جاء القرار
الإسرائيلي بإزالة البوابات الإلكترونية ثم إزالة الممرات الحديدة من أمام بوابات المسجد
الأقصى، بعد صبر وثبات ووحدة أبناء
القدس في مواجهة غطرسة نتنياهو؛ الذي اعتقد منذ البداية أنه سيحقق إنجازا تاريخيا في هذه المعركة، بفرض السيادة الإسرائيلية عليه، بالتواطؤ مع بعض الأنظمة العربية، سواء بشراء صمتها أو بالاتفاق معها.
وهنا لا بد من العودة إلى نقطة البداية ومراجعة دور الأنظمة العربية في هذه المعركة المصيرية من عدة نقاط:
أولا: جاء قرار نتانياهو لوضع البوابات الإلكترونية أمام بوابات المسجد الأقصى، بعد أن اتخذ قرارا خطيرا غير مسبوق بإغلاق المسجد الأقصى ومنع صلاة الجمعة فيه، الأمر الذي لم يحدث منذ أن احتل المسجد الأقصى منذ 50 عاما، مستغلا وقوع العملية الفدائية بالقرب من بوابات المسجد الأقصى. والمفاجأة أن أحدا من الأنظمة العربية الرسمية لم ينبس بكلمة واحدة لإدانة الموقف الإسرائيلي، باستثناء الموقف الأردني والفلسطيني بحكم المسؤوليته عن المسجد الأقصى، حيث أدان الجانبان إغلاق المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي.
ثانيا: جاء بعد ذلك قرار فتح المسجد الأقصى في اليوم التالي، حيث ادعت العديد من الأنظمة العربية بأنها هي صاحبة النصر في فتح بوابات المسجد الأقصى، لكن هذه الادعاءات كانت عنوان الفضيحة التي ستبقى تلاحق هذه الأنظمة، وذلك بعد أن كشفت حقيقة هذا الانتصار أن بوابات المسجد ستفتح لكن في وجود البوابات الإلكترونية التي تضعها الشرطة الإسرائيلية، والتي كانت تعني فقدان السيادة الفلسطينية على البوابات، وبالتالي فقدان السيادة على الساحات، وهذا ما أكده أكثر من وزير إسرائيلي من كبار الوزراء - وزراء الكابينت - وعلى رأسهم وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، ووزير الاستخبارات إسرائيل كاتس، وغيرهما من الوزراء والمسؤولين؛ بالقول بأن المسجد الأقصى منذ يوم الجمعة – يوم العملية الفدائية - "أصبح بأيدينا ولم تعد لأحد شراكة فيه".
الذين ادعو أنهم أصحاب هذا الانتصار في فتح المسجد الأقصى للصلاة؛ كثيرون، ولا مجال هنا لذكرهم، مع صمت الجميع وتجاهلهم وجود البوابات الإلكترونية، لكن أغرب ما في الأمر أن تقف وسائل إعلام عربية اعتبرت فتح المسجد الأقصى في وجود البوابات هو نتيجة لجهوده والضغوط التي مارستها قيادة هذا البلد أو ذاك.. وقفت تدافع عن فكرة وضع البوابات الإلكترونية، كما فعل موقع إيلاف السعودي، والمقرب من الجهات الرسمية، والذي رأى أن وضع البوابات جاء لمكافحة "الإرهاب"!! أي إرهاب؟؟ هل يقصد أن المقاومة في فلسطين أعمال إرهابية؟؟!!
ثالثا: قرار نتنياهو تخويل الشرطة الإسرائيلية صلاحية اتخاذ القرار بشأن إزالة البوابات؛ يؤكد أن نتنياهو كان مطمئنا للمواقف الخارجية، ولذلك جاء تحويله مسألة البوابات إلى مسألة داخلية أمنية، وهذا يؤكد وجود اتفاق مع الأنظمة العربية، وهو أمر أثار حتى الكتاب الإسرائيليين الذين هاجموا نتنياهو على قراره وضع البوابات بيد الشرطة؛ بتحويله مسألة استراتيجية ذات حساسية عالية إلى أيدي جهة تنفيذية، ولا سيما أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي من الدرجة الأولى، لما يمكن أن يؤدي لتدهور وفقدان الأمن في إسرائيل نفسها، والمناطق الفلسطينية وخارجها.
ويلاحظ هنا غياب أي موقف رسمي عربي مناهض لوجود البوابات، وتأخير الدعوة لاجتماع الجامعة العربية لأكثر من عشرة أيام، بانتظار أن يأتي الحل من دون أن يضطر هؤلاء إلى تبني مواقف تعارض ما قبلوا به مسبقا.
رابعا: الموقف الأردني المتردد. فالأردن الذي كان يعول على موقفه كثيرا في بداية الأزمة؛ غاب صوته بعد الجمعة الأولى، وقد فشل الأردن في استغلال حادث السفارة لفرض معادلة إعادة تسليم موظف السفارة الإسرائيلي مقابل إلغاء الخطوات الإسرائيلية، لكن الأردن عام 2017 خسر الجولة كاملة لصالح نتنياهو لعدم اتخاذ موقف حاسم في هذا التوقيت، بخلاف الأردن 1997 حين نجح الملك حسين وقتها بفرض معادلته على نتنياهو في حادثة محاولة اغتيال خالد مشعل.
اضطر نتنياهو لإزالة البوابات الإلكترونية، ثم إزالة الممرات الحديدية أمام المسجد الأقصى، والتي جاءت بعد ليلة صاخبة بحشود المصلين أمام بوابات المسجد الأقصى، حيث قدر عدد المصلين بحوالي 30 ألفا، وخشية من أن تنفلت الأمور خاصة بعد تصاعد أعمال المقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية، والتي توجت بعملية مستوطنة "حلاميش" بالقرب من رام الله والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين، لذلك اضطر نتنياهو للتراجع عن قراراته.
ختاما: قرار إزالة الأبواب الإلكترونية والممرات الحديدية انتصار لقوة وإرادة الجماهير المقدسية ووقوفها موحدة، ومن خلفها جماهير الشعب الفلسطيني، في مقابل هزيمة لنتنياهو، ومن خلفه والأنظمة العربية التي عوّل نتنياهو على مواقفها المتواطئة أو الساكتة. واليوم بعد 50 عاما من هزيمة الأنظمة العربية في تسليم الأقصى، اليوم أيضا تهزم الأنظمة العربية على بوابات المسجد الأقصى في معركة التحرير للمسجد الأقصى.