عززت الإجراءات الأمريكية ضد مليشيات عراقية قرب الحدود مع سوريا، والتطورات السياسية على الساحة العراقية، تكهنات سياسية تحدثت عن تنافس أمريكي
إيراني على النفوذ بالعراق، في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة.
وبحسب ما فسر محللون سياسيون في حديث لـ"
عربي21" فإن التنافس بين واشنطن وطهران على النفوذ في العراق خلال المرحلة المقبلة، يظهر جليا في الملفين العسكري والسياسي.
الملف العسكري
ولعل آخر إجراء عسكري أمريكي هو قصف، مليشيا "كتائب سيد الشهداء" الموالية لإيران، الاثنين الماضي، قرب الحدود العراقية السورية، ما أسفر عن مقتل 36 عنصرا وإصابة 75 آخرين، بحسب بيان للكتائب.
وفي الوقت الذي نفت فيه القوات الأمريكية على لسان ريان ديلون المتحدث باسم قواتها في العراق وقوفها وراء الضربة، فقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن الهجوم، مؤكدا مقتل 68 عنصرا، على الحدود العراقية السورية.
وقبل نحو شهر ونصف، تعرضت "كتائب سيد الشهداء" ذاتها إلى ضربة جوية أمريكية قرب الحدود العراقية السورية، ما أسفر عن وقوع قتيل وإصابة ستة آخرين، بحسب بيان لها.
ووفقا لمراقبين، فإن ما يثبت سعي أمريكا لوضع حد لتحركات مليشيات المرتبطة عقائديا بإيران (بحسب ما أقرّ زعيمها أبو الولاء الولائي)، هو الضربات المتكررة لها.
وتعليقا على الموضوع، فقد قال رئيس الوزراء حيدر العبادي في تصريح له، إن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، لا يمكن أن ينفذ ضربات جوية دون موافقة الحكومة العراقية.
لكن نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، دعا إلى فتح تحقيق عاجل بحادثة استهداف ميليشيا "كتائب سيد الشهداء" على الحدود العراقية السورية، ومحاسبة مرتكبيها.
ووصف المالكي القصف بأنه "اعتداء غير المبرر من التحالف الدولي على قاطع العمليات ضمن الحدود العراقية السورية"، متسائلا عن "أسباب تكرار تلك الاعتداءات بالتزامن مع الانتصارات ضد داعش".
وحول هذا الموضوع، كشف مصدر سياسي مقرب من تحالف القوى العراقي (السنة) لـ"
عربي21" أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورجل الدين مقتدى
الصدر يسيران في الخط الأمريكي، بعيدا عن إيران".
الملف السياسي
وعلى صعيد ما تشهده الساحة العراقية من حراك سياسي، فقد أعلن عمار الحكيم، الاثنين الماضي، تركه لرئاسة المجلس الأعلى (الذي تأسس في إيران عام ثمانين، وتأسيس تيار "الحكمة الوطني".
ولكن ما أثار الاستغراب في هذه الخطوة، هو سرعة إعلان الحكيم انفصاله عن تيار يوصف بأنه النموذج الإيراني في العراق، كونه يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه كنظام للحكم في البلاد.
وقال المحلل السياسي الدكتور عدنان التكريتي في حديث سابق لـ"
عربي21" إن "إيران تواجه تحدي النفوذ مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وهي عادة لا تستسلم وإنما تساير الوضع بأي طريقة كانت".
وأوضح أن إيران نجحت في أن تقدم السياسي العراقي (الشيعي) الراحل أحمد الجلبي لأمريكا ليكون رجلها الأول في العراق، وهو الذي لعب دورا كبيرا في احتلال العراق.
وبالتزامن مع انشقاق الحكيم، فقد فاجأ زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، إيران، بزيارة إلى المملكة العربية
السعودية، التقى خلالها بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فقد وصفت صحيفة "فايننشال تريبيون" الإيرانية الصادرة بالإنجليزية، زيارة الصدر إلى السعودية بأنها "خطأ إستراتيجي سيندم عليه"، لافتة إلى أن "الصدر يحاول بهذه الزيارة تعويض تراجع تأثير مليشيا سرايا السلام في العراق".
وردا على ذلك، فقد قال صلاح العبيدي المتحدث باسم الصدر في تصريح سابق لـ"
عربي21" إن "الصدر يعلم يقينا أن زيارته إلى السعودية، ستشكل ردودا سلبية في الحاضنة الشيعية، وهو مستعد لمواجهة ذلك".
من جهته، قال المصدر المقرب من تحالف القوى الذي فضل عدم كشف هويته، إن "هناك مرحلة جديدة قادمة، وستشهد الحياة السياسية العراقية تغيرات كثيرة. أمريكا عائدة للعراق، وستتعامل مع تحجيم النفوذ الإيراني لا إنهاءه"، لافتا إلى أن "إيران ستعمل على احتواء الموقف بسياسة ذكية تبقي لها الكثير من نفوذها".
وأضاف: "ربما نجد تراجعا إيرانيا سياسيا بعض الشيء، ولكن مشروعها الديني والمجتمعي والفكري للهيمنة على العراق سيبقى مهما تغيرت إشكاله"، مرجحا: "تراجع إيران تراجعا سياسيا ملحوظا مسيطر عليه، وسيتوافد أنصار إيران على أمريكا لتقديم استعداداتهم للتعاون. سنشهد انشقاقات قادمة وهي ضرورية ليتكامل المشهد" .
ورأى المصدر أن "إيران ستنتظر قدوم الدعم الاقتصادي للعراق لكي يخرج العراق من أزمة الاضطرار للوجود الأمريكي، و سيكون هناك إعداد لمواجهة مع الوجود الأمريكي ذات طابع عسكري إذا اضطرت لذلك".
وأشار إلى أن إيران ستركز على نفوذها داخل المجتمع وعلى علماء الدين الشيعة كما ستستقطب تيارات وشخصيات سنية وكردية تتحكم بهم روح التنافس مع الآخرين" .
وتوقع المصدر أن "يتصاعد الضغط الإيراني على السعودية وربما غيرها لمزيد من إرباك للوضع السعودي وستكون هناك عملية استقطاب للمتطرفين السنة والشيعة في السعودية لاسيما أن الأخيرة اتخذت مسارا علمانيا".
ووصل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الأحد، إلى أبو ظبي قادما من النجف على متن طائرة إماراتية خاصة، والتقى فور وصوله بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وتأتي زيارة "الصدر" بعد أقل من أسبوعين على زيارة رسمية أجراها إلى السعودية، في تحول ملفت للعلاقات بين أحد الأطراف الشيعية العراقية والدول الخليجية.
وكشف وزير الدولة للشؤون الخارجية
الإماراتية، أنور قرقاش، الاثنين، عن تحرك ثلاثي خليجي تجاه العراق، وذلك عقب زيارة لزعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر إلى أبو ظبي ولقائه بولي عهدها محمد بن زايد.
وقال قرقاش في تغريدات له على "تويتر" إن "التحرك الواعد تجاه العراق الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان بمشاركة الإمارات والبحرين مثال على تأثير دول الخليج متى ما توحدت الرؤية والأهداف".