نشرت دورية "فورين أفيرز" مقالا مشتركا لكل من مديرة "الغصين غلوبال ستراتيجيز" والمستشارة في مشروع "ترومان" للأمن القومي باسمة الغصين، ومؤلف كتاب "دمج أوروبا: التغيير السياسي والمؤسساتي غير الرسمي" جيفري ستاسي، يناقشان فيه الأسباب التي أدت إلى فشل المقامرة
السعودية ضد
قطر.
ويقول الكاتبان إن "الحملة التي قامت بها السعودية ودول أخرى أدت إلى غرق الشرق الأوسط في حالة جديدة من النزاع، فقررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 حزيران/ يونيو، قطع علاقاتها الدبلوماسية، وفرض
حصار بري وبحري وجوي على قطر، متهمة إياها بمساعدة الجماعات الإرهابية الإقليمية، إلا أن السبب الرئيسي هو علاقة قطر مع
إيران".
ويضيف الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "قائمة المطالب، التي لم يتحقق منها أي شيء، بحلول 2 تموز/ يوليو، لم تكن قوية، ومبرراتها واهية، بشكل يكشف ضعف المقامرة السعودية، التي ظهرت من عدم رد قطر على أي منها".
ويعتقد الكاتبان أنه "في ظل غياب الخطة البديلة لدى دول الحصار، فإن الأزمة ليست مرشحة للتصعيد، إلا أنها ستدخل حالة من الشلل الدبلوماسي، الذي سيستمر لفترة طويلة، وسواء قام مجلس التعاون الخليجي بفرض عقوبات جديدة على قطر أم لا، فإن أطراف الأزمة سيضطرون للتنازل لبعضهم".
ويشير الباحثان إلى أن "الحملة التي قادتها السعودية اتسمت منذ البداية بالكثير من التخبط والعثرات، حيث دفعت قطر إلى أحضان كل من إيران وتركيا، فحاجتها للطعام والمواد الأساسية بسبب الحصار جعلت من تركيا وإيران المصدر الرئيسي لها، وهو ما منح إيران فرصة لتحقيق منافع اقتصادية، بالإضافة إلى تقوية العلاقات الدبلوماسية القطرية الإيرانية".
ويجد الكاتبان أنه "بسبب غياب الرؤية الواضحة، فإن السعودية أجبرت جارتها الصغيرة على (الخروج) من منظومة مجلس التعاون الخليجي، الذي لن تعود إليه في حال انتهت الأزمة؛ لأن الجارة قطر تشعر بأن القيادة الجديدة في السعودية لديها ميل للمبالغة في استخدام القوة".
ويقول الباحثان: "لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن قيام السعودية بمعاقبة قطر أثر على مستقبل مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي مستقبل منطقة الخليج، فالكويت مثلا لم تشارك في الحصار، بل قام أميرها بجولة مكوكية بين دول المنطقة، في محاولة منه للتوسط وحماية مجلس التعاون من الانهيار".
ويعترف الكاتبان بأن "مظاهر قلق السعودية من دعم قطر للجماعات المتطرفة حقيقية، بالإضافة إلى رغبتها في تقليل علاقة الدوحة مع إيران، والمفارقة هي أن علاقة
الإمارات العربية المتحدة بإيران أقوى من علاقة الدوحة معها، فالمطارات الإماراتية مغلقة أمام الطائرات القطرية، لكنها ما تزال مفتوحة أمام الخطوط الجوية الإيرانية، وتم التسامح مع الإمارات وعلاقتها مع طهران؛ لأنها لم تؤثر في الهيمنة السعودية على الخليج، وفي المقابل نظر لقطر على أن لديها طموحات أكبر من حجمها، وتقوم بالتأثير على التسيد السعودي".
ويربط الباحثان الخطأ السعودي بالمحفز الرئيسي للأزمة، وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "الذي قادت لهجته المتشددة تجاه إيران هذه الدول لمعاقبة جارتها، مع أنه كان يستطيع انتهاز فرصة وجوده في الرياض، ومقابلته معظم زعماء الدول العربية والإسلامية، لمناقشة سبل الحرب ضد تنظيم الدولة، فالحديث المتشدد ضد إيران جرأ على ما يبدو السعودية، وزاد من احتمالات مضاعفة قطر جهودها لدعم التطرف والشراكة مع طهران وأنقرة، وأرسل التحرك ذاته رسالة غير صحيحة لإيران".
ويلفت الكاتبان إلى أن "هذه اللهجة المتشددة جاءت في وقت اعترفت فيه إدارة ترامب بأن الاتفاق النووي، الذي وقعته الإدارة السابقة، مستمر، والتزمت طهران ببنوده، وأكد مستشار الأمن القومي أتش آر ماكمستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون لرئيس الكونغرس بول ريان هذا الأمر، حيث قال تيلرسون في نيسان/ أبريل: (تؤكد هذه الرسالة أن الشروط الواردة في بند 135 (د) (6) من قانون الوكالة الذرية للطاقة لعام 1954، وكما هي معدلة بما في التعديل الوارد في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 (القانون العام 114- 1117)، وكما تم تفعيله في 22 أيار/ مايو 2015 قد تم الوفاء بها حتى 18 نيسان/ أبريل 2017)، ولو استمر ترامب في التقليل من شأن الاتفاق مع إيران، فسيأتي اليوم الذي تبدأ فيه بالتحايل عليه، أو التخلي عنه وإن بشكل جزئي".
وينوه الباحثان إلى أن "إيران قامت بالسيطرة على الجماعات الشيعية في أثناء التفاوض على الاتفاق؛ لأن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي أراد أن يمنح المحافظين نوعا من التأثير عندما يحصل على الاتفاق، ومن ناحية أخرى، وبسبب النقد اللاذع الذي وجهه ترامب والجمهوريون بشكل عام لإيران، فإنها زادت من دعمها لنظام بشار الأسد وحزب الله والجماعات الشيعية العراقية والحوثيين في اليمن".
ويرى الباحثان أن "سياسة قطر لم تكن متناسقة، فبعض سياساتها كانت منطقية من الناحية الاستراتيجية، بما في ذلك الاستثمار الكبير في المنشآت العسكرية الأمريكية على أراضيها، العديد والسيلية، وهناك سياسات غير منطقية، مثل دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وإلى أبعد حد".
ويذهب الكاتبان إلى أن "جماعة الإخوان تحظى بدعم شعبي بين القطريين، بشكل يجعل من ملاحقتها وقمعها خطوة صعبة من ناحية سياسية محلية، ويناقش عدد من النخب السياسية في قطر أهمية السماح لجماعة الإخوان المسلمين بالعمل، وفي الوقت ذاته مراقبة نشاطاتها؛ لمنعها من ارتكاب العنف المحلي والفوضى، وفي الوقت الذي انتقدت فيه السعودية قطر لأنها تسامحت مع الإخوان المسلمين، إلا أنه من السهل انتقاد السعودية ودول الخليج لأنها تسامحت مع التطرف داخل حدودها، ولهذا كله فإن الأزمة القطرية تحمل إمكانية جديدة للتوتر في المنطقة، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة، ولا يخدم مصالحها".
ويقول الباحثان: "تشير تجارب الماضي إلى أن التوتر وعدم الاستقرار يقودان دائما إلى العنف المسلح، وفي المحصلة ستؤدي هذه الأزمة إلى خلل دائم في علاقات قطر مع جاراتها الخليجية، وستحدث ضررا عميقا لمجلس التعاون الخليجي، والأهم من هذا كله هو التطور الاستراتيجي الأهم، وهو حرف ميزان القوة من منافسة إيران، وهي السعودية، باتجاه الجمهورية الإسلامية، وهو عكس ما أرادته من الحصار".
ويحذر الكاتبان من مخاطر استمرار الوضع، مشيرين إلى أنه "في ظل عدم وجود حل، فإن الأزمة ستقود إلى تهميش قطر، وتدق إسفينا بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي".
ويجد الباحثان أن "هناك مساحة لتحقق الدبلوماسية أهدافها، بموجب اتفاق يحفظ ماء الوجه للجميع، تقوم من خلاله قطر، بشكل خاص، بالالتزام بتخفيف الدعم لجماعة الإخوان المسلمين، ويتم من خلاله استئناف التعاون الاقتصادي بين دول المجلس، وحل كهذا يحتاج وقتا ليظهر، وهو ما يدفع الأطراف للتنازل، وخطوة كهذه مفيدة للجميع".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "هناك ضرورة لتقوم إدارة ترامب برعاية حل كهذا، خاصة أن هناك 11 ألف جندي أمريكي في قطر، وتعتمد الولايات المتحدة عليهم في عملياتها ضد تنظيم الدولة، ومثلما قرر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس بوب كوركر تعليق صفقات السلاح لدول الخليج، فإنه يجب على ترامب أن يتبعه، ويتحرك باتجاه نزع فتيل الأزمة، وهزيمة تنظيم الدولة، ووقف الحرب الأهلية في سوريا".