نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا طويلا للكاتب تيم أرانغو، يقول فيه إن
إيران سيطرت بالكامل على
العراق.
ويبدأ الكاتب مقاله قائلا: "إن دخلت أي سوق في العراق فستجد الرفوف حافلة بالبضائع الإيرانية، حليب ولبن ودجاج، ولو فتحت التلفزيون فستشاهد قنوات عديدة تبث برامج متعاطفة مع إيران".
ويقول أرانغو إن "كل بناية تبنى في العراق تملك إيران حصة فيها، خاصة أنها مبنية بالإسمنت والطوب الإيراني، وحتى الشباب يجدون في المخدرات المهربة من إيران طريقا لقتل الملل".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "قصة السيطرة الإيرانية على اقتصاد العراق هي وجه واحد من هذا التأثير، فهناك المليشيات المدعومة من إيران، التي تعمل على إكمال ممر يعبر العراق لنقل السلاح والرجال إلى
سوريا ولبنان، ولا يتم تعيين أي مسؤول في العراق دون مباركة إيران".
ويتابع أرانغو قائلا إن "الولايات المتحدة خسرت 4500 من جنودها، وأنفقت تريليون دولار لتسلم العراق للإيرانيين، حيث جاء الأمريكيون لهذا البلد وفي ذهنهم تحويله إلى واحة ديمقراطية في العالم العربي، وعلى خلاف واشنطن، فإن طهران تعاملت منذ اليوم الأول مع الغزو على أنه فرصة لتحويل البلد إلى دولة تابعة".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم عودة أمريكا ونشرها خمسة آلاف من جنودها للحرب ضد تنظيم الدولة والمساعدة، إلا أن الإيرانيين لم يفقدوا هدفهم، وهو السيطرة على البلد، بحيث لا يشكل يوما تهديدا عسكريا عليها، ولاستخدامه نقطة انطلاق لتوسيع هيمنتهم على المنطقة العربية".
وينقل أرانغو عن وزير المالية هوشيار زيباري، الذي أطيح به العام الماضي، قوله إن "تأثير إيران طاغ"، وأضاف أن سبب خسارته وظيفته هو عدم ارتياح إيران لعلاقاته مع الولايات المتحدة.
ويلفت الكاتب إلى أن "الدور الإيراني في العراق ليس متزايدا فقط، بل هو متنوع، ويبرز في المجال العسكري والسياسي والاقتصادي والشؤون الثقافية، وفي بعض المناطق في جنوب العراق لا احترام لسيادة العراق، خاصة عندما تنقل الحافلات عناصر المليشيات الشباب إلى داخل إيران، دون أوراق أو جوازات، للتدرب في المعسكرات، ومن ثم ينقلون بالطائرات للقتال دفاعا عن نظام الأسد".
ويلاحظ أرانغو أن "إيران تتفوق على العراق في المجالات الاقتصادية كلها، حتى في مجال جمع النفايات في مدينة النجف، بعدما منح المجلس المحلي عقده لشركة إيرانية، ويقول أحد أعضاء مجلس المدينة وهو زهير الجبوري: (نشتري التفاح من إيران لنبيعه للحجاج الإيرانيين)".
وينوه الكاتب إلى أن "أهم ملمح بارز في السيطرة الإيرانية هي وزارة الداخلية، التي عادة ما يعين لها شخصيات دربتهم في الثمانينيات من القرن الماضي، بشكل يمنحها التأثير الدائم عليها وعلى الشرطة الفيدرالية، ومن أهم النجاحات التي حققتها في العام الماضي، قرار البرلمان دمج المليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) في الجيش الوطني ومؤسسات الأمن، بشكل ضمن لها السيطرة على أهم وحداته".
ويقول أرانغو إنه "مع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت هذه المليشيات بتنظيم نفسها سياسيا، بحيث تؤكد نفوذ إيران على النظام السياسي بطريقة أوسع، بالإضافة إلى أن المحطات التي مولتها إيران تشارك بنقل صورة للرأي العام، بأن إيران هي حامية حمى العراق، وأن أمريكا دولة دخيلة عليه".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم تأكيد الولايات المتحدة، التي سحبت قواتها من العراق عام 2011، أنها ستواصل وجودها العسكري في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، إلا أن إيران نافذة فيه، وتستطيع أن تستغل الصلات الدينية والثقافية مع شيعة العراق".
ويقول أرانغو: "لعل الطريق الذي يمر من محافظة ديالى إلى البحر المتوسط هو أهم وجه للتأثير الإيراني، وأقام الإيرانيون معبرا عند ديالى وبحماية من جنودهم، وتمر عبره 200 شاحنة يوميا محملة بالخضار والفواكه والألبان ومواد البناء، ولا تسجل حركة من الجانب الآخر".
ويورد الكاتب نقلا عن مسؤول المعبر الإيراني وحيد غاتشي، قوله: "ليس لدى العراق ما يقدمه لإيران"، ويضيف غاتشي: "يعتمد العراق على إيران في كل شيء، باستثناء النفط"، لافتا إلى أن المعبر الحدودي يعد مهما للقادة العسكريين؛ لنقل السلاح والعتاد للجماعات الوكيلة لهم.
ويشير أرانغو إلى عمليات التطهير التي قام بها الحشد للسنة في محافظة ديالى، ويقول إن "التطهير كان أولوية إيرانية، فبعد هزيمة الجهاديين جعلت المليشيات، وبدعم من الإيرانيين، نصب عينيها تهميش السنة في المحافظة، وتأمين ممر إلى سوريا، هدفين رئيسيين. ويقال إن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، أرسل جيشا من المتعهدين العراقيين لشق الطريق مجانا، وقامت المليشيات بتأمينه".
وينقل الكاتب عن قائم مقام الخالص في ديالى وعضو منظمة بدر عدي الخدران، قوله إنه ساعد على شق الطريق بناء على أوامر من سليماني، وعبر عن غرامه بالجنرال الإيراني قائلا: "أحب قاسم سليماني أكثر من أبنائي".
ويعلق أرانغو قائلا: "هو إن قال أن الطريق سيقصر المسافة أمام الحجيج الإيرانيين للوصول إلى سامراء، حيث مقام الإمام العسكري، إلا أنه اعترف بأهميته الاستراتيجية لسوريا، قائلا إن ديالى هي المعبر لكل من سوريا ولبنان، ورغم خروج الجهاديين من ديالى قبل عامين ونصف، إلا المهجرين السنة لا يزالون في الخيام البائسة".
ويورد الكاتب نقلا عن عضو المجلس المحلي في ديالي نجاة الطائي، قوله إن إيران أذكى من أمريكا، حيث فرض الإيرانيون حضورهم على الأرض، أما أمريكا فلم تحم العراق، "بل أطاحت بالنظام، وسلمت البلد لإيران".
ويرى أرانغو أن الحرب بين العراق وإيران (1980-1988) كانت سببا في دفع الطموحات الإيرانية في العراق، فمعظم القيادات التي تقوم برعاية المشروع الإيراني فيه كانت من الذين قاتلوا على الجبهات، مثل سليماني، الذي يقول المحلل الإيراني علي فائز إنه "بالنسبة لسليماني كانت (لحظة لن تحدث مرة أخرى)".
ويقول الكاتب: "اليوم يظهر التأثير الإيراني، خاصة في جنوب العراق في كل مكان، في المزارات، والمجالس المحلية، والأحزاب السياسية، والمواد الدعائية، التي تربط علاقة الملالي الإيرانيين بالمراجع العراقية، وحتى المصانع العراقية موجودة في إيران؛ بسبب رخص اليد العاملة، حيث يقول رجل أعمال من الحلة: (أشعر أنني أسهم في تدمير العراق)، رغم أن منتجاته تحمل علامة (صنع في العراق) ولكنه يتهم الساسة في بلاده بأنهم يمشون وراء الأوامر الإيرانية، ويرفضون دعم الصناعة المحلية".
ويفيد أرانغو بأنه "شركات البناء الإيرانية تسيطر على المشاريع في النجف، ولم يكن التسيد الإيراني في الجنوب دون مظاهر سخط، فالعراقيون هنا، وإن كانوا شيعة، لكنهم يعدون أنفسهم عراقيين، حيث يقول الشيخ فاضل البداري: (أنتمي للعراق وللجامعة العربية، لا إيران)، ويضيف: (
الشيعة أغلبية في العراق، لكنهم أقلية في العالم، وطالما ظلت إيران تسيطر على العراق، فليست أمامنا فرصة)".
ويتحدث الكاتب عن دور إيران في تجنيد المقاتلين، وتهريب السلاح إلى العراق في فترة حكم صدام حسين، ويقول: "أما اليوم فتركز إيران على تدريب الشيعة المحرومين في جنوب العراق وتجنيدهم ليقاتلوا في حروبها في سوريا".
وتحدث الكاتب مع محمد كاظم (31 عاما)، وهو أحد المقاتلين الذين جندهم الحرس الثوري في النجف؛ من أجل "حماية مزارات الشيعة" في سوريا، حيث يعترف كاظم بأن الدافع الرئيسي كان الحصول على المال، ويقول: "كنت أبحث عن المال، وغالبية الشبان الذين قابلتهم في سوريا كانوا يحاربون من أجل المال"، وبعد تسجيل اسمه في النجف نقل بالحافلة للتدريب قرب طهران، حيث استمع أثناء التدريب لخطابات الضباط الإيرانيين عن الإمام الحسين الشهيد، وقيل له إن القتلة الذين قتلوه هم أنفسهم اليوم في سوريا والعراق.
ويجد أرانغو أن إيران، رغم تركيزها على فكرة حماية المزارات الشيعية، إلا أنها تقوم باتخاذ الإجراءات لتحويل قوة المليشيات لقوة سياسية، كما فعلت في لبنان.
ويبين الكاتب أن إيران اخترقت حتى المجال الأكاديمي والجامعات، وبدأت تؤثر عليها، ويقول إن زعيم عصائب الحق قيس الخزعلي، الٌقى كلمة أمام طلاب جامعة القادسية في نيسان/ أبريل، وهاجم أمريكا والسعودية وتركيا، مشيرا إلى أن الطلاب ثاروا ضد إيران عندما ألقى شاعر قصيدة مدح فيها سليماني، وأخذوا يهتفون "إيران برة إيران برة".
ويختم أرانغو مقاله بالإشارة إلى أن مصطفى كمال، وهو أحد الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاج، قال إن الطلاب استفزهم الشاعر، لكنهم اكتشفوا ثمن نقد إيران، ففي البداية تلقوا تهديدات بالسجن، وبعدها هاجمهم الإعلام المدعوم من إيران، ووصفوا بالبعثيين، ومن ثم قامت الجامعة بتعليق دراستهم لمدة عام، حيث يقول: "اعتقدنا أن أملنا الوحيد هو الجامعة"، لكن إيران وصلت إلى هناك أيضا.