نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب باتريك كنغزلي، يقول فيه إن
المصري الذي يعيش في المنفى في
تركيا مجدي شلش، يرى مفارقة ساخرة في الخلافات الدبلوماسية التي قسمت الشرق الأوسط.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عدة بلدان عربية، تقودها
السعودية والإمارات ومصر، اشتبكت في مواجهة مع
قطر، وبشكل أقل مع تركيا، لافتا إلى أن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو الدعم التركي والقطري للإخوان المسلمين، وهي الحركة التي يشارك شلش في قيادتها.
ويقول كنغزلي إن "جماعة
الإخوان تعد بالنسبة لأعدائهم جماعة إرهابية، تسعى لهدم النظام العربي، ليس في مصر وحدها، حيث انطلقت الحركة عام 1928، لكن أيضا في بلاد أخرى، مثل السعودية والإمارات، حيث ألهمت الحركة حركات مشابهة".
وتنقل الصحيفة عن أعضاء الحركة مثل شلش، حيث أن الكثير منهم إما في السجون في مصر، وإما في المنافي، مثل تركيا، قولهم أن جماعتهم ديمقراطية، لكنها محطمة ومنقسمة، ويضيفون أنها ضعفت بحيث لا تستطيع فرض سلطتها، حتى على أعضائها، ناهيك عن حكومات في الشرق الأوسط، حيث قال شلش، في إشارة إلى القيادات الإخوانية الموجودة في تركيا: "نحن الجالسون هنا.. لا نستطيع فعل شيء في الحقيقة".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا الشعور بالعجز جديد، ففي 2011 بدت حركة الإخوان وفروعها وكأنها القوة القادمة المهيمنة على السياسة الإقليمية، وكانت لها يد في الثورات التي تحدت النظام القديم في عدة بلدان شرق أوسطية، ففي مصر انتخب محمد مرسي، وهو من قيادات الإخوان المسلمين، رئيسا للجمهورية، وفي تونس أدت الانتخابات إلى فوز حزب النهضة، المتأثر بفكر الإخوان المسلمين، وأدى الإخوان المسلمون السوريون دورا رئيسيا في الثورة على بشار الأسد".
ويجد التقرير أن "هذا كله أرعب حكام السعودية والإمارات، ومثل الإخوان المسلمين، تلتزم العائلة المالكة في السعودية ونظيرتها في الإمارات بشكل من أشكال الإسلام السني، لكن الرؤية الشعبية التي يدعو لها الإخوان تهدد ضمنيا الملكيات الوراثية في دول الخليج".
وتنقل الصحيفة عن شادي حميد، مؤلف كتاب "الاستثنائية الإسلامية"، وهو دراسة في الإسلام السياسي في القرن الحادي والعشرين، قوله: "يقدم الإخوان نوعا آخر من الشرعية الإسلامية.. وستبقى التهديد طويل الأمد الوحيد المهم بالنسبة للسعودية والإمارات العربية المتحدة".
ويستدرك كنغزلي بأن الإخوان يشكلون على المدى القصير القليل من المشكلات العملية لأعدائهم، مع أن بعض المجموعات التي ألهمتها حركة الإخوان المهشمة في مصر، مثل النهضة وحركة حماس في غزة، لا تزالان تحتلان مكانة مهمة.
ويلفت التقرير إلى أنه منذ أن أطاح الجيش المصري بالرئيس المنتخب، محمد مرسي، عام 2013، بدعم من السعودية وجماهير مصرية، فإنه تم قتل وسجن آلاف من أعضاء الحركة في مصر، واستطاع عدد قليل، لا يتجاوز 1500، الفرار، بعضهم إلى قطر، لكن غالبيتهم فروا إلى تركيا، حيث وجدوا ملاذا، مشيرا إلى أن معظمهم يعيشون في منطقة باهتة إلى الغرب من مركز مدينة اسطنبول، حيث أن بعضهم لديه مصالح تجارية، والبعض الآخر يدرسون، في الوقت الذي قام فيه كبارهم بتأسيس قيادة للإخوان في الخارج.
وتقول الصحيفة إن "القادة يفتقدون للسلطة، كما يقولون، ويحاولون إبقاء نوع من الاتصالات بزملائهم في مصر، فبعضهم تم اعتقاله بعد الاتصال الهاتفي مع الإخوان في تركيا، ويعيش عدد منهم دون جوازات سفر، ولا يستطيعون تجديد أوراقهم في القنصلية المصرية في تركيا".
ويورد الكاتب نقلا عن أيمن عبد الغني، الذي كان متحدثا رسميا باسم الجناح السياسي للإخوان، حزب الحرية والعدالة، قوله: "الاتصال على المستوى الإنساني والسياسي شبه مستحيل؛ لأن الناس مختبئون.. وحتى لو كان لك أقارب هناك فإنه من الصعب الوصول إليهم"، لافتا إلى أنه مثلا، والد زوجة عبد الغني، خيرت الشاطر، الذي كان يعد لاعبا مهما خلف الكواليس خلال رئاسة مرسي، مسجون في سجن مصري مثل مرسي.
ويفيد التقرير بأن الإخوان في المنفى يقومون بعمل ما بوسعهم لمساعدة الإخوان المسجونين، حيث حاولوا مؤخرا التعريف بحالة 13 عضوا في حركة الإخوان تم الحكم عليهم بالإعدام بتهم مفبركة، ويجمعون التبرعات لعائلات المحكومين.
وتستدرك الصحيفة بأن الموارد المادية أقل من أي وقت مضى، حيث قامت الحكومة بمصادرة الكثير من أعمال إخوان المنفى ومدخراتهم في الوقت الذي يصعب فيه على الكثير إيجاد عمل جيد في تركيا، بحسب أحمد جاد، أحد نواب الإخوان، حيث يقول جاد: "من الصعب إيجاد فرص توظيف"، وألمح إلى الحصول على مساعدات من المؤسسات التركية والقطرية، أو المؤسسات التي تعتمد عليها، أو من الأعضاء الأثرياء في الإخوان المسلمين.
ويقول كنغزلي: "ربما تكون أكبر مشكلات الإخوان المسلمين هي عدم وحدتهم، فالإخوان الذين كانوا مؤسسة هرمية، أصبح أعضاؤها اليوم يختلفون علنا حول الرد المناسب للديكتاتورية المصرية، وحول كيفية هيكلة التنظيم إن حصل انفراج في الوضع السياسي، وأين أخطأوا خلال السنة الأولى من الحكم 2012- 2013".
ويضيف الكاتب: "أصبحت الجماعة الآن شبه منشقة بين أولئك الذين يدعمون نهج التدرج القديم، مع وجود عدد أصغر ممن يؤيدون مواجهة أكبر مع الدولة المصرية، حيث يقول شلش، القيادي في الفصيل الأصغر: (إن خرج الثوريون للشارع فيمكنهم حماية أنفسهم.. لا يبدأون أي عدوان.. فقط حماية أنفسهم)".
وينوه التقرير إلى أن هناك أيضا أعضاء من جماعة الإخوان يعيشون في المنفى لا يؤيدون أيا من الفريقين، مثل عبد الله قريوني (31 عاما)، ويعمل طبيبا، يجد في أن التهجين غير واقعيين، ويقول إن الفريق الأول "لا يزال ينتظر أن يحقق له الله النصر دون التمكن من الأدوات السياسية التي توصله إلى ذلك النصر"، وأضاف أن الفريق الثاني يخاطر بجر البلاد إلى سيناريوهات مشابهة لسوريا والجزائر، في إشارة إلى الحرب الأهلية في الدولتين.
وتذكر الصحيفة أن الإخوان المسلمين قضوا وقتا في المنفى عندما كانوا يقمعون في السابق، حيث أثر المنفى على نهجهم السياسي لدى عودتهم لبلادهم، حيث تقول الأكاديمية في أكسفورد مونيكا ماركس، التي تبحث في جماعة الإخوان المسلمين وفروعها: "كما أن هناك أهمية للمكان الذي تدرس فيه في الخارج وأنت في العشرينيات من عمرك، فإن هناك أهمية كبيرة للمكان الذي تقضي فيه سنوات المنفى".
ويتساءل كنغزلي: "ما هي الدروس الذي سيتعلمها الإخوان المصريون من وجودهم في تركيا؟ هناك اختلاف بين الإخوان إن كان من الأصح أن تكون الحركة اعتمدت على تحالف أوسع خلال سنتهم في الحكم، أو أنه كان يجب عليهم إظهار المزيد من القوة".
ويذهب التقرير إلى أن "تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تظهر أن النهجين يمكنهما أن يكونا ناجعين، فخلال سنين حكمه الأولى كرس أردوغان سلطته بالتحالف مع الأحزاب الليبرالية والأقليات المختلفة، لكن في الوقت الذي بدأ فيه الإخوان يصلون إلى تركيا بدأ أردوغان بقمع منافسيه، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن ماركس تتساءل عما إذا كان النهج الثاني لأردوغان له جاذبية أكبر للإخوان المسلمين في المنفى أكثر من الأول، وتقول: "إنهم ينظرون إلى نموذج أغلبية عملية، وأخشى أن يعزز هذا لديهم توجهاتهم الاستبدادية.. فما نراه اليوم في تركيا هو نظام يبدو على الأقل في مظهره قويا، ويستخدم الخطاب الديمقراطي للدفاع عن سياسات غير ديمقراطية في الغالب".