نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب كريم شاهين من أنقرة، حول ذكرى مرور عام على محاولة
الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان.
ويستذكر شاهين في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، كيف أنار وجه أردوغان عندما رأى بحرا من الأعلام التركية، حيث تجمع الملايين في ميدان يني كابي على شاطئ بحر مرمرة؛ للاحتفال بتضحية الشعب، والانتصار على مخططي الانقلاب، الذين كادوا يقومون بالإطاحة بالحكومة المنتخبة.
ويقول الكاتب: "لقد كان مشهدا فريدا، عكس وحدة الشعب، حيث اعتلى المنصة الرئيس ورئيس الوزراء وزعيمان معارضان، وقال أردوغان: (وقف شعبي الغالي مرة ثانية من أجل استقلاله ومستقبله.. أحييكم بقلب مليء بالمشاعر القلبية والاشتياق)".
ويشير شاهين إلى أنه "قبل ذلك الحفل بأيام، نجا الرئيس بالكاد من الانقلابيين، الذين أرادوا استهدافه في منتجع مرمريس، حيث كان يقضي إجازته، فخرج على (فيس تايم)؛ ليحث الشعب على الخروج إلى الشارع، ومواجهة الانقلابيين، فضحى 240
تركيا بحياتهم، في مواجهة الدبابات التي سيطرت على جسر البوسفور في إسطنبول، ومنشآت عسكرية أساسية في أنقرة".
ويقول الكاتب: "أمل الكثيرون في أن تسود روح يني كابي، وأن تتحد البلاد تحت راية الديمقراطية والاحترام المتبادل، بعد أشهر من عدم الاستقرار، والهجمات الإرهابية، والانتخابات، واشتعال الصراع بين الدولة والانفصاليين الأكراد ثانية".
ويستدرك شاهين بأن "ذلك لم يكن ليحصل، فمنذ محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو تم اعتقال 50 ألف شخص، ويتم التحقيق في 170 ألف مشتبه به بعلاقات مع المجموعة التي يشك بوقوفها خلف الانقلاب، فأصبح الشعب منقسما أكثر من أي وقت مضى، وتم إسكات صحف، وتخويف المعارضة، وأصبحت سلطة أردوغان تضاهي سلطة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك".
ويجد الكانب أن "انتصار أردوغان بفارق ضئيل في استفتاء نيسان/ أبريل حول الدستور، حوّل تركيا من ديمقراطية برلمانية إلى نظام رئاسي، وسّع من صلاحيات الرئيس على جهاز القضاء، وسمح له بخوض الانتخابات الرئاسية لدورتين قادمتين، وهذا يجعل من المحتمل أن يقود أردوغان البلد بصفته زعيما تنفيذيا قويا حتى عام 2029".
ويلفت شاهين إلى أن "الانقسامات العميقة برزت في المجتمع، الذي تتزايد انقساماته على خطوط العلمانية والإسلامية والإثنية، بالإضافة إلى الفروق الطبقية، وهناك خط واضح بين من يرى أردوغان بطل الفقراء، ورجلا قويا على المسرح الدولي، وبين من يعتقدون بأنه يقلل مساحة الديمقراطية، ويصنع دولة تعكس شخصيته".
ويبين الكاتب أنه "حتى بتلك النتيجة، التي كان فيها الفارق بسيطا، فإن أردوغان استطاع أن يتغلب على معارضة منقسمة لا تزال تواجه -بالرغم من مئات الآلاف الذين تظاهروا الأسبوع الماضي مطالبين بالعدالة- مهمة صعبة في تحدي سلطته في الانتخابات الرئاسية بعد عامين من الآن".
وينوه شاهين إلى أن "تفاصيل الأدلة ضد فتح الله
غولن، الذي يعيش في المنفى، والذي يعتقد بأن جماعته كانت تقف خلف الانقلاب الفاشل، لا تزال مخبأة عن العامة، ولم يتم تسليم رجل الدين المنطوي من بلد المهجر أمريكا، وقليل من جنرالات الانقلاب من اعترف بالانتساب لذلك التنظيم، ويبقى مدني مشتبه به رئيسي، قريب من غولن، وكان في القاعدة الجوية التي كانت تحت سيطرة الانقلاب، فارا".
ويفيد الكاتب بأن "حلفاء تركيا الغربيين يعبرون على قلقهم من انتهاكات حقوق الإنسان في ظل قانون الطوارئ، حيث قامت الحكومة بفصل عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، ولا تزال اللجنة التي ستستمع إلى الالتماسات لم تبدأ عملها بعد ما يقارب العام من تكوينها، بالإضافة إلى أن آلافا سجنوا في الأشهر التي تلت محاولة الانقلاب، دون توجيه تهم رسمية لهم، بما في ذلك مئات القضاة، وقامت الحكومة باعتقال مجموعة من المدافعين عن حقوق الإنسان، بينهم مسؤولون كبار في منظمة العفو الدولية في تركيا، وهي المنظمة ذاتها التي دافعت عن أردوغان حين كان سجين رأي قبل وصوله للسلطة".
ويورد شاهين ما كتبه الأمين العام للمنظمة سليل شطي، في "الغارديان" قائلا: "إن كان هناك أحد لا يزال لديه شك بخصوص الهدف من القمع في مرحلة ما بعد الانقلاب، فيجب ألا يكون لديه شك الآن.. يجب ألا يكون هناك مجتمع مدني، ولا نقد، ولا محاسبة في تركيا أردوغان".
وبحسب الكاتب، فإن شبكة الاعتقالات توسعت لتتضمن عدة صحافيين، مثل نديم سينر وأحمد سيك، اللذين كتبا تحقيقات في جماعة غولن عندما كانوا حلفاء لأردوغان، وقاموا بمحاكمتهما، ويعتقلان اليوم بتهمة أنهما ينتميان لجماعة غولن، لافتا إلى اعتقال أعضاء برلمان معارضين، بينهم زعيم حزب الشعب الديمقراطي الكردي؛ بتهمة الانتماء لمنظمات إرهابية.
وينقل شاهين عن عضو البرلمان عن الحزب الشعبي الديمقراطي الكردي، هيسيار أوزوي، قوله: "إعلان قانون الطوارئ حوّل تركيا إلى مقبرة لحقوق الإنسان والحريات الرئيسة.. الآن لا يوجد حكم قانون ولا فصل في السلطات ولا قضاء مستقل في البلاد".
ويذكر الكاتب أن العلاقات مع
الاتحاد الأوروبي ساءت، وتم تجميد مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد، بالإضافة إلى أن قلة دعم الغرب لأنقرة بعد محاولة الانقلاب تركت طعما مرا، مشيرا إلى أن الرئيس أعلن أكثر من مرة عن أنه مستعد لإعادة عقوبة الإعدام، ما سينهي أي مفاوضات مع أوروبا.
ويشير شاهين إلى أن تركيا على خلاف مع أمريكا؛ بسبب دعم الأخيرة للمليشيات الكردية في سوريا في حربها ضد تنظيم الدولة في الرقة، وهو ما جعل تركيا تتدخل عسكريا في آب/ أغسطس العام الماضي.
ويخلص الكاتب إلى القول إنه "في وقت يقوم فيه الرئيس وحزبه بإحكام القبضة على السلطة، فإن هناك القليل من المؤشرات على التعافي من الفرقة والانقسام".