نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافي مارتن شولوف من الرياض، بدأه بوصف ما كان عليه الحال في شوارع الرياض وأسواقها، حيث كان المطوعون يسرحون ويمرحون، وكان بإمكانهم التدخل في الحياة الشخصية للمرء إن أرادوا ذلك، وكانت لديهم سلطات لا يستطيع تحديها سوى القليل للقيام بعمله، وهو فرض نسخة محافظة جدا من الإسلام عقيدة للمجتمع.
ويعلق الكاتب قائلا إنه "بالنسبة لأناس عاشوا في خوف من تلك القوة، جاءت إحدى الليالي في أواخر هذا الشتاء نقطة تحول، فقد عرض على جانب أحد مراكز الشرطة الدينية في إحدى ضواحي الرياض شعار برنامج الإصلاح (
السعودية: رؤية 2030) بعرض عشرة أمتار، ولا أحد داخل المركز تجرأ على حجب تلك الدعاية".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن رجل أعمال مهم في الرياض، قوله تعليقا على الدعاية: "إن الحكومة تقول لهم نحن أقوى منكم.. وحينها عرف الناس أنهم (عناصر الشرطة الدينية) لم يعودوا مهمين، وكانوا قد فقدوا سلطة الاعتقال قبل ذلك بعام، والآن فقدوا كرامتهم".
وتشير الصحيفة إلى أن هذا السقوط المفاجئ لأحد أهم أعمدة الدولة جاء في الوقت الذي يستمر فيه الوجه الجديد والطامح في المملكة، الأمير
محمد بن سلمان، في الصعود بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ السعودية الحديث.
ويفيد شولوف بأنه تمت بلورة صعود هذا الأمير، البالغ من العمر 31 عاما، يوم الأربعاء، عندما نصبه والده وليا للعهد، مخرجا ابن أخيه من ولاية العهد، ومانحا القادم الجديد حرية التصرف بصفته عامل تغيير، مشيرا إلى أن التفويض المناط بولي العهد الجديد هائل جدا؛ ويتضمن إصلاح الاقتصاد المريض، وفتح مجتمع مغلق، واستعراض مدى تأثير بلد هي في العادة متحفظة بطرق قوية.
ويقول الكاتب: "بإعلان الملك هذا القرار، فإنه يكون قد رهن مستقبل مملكته لأقوى رجل ثلاثيني في العالم، مضيفا إلى قائمة مهماته مجموعة من الأدوار، لا يقصد منها إشغاله عن البرنامج المهم، وهو برنامج الإصلاح، الذي يراه الكثير في الرياض الحل الوحيد المعقول لتهديد وجودي".
ويلفت التقرير إلى أن الترحيب بالشركات الخاصة كان واضحا، بالإضافة إلى دور السينما القادمة، واقامة حفلات موسيقية، لكن للرجال فقط، مشيرا إلى أن قضية السماح للنساء بالقيادة مطروحة أيضا، بحسب المسؤولين الكبار.
وتستدرك الصحيفة بأن سكان الرياض الذين تكلموا مع "الغارديان"، قالوا إنهم لن يحكموا على الإصلاحات حتى يتم تطبيقها، حيث أن الحديث عن التغيير بدأ يسمع له صدى، فقالت سمية فياض، التي تعمل في محل في أحد أشهر مراكز التسوق في الرياض: "هناك شيء يحصل بكل تأكيد.. هناك شعور بالفرق، ولا أشعر أنني مقيدة، فقد حصل هناك تقدم في الحريات الشخصية؛ لأننا لم نعد نخاف بالمقدار ذاته".
وينوه شولوف إلى أن المملكة قامت خلال عامين من عملية تجديد البلد، بشن حرب في اليمن، وحاولت توجيه أخرى في سوريا، وفتحت اقتصادها للأجانب، وعرضت أكبر الأصول التي تملكها البلد، وهي شركة "أرامكو" للنفط التي تملكها الحكومة، للسوق العالمية، وتحدثت بقوة ضد عدوتها المحلية إيران، وحاصرت حليفا سابقا هي قطر، لافتا إلى أن محمد بن سلمان احتل مكانا رائدا في هذا كله، حيث كان في موقع تصادم ضد شخصيات قوية في العائلة المالكة وخارجها، في بلد عارض فيها السكان تخفيض نفقات الرعاية والتقاعد.
ويذكر التقرير أن التغييرات أظهرت حدود سلطة الدولة، وأبرزت إرادة الشعب القابل للاشتعال، الذي لا يزال بحاجة لإقناع بأن التغيير على هذا المستوى هو لصالحه.
وتنقل الصحيفة عن أحد المسؤولين الغربيين في الرياض، قوله: "المشكلة بالنسبة لهم هي أن القاعدة كانت دائما أكثر محافظة من القيادة.. ويصف بعض المسؤولين الكبار ما يحصل بأنه ثورة ثقافية متنكرة في ثياب إصلاحات اقتصادية، لكن الخطر يكمن في التسرع".
ويقول الكاتب إنه "بغض النظر عن التحذيرات، فإنه يتم استهداف قلاع كان ينظر إليها على أنه يصعب استهدافها، وكانت حالة التعايش، بين رجال الدين المتشددين، الذين حددوا الشخصية الوطنية والعائلة الحاكمة، أساسية في المملكة الحديثة، حيث اعتمد كلا منهما على الآخر للإبقاء على السلطة، وقال محمد بن سلمان، لعدة زعماء عالميين، بأن على هذه العلاقة أن تتغير لتعيش الدولة الحديثة".
ويورد التقرير نقلا عن أستاذة الأنثروبولوجيا في مركز الشرق الأوسط التابع لمدرسة لندن للاقتصاد مضاوي الرشيد، قولها: "كان هذا يحصل منذ أن تسلم الملك عبد الله الحكم عام 2005، ومنذ صعود سلمان للسلطة نرى هناك مؤشرات لمحاولات إعادة تعريف
الوهابية على أنها تقليد ديني محدود، يتعلق بالتقوى الشخصية، وليس لها علاقة بأي شكل بطريقة إدارة المملكة".
وتضيف الرشيد أن "المشكلة بالنسبة للعائلة الحاكمة هي أن القول بأن الوهابية هي العقيدة التي ارتكزت عليها أفعال تنظيم الدولة، هو توصيف دقيق، وقد استخدمت الفتاوى الدينية السعودية لتشجيع الناس على الانضمام للمجموعات الإرهابية".
وتتابع الرشيد قائلة: "ما نراه هو ليس برنامج إصلاح أبدا، إنه ليبرالية عالمية، والتقاليد الوهابية راسخة بعمق في نظام يقمع شعبه، وما يقومون به هو ما يقوم به ديكتاتوريون آخرون بالسماح لبعض الحريات الشخصية لجعل الناس ينسون الصورة الأكبر".
وبحسب الصحيفة، فإن المسؤولين السعوديين الكبار يعترفون بالحاجة لتهميش، وحتى التخلي عن، التقاليد والممارسات التي تحد بشكل كبير من الحريات الشخصية وحقوق الإنسان، خاصة بين النساء والأقليات، فقال أحد المساعدين الوزاريين: "لم نعد كارهين للتغيير.. بل نتبناه، ونعرف أنه لا يمكننا الاعتماد على العالم المتقدم ليقود"، ويقول بعض السعوديين إن إجراءات بسيطة تشير إلى انفتاح على التفسيرات الأخرى للدين.
وينقل شولوف عن المدير العام لتكتل الشركات المدعو "ألفا 1 كوربوريشين" طلال مالك، قوله: "خلال قمة الرياض الأخيرة، قام عالمان مسلمان بارزان بالحديث إلى مؤتمر على شبكات الإعلام الاجتماعي، مؤلف بشكل كبير من الشباب والشابات السعوديين، وكان ولي العهد الجديد يتبنى رؤية ديناميكية عالمية للإسلام السني في المملكة، ويعرضها للشباب السعودي على أنها تمثل مستقبلهم، وقد تقدم بشكل كبير في كسبه دعم أحد عناصر المجتمع، وإن لم يكن الأساسي، الشباب الذين يسعون لبناء بلد حديث وديمقراطي من العشرين الكبار".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن ليس شباب الرياض كلهم يتفقون مع ذلك، حيث قال طالب عمره 24 عاما، يتقن الحديث باللغة الإنجليزية الأمريكية تماما، متسائلا: "هل تعلم أن أعلى 11 شخصية (تويتر) في السعودية هم رجال دين سلفيون، صحيح؟.. نحن نتحدث عن أكثر من 20 مليون شخص يتعلقون بكلماتهم، ولن يقبلوا هذا التغيير أبدا".