انشغل
القضاء الإداري في
مصر بالدعاوى التي ترد هجمة الحكومة على مصالح مصر وأراضيها، بدلا من أن تتفنن الحكومة في خدمة الوطن والشعب، بحيث أصبحنا نتوجس من أي لقاءات بين المسؤولين المصريين وبين غيرهم؛ لأنها حتما سوف تنطوي على إهدار لحقوق مصر وشعبها.
فقد قررت الحكومة في الثامن من نيسان/ أبريل 2016 بأنها أعادت ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وأن
تيران وصنافير قد وقعتا في الترسيم ضمن الأراضي السعودية، وكان ذلك مفاجأة مدوية وصادمة لكل المصريين، ولذلك نشط الشباب في مظاهرات في نقابة الصحفيين، ومع ذلك اتخذت الحكومة موقفا عنيفا للغاية لإنفاذ قرارها للتنازل عن الجزر، وهكذا انتقل الخلاف بين الحكومة والشعب المصري إلى مجلس الدولة الذي أكدت محاكمه (القضاء الإداري والإدارية العليا) أن الجزر مصرية خالصة، وأن قرار التنازل باطل بطلانا مطلقا، ولم تقدم الحكومة أو السعودية أي ورقة تثبت مجرد أي علاقة للسعودية بالجزر. ومع ذلك استمرت الحكومة وفق مخططها بشأن الجزر دون اكتراث للدستور وللقضاء، وهي ملحمة سوف تتذكرها الأجيال القادمة، وسوف تتذكر أن هذه الجزر تم التفريط فيها رغم الشعارات المتناقضة من جانب الحكومة.
من ناحية أخرى، تنازلت الحكومة عن حقوق مصر في ثروات البحر المتوسط إلى إسرائيل وقبرص واليونان في الغاز والبترول، حتى تحولت إسرائيل إلى أكبر مصدر للغاز في العالم، بعد أن كانت تستورد الغاز بمؤامرة من حكومة مبارك كشفها القضاء الإداري أيضا. وكان بطلها في المرحلة الأولى والمرحلة الثانية هو المناضل السفير إبراهيم يسري، ولا تزال الدعوى متداولة في مجلس الدولة.
أما الهجمة الثالثة، فهي على مورد الحياة في مصر، وهو نهر
النيل، حيث تخلت الحكومة عن حق مصر في الدفاع عن مصالحها المائية في نهر النيل، ونأمل أن يدرك القضاء الإداري خطورة هذه القضية على حياة مصر والمصريين فيرد غائلة الحكومة، ويلغي توقيعها على إعلان المبادئ المشؤوم الذي وقعته مصر والسودان وإثيوبيا، حيث ثبت خداع إثيوبيا لمصر بعد عامين من الغموض والتستر المصري مقابل هنجهية إثيوبيا وتحديها واستخفافها بمصر، وضلوع دول عربية حليفة للنظام وإسرائيل في الموقف الإثيوبي، كما صار واضحا أن السد بُني لأسباب سياسية وهي تعطيش مصر.
ونُذكرفي هذا المقام بجولة ليبرمان وزير خارجية إسرائيل عام 2010 في دول المنابع: إثيوبيا وكينيا وأوغندا لترتيب خنق مصر. وحينما سُئل المتحدث باسم الخارجية المصرية عن تعليقه على الجولة، قال إن "هذه هذه الجولة لا تعنينا". وبطل هذه الملحمة أيضا هو السفير إبراهيم يسري.
ولنا أربع ملاحظات على خطة الحكومة ومعها مجلس النواب في إهدار مصالح مصر وأراضيها:
الملاحظة الأولى: أن جزيرة تيران وصنافير مصرية رغم محاولات الحكومة طمس هويتها، وهو نقطة سوداء في جبين الحكومة إلى قيام الساعة، ولن يؤثر تسليم الحكومة الجزر للسعودية وإسرائيل ما دام هناك بعض الشرفاء الذين يحملون الأجيال القادمة مسؤولية تصحيح الأوضاع، رغم فرق الغربان والبوم الذين ينعقون في أرجاء مصر ويروجون لضياع أراضيها بحماسة غريبة يحسدون عليها.
الملاحظة الثانية: أن التفريط في ثروات مصر من الغاز والبترول سوف ينتقص من قدرة مصر على الرخاء، ولكن ذلك يمكن تعويضه إذن منّ الله على مصر بحكومة تدرك أخطار هذه السياسات فتعود عنها دون معقب في الداخل أو الخارج.
وأحمل الأجيال القادمة مسؤولية فتح ملف الغاز منذ بداية كشفه في مصر؛ لأن المتورطين فيه هم الذين ظلوا يحكمون مصر دون أن تقتص مصر منهم ودون أن تعرف مصر الحقيقة، حيث منحوا البراءة من قضاتهم، وهذه البراءة هي الدليل الحاسم على الإدانة.
الملاحظة الثالثة: هي أن قضية تيران وصنافير قد حازت شعبية كبيرة ولم يقتنع الشعب بالأوهام والأساطير التي ساقتها كتيبة البوم من إعلاميين وعسكريين سابقين، وبعض المشتغلين بالدراسات التاريخية والجغرافية، ولكن الذي انفطرت له قلوبنا هو أن يعرف هؤلاء البوم طريقهم لتلقين شباب القوات المسلحة هذه الخرافات.
أما قضية الغاز والبترول وقضية المياه، فقد نجحت الحكومة في تضليل الناس، وهو ما انعكس على شعبية هذه القضايا رغم أن قضية المياه هي أخطرها جميعا، فإذا جف النيل اندثرت مصر ومات شعبها، مما يتعين معه على هذا الشعب أن يدرك هذه الحقيقة، وأن تزدحم به ساحات القضاء الإداري تعبيرا عن خطورة الدعوى التي جف الريق في المطالبة بالاهتمام بها قبل فوات الأوان؛ لأنها مرتبطة بوقت معين، وهو حق مصر في مياه النيل خلال الشهور القادمة.
الملاحظة الرابعة: هي أن إسرائيل هي بطل كل هذه المآسي، والتي تسعى إلى إبادة مصر والمصريين، ومع ذلك لا تألو الحكومة جهدا في التنسيق مع إسرائيل والتقرب منها وتطويع الشعب المصري لكي يحبها ويكسر عقدة العداء ضدها، وهي أصلا نشأت خصيصا لإبادة مصر، فإسرائيل هي المستفيد الأول من التنازل عن تيران وصنافير، كما فصلنا في كتابنا حول هذا الموضوع، وإسرائيل هي التي استولت على غاز المتوسط من مصر ولبنان، وإسرائيل هي التي تواطأت مع نظام مبارك لكي تسلب مصر ثروتها من الغاز فانقلبت مصر من مصدر إلى مستورد بقدرة قادر.
وفي هذا الصدد لا بد من توجيه التحية إلى القاضى الفاضل الدكتور محمد أحمد عطية الذي أنصف مصر في قضية الغاز الأولى، ونرجو أن يُسجل اسم رئيس المحكمة الحالي في الشق الثاني من القضية، وهي الأهم بسبب بعده الدولي، كما نرجو أن نضع بعض القضاة من هذه القبيلة الوطنية في سجل شرف خاص.
كذلك، فإن إسرائيل هي التي تواطأت لحرمان مصر من حقها في مياه النيل، والأغرب من ذلك أن إسرائيل والسعودية والإمارات حلفاء الحكومة المصرية، وهم الذين يدعمون أثيوبيا في قضية سد النهضة.
هذا بيان للناس وليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.