ليس أصدق من صوتِ القلب عندما يتلقى طعناتٍ ساخنة يسميها الطب "ذبحة صدرية حادة"، وهي بالحقيقة والتجربة تشبه إخراج السمكة من البحر ومقارعتها الموت المعبّأ في ساعة رملية إما ينفد رملها لتلتحف ترابك الموعود، وإما تعود السمكة إلى مياهها قبل انقلاب الساعة.
كانت السادسة صباحاً عندما اشتعل صدري بالألم حتى العظم وتخدرت يسراي حتى الأصابع، فتذكرت في لحظات كل ما قرأته عن الذبحة الصدرية وإسعافاتها الأولية، وحاولت تطبيقها في طريقي إلى قاعة استعلامات الفندق حيث طلبت سيارة إسعاف.
في الدوحة تصل "الإسعاف" سريعاً وهي مجهزة بما يلزم. "قرقشت" حبة أسبيرين أعطوني إياها أثناء عملهم على تخطيط القلب. كذبوا عليّ في السيارة وكذلك في قسم طوارئ القلب في المستشفى، لقد غمروني بالكذب الأبيض، فحالتي لا تستدعي القلق. رغم أن ألم الصدر يزداد بحدة جنونية ولم تخفّف منه جرعات المسكّنات المركزة تحت اللسان.
لحظات ويطل القلق من بابه العريض. طبيب جزائري ستيني تقرأ في وجهه علامات الخبرة والألمعية، قال لي ليس معنا وقت ويجب أن نجري لك قسطرة، فالطرقات إلى قلبك مقطوعة وعلينا فتحها.. توكل على الله، قلتُ له.
تخديرٌ موضعي جعلني أتابع حلقة تلفزيونية من نوع آخر على شاشة صغيرة عن يساري، طائرة بدون طيار تغير على قلبي وترسل إلى الطبيب الصور الأولية. شريانان رئيسيان على اليسار مقفلان بالكامل، مئة بالمئة، وثالث مقفل بنسبة خمسين بالمئة، ورابع فرعي مغلق حتى إشعارٍ آخَر.
وضع الطبيب دعامتين للشريانَين الأساسيين ونظّف الشريان الثالث وترك الرابع للزمن فهو فرعي صغير لا يتحمّل الدعامة ولا يسبّب ازدحاماً في طرقات القلب. في الأثناء طبيبة التخدير العراقية كانت وجهاً صبوحاً يساعد على التنفس السليم. أما رئيس القسم التونسية فهي طبيبة برتبة سوبر إنسانية.
بخلاف العادة التي تسمح للخاضع لعملية القسطرة بمغادرة المستشفى في نفس اليوم، فقد استُبقيتُ في قسم العناية الفائقة لثلاثة أيام مقيد الحركة في سرير رفيع، عن يساري شاشات تقرأ النبض والتدفق والضغط والتنفس، وأمامي شاشة تلفزيون نصحتني الطبيبة بعدم متابعة الأخبار عليها.
وفي اليوم الثالث أمر الطبيب المعالج بمغادرة المستشفى إلى ما يقرب من مدة شهر من النقاهة العلاجية بعيداً عن الضغوط الجسدية والنفسية، وحمّلوني بمجموعة من الأدوية تحتاج المواظبة على تناولها إلى حسبة دقيقة غير قابلة للخطأ أو النسيان.
بعد خمسة أيام على مغادرتها عدتُ إلى المستشفى في أول مراجعة وفحوص دورية، وهناك سألت الطبيب أن يصف لي وضعي الطبي لحظة وصولي إلى المستشفى فقال لي، "أنت عبرتَ من تحت النفق.. بفضل الله تعالى".
خلاصة القول من كان له من العمر بقية لن تقتله شدة، أما أصدقائي الذين صُدموا بخبر انغلاق شراييني وهم يدركون مدى التزامي بالغذاء الصحي ولطالما عانوا من تفلسفي عليهم في المطاعم، فقد زادتهم حادثتي إفراطاً وتفلّتاً في الفوضى الغذائية، فهذا "أبو خل التفاح" الذي هو أنا، لم يسعفه إقفال فمه عن الشحوم والدهون.
لكن أحدهم أحب أن يسايرني فقال لي إن قلبي تعب لأنه يسَع الناس وهمومهم، ونسي صاحبي هذا أنه أجرى عملية البواسير الشهر الماضي، فسألته عن سرها وأسبابها بالمُقابل، والشيء بالشيء يُذكَر.