايات المتحدة مصر في سيناء. وأخيرا، طفت على السطح علاقة مصر العسكرية والتجارية القائمة منذ وقت طويل مع كوريا الشمالية لتضيف عنصرا آخر إلى قائمة المنغصات، ولقد صرح البيت الأبيض علانية بأن ترامب كان قد أثار هذه القضية مع السيسي عندما تحدث معه هاتفيا في شهر تموز/ يوليو.
هل يعتبر سحب المعونة مخالفا لما عُهد عن إدارة ترامب من أسلوب في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان حول العالم وفي مصر تحديدا؟ نعم ولا. ليس مألوفا لأي إدارة، وبشكل خاص لإدارة ترامب بالذات، أن تعاقب نظاما سلطويا صديقا على انتهاكه لحقوق الإنسان أو على تقييده لحريات المجتمع المدني. قد تبدو تصريحات ترامب المدوية، وتصريحات تيلرسون الأقل صخبا، بعدم الانشغال أو الاهتمام بما تنتهجه الدول الأخرى من أساليب في الحكم متناقضة مع هذا القرار.
إلا أن الخطوة تنسجم من نواحي أخرى مع مقاربات ترامب، بما في ذلك مخالفة ما كان عليه الرئيس باراك أوباما (الذي كانت إدارته تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن في الوقت نفسه تتردد في سحب المساعدة العسكرية)، والمطالبة بخطوات محددة مقابل المساعدة الأمريكية (باكستان نموذجا)، وإثبات أن ترامب أكثر صرامة وحزما فيما يبرمه من صفقات مقارنة بسلفه.
فيما يتعلق بمصر تحديدا، ومنذ أن تولى ترامب منصبه رئيسا للولايات المتحدة، أولى المراقبون اهتماما أكثر من اللازم لتعبيراته عما يكنه من احترام وتقدير للسيسي وأقل بكثير مما يجب؛ لانعدام الحماس في إدارته (ناهيك عن انعدام حماس الكونغرس) تجاه ترجمة المشاهد الحميمية التي تظهر في الصور التذكارية إلى دعم ملموس. فعندما جاء السيسي في زيارة إلى واشنطن في نيسان/ إبريل 2017، كاد يكون مستحيلا حمل الصحفيين على ملاحظة هذا الانفصام المدهش، إذ كانوا مستغرقين تماما في الاهتمام بحكاية "تخلي ترامب عن حقوق الإنسان."
بينما قد تبدو مقاربة ترامب مربكة وغير مفهومة، فإنها تبدو كذلك كما لو كانت محاولة لقلب مقاربة أوباما رأسا على عقب: أي استبدال الانتقاد العلني دون ممارسة أي ضغط حقيقي بإظهار الحميمية في العلن وإرفاق ذلك بمطالب معينة. قد تمر أسابيع أو حتى شهور قبل أن يتضح ما إذا كان أسلوب ترامب هذا أنجع مما جرت عليه العادة من قبل.