برر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تغريدات الداعية السعودي، محمد
العريفي التي هاجم فيها
قطر، بأنها لا تعبر عن موقفه الحقيقي، وأنه نشرها ـ على الأغلب ـ تحت سيف الإكراه بحسب النشطاء المدافعين عنه.
وقال العريفي في إحدى تغريداته بأنه "لا حياد ضد من يكيد للمملكة التي شرفها الله بمهبط الوحي وقبلة المسلمين، والجهاد بالكلمة دفاعا عن وطننا في المرحلة واجب".
وطالب في تغريدة أخرى قيادة قطر بمراجعة سياساتهم قائلا: "يا إخوتنا قيادة قطر تعالوا إلى كلمة سواء، فما زلنا نرجو فيكم الخير، فلا تعينوا الشيطان على أنفسكم، ولا يأخذكم في استمراركم بسياسة غير واضحة".
ترجع قصة التماس العذر للمسلم، فيما إذا قال قولا لا يؤمن به (وربما يكون كفرا)، وتبريره بأنه مكره عليه، إلى الآية الكريمة (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، التي نزلت في واقعة الصحابي عمار بن ياسر حينما أُكره على قول كلمة الكفر بلسانه، مع بقاء قلبه مطمئنا بالإيمان.
ووفقا للباحث الشرعي الأردني، أمين حديد فإن قوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه، ولما جاز ذلك في أصل الشريعة جاز في فروعها من باب أولى، تخفيفا على المسلمين، وإرغاما لأعدائهم.
وأضاف لـ"
عربي21": "ولكن الأخذ بالعزيمة ها هنا أفضل وأعظم من الترخص، وهذا مما لا يكاد يُعرف فيه خلاف بين أهل العلم، ولا سيما في حق العالم المتبوع وصاحب الكلمة المسموعة".
وتابع: "بل إن هؤلاء ـ وإن كانوا مشمولين بالرخصة في الجملة ـ إلا إن بيان الحق والصدع به يكون واجبا في حقهم على الكفاية أو على التعيين إذا خشي ضياع الشريعة وإضلال الناس والفتنة العامة".
وأوضح الباحث الشرعي أن "الترخص بالإكراه الثابت شرعا وضع له
العلماء من الشروط الثقال ما يكفل ضبطه وتقديره، وبما يبقيه ضرورة استثنائية ورخصة عارضة، لا أن يتحول إلى تقية دائمة، وطبع راسخ".
وجوابا عن سؤال: ما هي تلك الشروط؟ ذكر حديد أن "مما شرطوه، عجز المكره عن دفع الإكراه بالهرب أو الاستغاثة أو المقاومة أو التورية ونحو ذلك، أما أن ترى العالم يسافر ويعود، وينتقل بين البلاد التي يسعه أن يلتجئ إليها، وهو يعرف طبيعة سلطانه المستبد" متسائلا: حينما يكون الأمر كذلك فعن أي إكراه نتحدث؟
أما الشرط الثاني طبقا لحديد فهو "عدم الزيادة، والاقتصار على أقل ما ينجيه من الإكراه"، منتقدا ما يقوم به بعض العلماء بقوله: "لكن حين ترى العالم يُمضي على فتوى جائرة، ثم يعقد مؤتمرا يدافع فيه عنها، ويجتهد في تدعيمها والاستدلال لها، ويهاجم مخالفيها ليل نهار، فعن أي إكراه نتحدث؟".
وتحدث حديد عن شرط آخر قرره العلماء، ألا وهو "أن يكون ذلك في حال طارئة لا على الدوام، فقد جاءت آية إعذار المكره فيمن يراد منه كلمة الكفر مرة، أما الإكراه على الإقامة على الكفر أو الظلم أو الترويج له سنين عديدة، والدفاع عن المستبد وسياساته أزمنة مديدة، فحينما يكون الحال كذلك فعن أي إكراه نتحدث؟".
وانتقد حديد "تكلف تنزيل الأعذار على أقوام ظاهرهم وتاريخهم هو مظاهرة السلاطين المستبدين، والارتهان لأوامرهم وقراراتهم، فإنما لنا الظاهر والله يتولى السرائر".
من جهته قال أستاذ العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة في الجامعة الإسلامية بغزة، صالح حسين الرقب: "إن أعظم من يُطالب بقول كلمة الحق هم العلماء، لأنهم ورثة الأنبياء، ولأنهم صمام الأمان للأمة، والناس تبع لهم، خاصة في المدلهمات والنوازل الكبرى التي تنزل بأمة الإسلام".
واستحضر الرقب موقف سيد قطب، حينما رفض كتابة كلمة اعتذار واستعطاف لرئيس الدولة، وأجابهم بقوة المؤمن الثابث على الحق والمبدأ: "إن السبابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة، لترفض أن تكتب حرفا واحدا تقر به حكم طاغية"، وواجه عقوبة الإعدام بقلب ثابت وصدر منشرح.
وأكدّ الرقب لـ"
عربي21" أن "كلمة الحق يجب أن تقال في موطنها، خاصة في مواجهة الزعماء المجرمين"، محذرا من أن "ضلال العالم يكون سببا في إضلال الناس، لأن العلماء منارات الهدى، فصدعهم بالحق جهاد في سبيل الله، وصمتهم جريمة" على حد قوله.
وفي السياق ذاته رأى الباحث الإسلامي الكويتي، مهنا حمد المهنا "أنه لا بد للعالم من أن يصدع بالحق، وهو فرض عليه، ولو امتنع علماء المسلمين عن قول الحق أثموا كلهم".
وردا على سؤال "
عربي21": ما هو حد الإكراه المعتبر شرعا؟ قال المهنا: "اختلف العلماء في تقرير ذلك وتقديره، فمنهم من قال حتى يمسه العذاب، فيباح له الأخذ بالرخصة، وهذا رأي الإمام أحمد".
وأضاف: "وآخرون قالوا يكفي التهديد بالقتل أو السجن"، لافتا إلى أن كبار الصحابة بايعوا الرسول عليه السلام على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنشط والمكره كعبادة بن الصامت وكأبي ذر، وكذلك كان حال كبار التابعين والأئمة الأربعة.
واستحضر المهنا أمثلة من مواقف العلماء في الصدع بالحق، كموقف الإمام السرخسي الذي سجن في البئر بسبب قوله الحق، وإفتاء الإمام النووي بحرمة أخذ الضرائب للجهاد من عامة المسلمين، حتى يدفع الأمراء الأغنياء أولا، وموقف سلطان العلماء العز بن عبد السلام أيام المماليك في مواقفه المعارضة.
وذهب المهنا إلى القول "بأنه لا عذر للعلماء المعاصرين في عدم الصدع بالحق، فإن خافوا على أنفسهم القتل أو السجن فلا يمدحوا الباطل ولا يروجوا له على الأقل، ولتسعهم بيوتهم أو ليهاجروا في الأرض فبلاد الله واسعة".
وذكَّر المهنا بأن القرآن يأمر المستضعفين "بالهجرة في الأرض"، متسائلا: "لماذا لا يهاجر العلماء إن خافوا على أنفسهم الوقوع في إفتاء الناس بالباطل، أو ما يكون فيه ضرر بالمسلمين، وإعانة للظالمين؟".
تجدر الإشارة إلى أن تكلف إعذار العلماء والدعاة تحت عناوين الإكراه والإجبار بصفة دائمة، غالبا ما يثير تساؤلا جوهريا: إن جاز للعلماء والدعاة الرضوخ التام لرغبات السلطات السياسية، وتبرير رضوخهم الدائم بأنه يقع تحت سيف الإكراه والإجبار، فمتى سيظهر الحق للناس، ومن سيأخذ على أيدي الظالمين ويتصدى لبغيهم؟