علقت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في افتتاحيتها على الهجوم
الإرهابي، الذي وقع بالقرب من مسجد "
فينزبري بارك" صباح الاثنين، في دار الرعاية الإسلامية، وأسفر عن مقتل مسلم، وإصابة 10 من المصلين.
وتقول الصحيفة: "مع أن الاختيار صعب، إلا أن رجلا أكثر من أي شخص آخر، ضرب مثلا في الأشهر الأخيرة في الرحمة والإنسانية والقيم البريطانية، حيث أدرك إمام مسجد دار الرعاية الإسلامية، محمد محمود، حجم ما يحصل في مجتمعه من أول لحظة بدأ بها إرهابي في جريمته، لكن الإمام قام بحماية هذا الرجل، الذي قيل إنه أعلن أنه يريد قتل المسلمين كلهم، وبذلك العمل الشجاع ضرب مثالا رائعا في قداسة الحياة البشرية وحكم القانون".
وتضيف الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، قائلة: "وإن كان أي شخص يميل للنظر إلى رجال الدين المسلمين كلهم على أنهم يحملون فكر تنظيم الدولة ذاته أو فكرا مشابها، كان فعل هذا الإمام أبلغ رد، وهو رمز لما ينادي به الإسلام فعلا، لا ما يحاول بعض من يرتكبون الجرائم إقناعنا بأن ذلك هو الإسلام، وكان ذلك الإمام هو الرد المناسب لأبي حمزة المصري، الذي ذهب منذ زمن، والذي كان يدعو للكراهية في مسجد فينزبري بارك القريب، الذي تخلص من تلك الروح الشريرة".
وتتساءل الصحيفة: "فأين نذهب من هنا؟"، وتجيب قائلة: "مع أننا لا نستطيع فعل الكثير في الواقع لمواجهة إرهابي منفرد يقود سيارة ليدهس مجموعة من الأشخاص الأبرياء، لكن هناك دروسا يمكن أن نتعلمها من هذا الحادث، وربما بعض الدروس الأخرى التي كان يجب أن تكون السلطات المسؤولة قد تعلمتها".
وتشير الافتتاحية إلى أن "أحد هذه الدروس أن أماكن العبادة تحتاج إلى المزيد من الحماية، فواضح أنها هدف للبعض من الذين يحملون أجندة دينية منحرفة، خاصة أنها تعرضت لاعتداءات من مستوى أقل، مثل كتابة الشعارات، أو إلقاء رأس خنزير على مدخل المسجد، ويعاني المجتمع اليهودي أيضا من مثل هذه الأعمال، كالاعتداءات الشخصية والشتائم، وتشكل هذه في العادة جزءا من (صعود مفاجئ) في جرائم
الكراهية بعد هجوم كبير، ثم تمر، ومع ذلك، فإن احتمال وقوع مذبحة أصبح واضحا الآن، وكان قتل القسيس الكاثوليكي في فرنسا بداية العام مثالا آخر لمدى عرضة المصلين ورجال الدين لهذه الجرائم؛ لذلك لا بد من توفر حماية الشرطة وكاميرات المراقبة حول المساجد والمعابد والكنس والكنائس والمقابر، ويستحق ذلك النفقة التي يحتاجها، وإن كانت هذه الإجراءات لا تضمن عدم وقوع اعتداء آخر على الحياة".
وتقول الصحيفة: "علينا أن ندرك أن رفع مستوى التهديد الأمني، وتشجيع المجتمعات على أن تكون متنبهة، وأن تخبر عن التطرف وإقرار قوانين جديدة لن تكون كافية وحدها لهزيمة الإرهاب البدائي، مهما كان مصدره، وليس الحل المزيد من المراقبة، خاصة إن كان موجها لمجتمع واحد، لا نريد العيش في دولة بوليسية، وحتى لو قبلنا بذلك، فإننا سنجد أن ذلك ليس دفاعا كافيا ضد البربرية (كما ثبت في روسيا وفي دول الشرق الأوسط)".
وتضيف الافتتاحية: "علينا أن نتعايش مع مستوى من العنف لم نعتد عليه منذ حملات التفجير التي كان يقوم بها الجيش الجمهوري الإيرلندي لمن يتذكرها، ويجب علينا أن نعمل على المستويات كلها لتجنب تصعيد في هذه الهجمات (الانتقامية)، وهو مصطلح خطير الاستخدام، خاصة أننا لسنا في حرب بين طرفين، ولكسب العقول والقلوب".
وترى الصحيفة أنه "يجب إعطاء برنامج (بريفينت) والشرطة والمخابرات الإمكانيات التي تحتاجها كلها؛ لتتبع مخططات الإرهابيين، وتقول السلطات بأنها حققت نجاحا صامتا في منع وقوع هجمات، لكن الهجمات الأخيرة غطت على تلك الحقيقة، وهناك مقولة قديمة تقول إن الإرهابي لا يحتاج أن يكون محظوظا سوى مرة واحدة ليحدث دمارا، ويمكن لعدد بسيط فعل ذلك، وإثارة عنف بين الثقافات المختلفة".
وتعلق الافتتاحية قائلة إن "الأمر المشجع بالنسبة لهجمات هذا العام، كما كانت هجمات تموز/ يوليو 2005، هو أن العنف لم يولد عنفا كبيرا، بل إن آثار الاعتداء هو عزل القتلة، وتقريب المجتمعات لبعضها، بروح النائبة جو كوكس التي اغتيلت قبل عام، التي ألهمت فكرة أيام (للقاء بين مكونات المجتمع)، بالإضافة إلى أن هذه الهجمات لم تولد هلعا أكثر من حيز الهجوم ذاته، فهناك إصرار صامت على عدم السماح بتدمير أسلوبنا في الحياة، وهذا إعلان فشل للإرهاب".
وتختم "إندبندنت" افتتاحيتها بالقول إنه "مع ذلك، علينا أن نواجه المستقبل، حيث سيكون هناك المزيد من المناسبات التي نقف فيه حدادا على ضحايا، مرات أخرى للتفكير والتفكر وللمزيد من الصلوات، حتى مع الأمثلة الرائعة التي يضربها أشخاص مثل بريندان كوكس (زوج عضوة البرلمان المغتالة) ومحمد محمود (إمام مسجد فينزبري بارك)، ستكون هناك أحداث، ويجب علينا توقع ذلك".