صحافة دولية

بلومبيرغ: كيف تمكن إمبراطور نفط إيراني من اختراق النظام المالي الغربي؟

تفرض الدول الغربية لا سيما أمريكا عقوبات كبيرة على إيران - أرشيفية
نشرت صحيفة "بلومبيرغ" تقريراً في سياق تغطيتها حول إمبراطوريات الأعمال التي تنشط في ظل القيود الدولية، حيث كشفت عن كيفية تمكن حسين شمخاني، قائد الإمبراطورية التي تدير صفقات استراتيجية تتعلق بالنفط والأسلحة لصالح طهران وموسكو، من اختراق النظام المالي الغربي باستخدام برنامج الاستثمار مقابل الجنسية. 

وأوضحت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، أن هذا البرنامج يتيح للأجانب الحصول على جنسية دومينيكا من خلال استثمار مبالغ ضخمة، وهو ما سمح لشخصيات مثل شمخاني بالحصول على جواز سفر دومينيكي، مما أتاح له دخول النظام المصرفي الدولي رغم العقوبات المفروضة على إيران.



وأفادت الصحيفة أن دومينيكا تُعد واحدة من الدول التي تقدم برنامج الجنسية مقابل الاستثمار بشكل مرن، وهو ما جعلها وجهة مفضلة للكثير من الأفراد الراغبين في الهروب من القيود المالية أو السياسية؛ حيث قام شمخاني وفريقه بتغيير أسمائهم للحصول على هذه الوثائق عبر نظام تغيير الأسماء الرسمي في جزيرة دومينيكا، وهي خطوة قانونية في تلك الفترة، ما سمح لهم بتجاوز العقوبات التي تفرضها البنوك الكبرى على الأفراد المرتبطين بإيران.

تجاوز العقوبات: استخدام جوازات سفر إضافية وسبل التهرب المالي
وذكرت الصحيفة أن هذه الوثائق لم تكن كافية وحدها للتمكن من اجتياز فحوصات الامتثال التي تفرضها البنوك الكبرى في العالم. لذلك، استخدم شمخاني وفريقه هذه الوثائق للحصول على جوازات سفر إضافية من دول الاتحاد الأوروبي مثل مالطا وقبرص.

وهذه الخطوة جعلتهم قادرين على تخطي العقبات التي كانت قد تضعها البنوك على الأفراد الذين لهم صلات بإيران، بحيث استطاعوا إخفاء أصولهم السياسية وتجنيب أنفسهم من التدقيق المستمر.

شبكة العلاقات العالمية: من الإمارات إلى واشنطن

وأشارت الصحيفة إلى أن شبكة شمخاني لم تقتصر على الوثائق والجنسيات فقط، بل توسعت لتشمل علاقات مع بعض من أكبر الأسماء في عالم المال العالمي. فقد استخدم شمخاني علاقاته في الإمارات وواشنطن لضمان استمرارية عمل شركاته.

واستطاع شمخاني بناء إمبراطورية تجارية ضخمة تشمل عشرات الشركات التي تعمل في مجالات إستراتيجية مثل النفط والأسلحة. وهذه الشركات لم تقتصر على العمل داخل إيران، بل كانت تمتد لتشمل الأسواق المالية العالمية.

وبيّنت الصحيفة أن شمخاني استفاد من علاقاته العائلية في الإمارات التي تساهم في تسهيل أعماله. فمن جهة، كان والده يشغل منصب مستشار كبير للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، مما منحه نفوذاً داخل إيران، ومن جهة أخرى، كانت الإمارات تمثل بيئة أعمال مواتية للنشاطات التجارية الإيرانية. وتُعتبر دبي مركزاً رئيسياً لعلاقات شمخاني التجارية، حيث كانت تضم مجتمعاً إيرانياً كبيراً وأجواء أعمال مرنة بالنسبة للأجانب.

وأضافت الصحيفة أن العقوبات الأمريكية على إيران في يناير/ كانون الثاني 2020 شكلت تحدياً كبيراً لشبكة شمخاني التجارية. فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على والده، وهو ما أثار القلق داخل دائرة شمخاني، لكنهم استفادوا من العلاقات التي كانت تربطهم مع بعض المسؤولين في الإمارات لتخفيف أثر هذه العقوبات. واعترف البعض في الإدارة الأمريكية بأن الحفاظ على أسعار النفط كان يشكل أولوية أكبر من متابعة العقوبات ضد شخصيات مثل شمخاني.

وأضافت الصحيفة أن شبكة شمخاني كانت جزءاً من شبكة أوسع تشمل شركات إيرانية وروسية تعمل في مجال النفط. وقد كانت تلك الشركات توفر لإيران عائدات تقدر بحوالي 35 مليار دولار سنوياً. وتتطلب هذه الشبكة فحصاً دقيقاً من قبل المؤسسات المالية العالمية التي كانت تشرف على التعاملات المالية الخاصة بشمخاني، حيث إن علاقاته مع روسيا وإيران كانت تشكل خطراً على أي جهة مالية قد تتعاون معه.

وذكرت الصحيفة أن جزءاً من هذه القصة يتضمن استخدام شبكة شمخاني لشركات ضغط تعمل في واشنطن؛ فقد نظم شمخاني حملة ضغط على المسؤولين الغربيين، بهدف تقليل تداعيات العقوبات على أعماله التجارية. واستخدم شمخاني شركات معروفة مثل "كورفيز" في واشنطن للمساعدة في تسويق موقفه وتحقيق أهدافه في المحافظة على استمرارية عمل شركته.



وسمحت هذه الاستراتيجية لشبكة شمخاني بالحفاظ على العديد من الشركات التي تعمل في مجالات استراتيجية مثل النفط والغاز، وهي التي تعتبر من المصادر الرئيسية للثروة في إيران. وقد كشف التقرير أن هذه الشركات لا تقتصر على العمل داخل إيران بل تشمل دولاً أخرى مثل الإمارات وروسيا، ما يعكس مدى تعقيد شبكة شمخاني التي كانت تنجح في التهرب من العقوبات الغربية.

ولفتت الصحيفة إلى أن إحدى الخطوات الرئيسية التي اعتمد عليها شمخاني كانت تحويل بعض أمواله إلى العقارات الفاخرة، خاصة في دبي، فقد تم شراء عقارات في مناطق معروفة مثل جزيرة المليارديرات في دبي، وذلك في محاولة للابتعاد عن التدقيق المالي وضمان استقرار أمواله في مكان آمن بعيداً عن أعين المراقبين.

وأشارت إلى أن التحولات الأخيرة في السياسة الأمريكية قد تكون لها تداعيات على إمبراطورية شمخاني التجارية. فقد بدأ عدد من الشركات في دبي بقطع علاقاتها مع شبكته، ما قد يعني بداية الضغط على هذه الشبكة التي طالما استفادت من بيئة الأعمال في الخليج. كما بدأت وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً في وضع الشركات التابعة لشبكة شمخاني في قائمة التحقيقات، مما يشير إلى احتمال فرض مزيد من العقوبات على هذه الشركات في المستقبل.

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن التغييرات في السياسة الأمريكية تحت إدارة دونالد ترامب قد تؤدي إلى حملة شاملة ضد صادرات النفط الإيراني، وهناك إمكانية لفرض عقوبات أكثر صرامة على شبكات مثل شبكة شمخاني، ما قد يشكل تحدياً كبيراً أمام إمبراطوريته التجارية التي تمتد عبر دول متعددة.