فترة حكم الدكتور "محمد مرسي"، فك الله أسره لمصر، كشفت بوضوح عن النموذج
المصري لنخب تدعي الليبرالية والثقافة والإيمان بالديمقراطية؛ فيما الحقيقة أن كثيرا من هؤلاء، على امتداد بلداننا العربية الإسلامية، لا يرون الديمقراطية إلا صنما من العجوة، إن وافق هواهم وأتت الجماهير بهم إلى سدة الحكم استمروا في عبادة الصنم، وإن أتت الصناديق بغيرهم أكلوه.. وليس من العجيب إذا أن الجماهير لم تأت بأتباع هذه النخب في انتخابات ديمقراطية حقيقية..!
أعانت هذه النخب العسكر على الانقلاب على أول رئيس مُنتخب في تاريخ مصر بصورة ديمقراطية حقيقية، وكانت برامج "التوك شو" تسهر حتى الساعات الأولى من الفجر منذ الليالي الأولى على توليته متفرغة لانتقاده، فيما يُعاد بث نفس البرامج صباحا، والطبقة التي تدعي الثقافة تُفتح لها الأستديوهات على مصارعها، لينتقل أحدهم من هذا إلى ذاك، ويأتي الأول مكانه، وهكذا دواليك في مناخ حرية نادر لم تشهده مصر من قبل.
لكن أولئك الذين استهانوا بالرئيس المُنتخب راحوا يكيلون الاتهامات له، بل على طريقة (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم..) من الآية 9 من سورة يوسف، وتجرأوا أكثر لما لم يجدوا رداعا فكانوا مخلبا في يد العسكر للانقلاب على الرئيس، ظانين أن الذين خانوا العهد والأمانة وأودعوا رئيس البلاد ومعاونيه السجن؛ سوف يصفون ويُخلصون إليهم..
وكعادة العسكر في مصر، وكعادة الخونة في كل زمان ومكان، رد الأوائل على تلك النخب المُزيفة المدعاة بما يليق بها لا بما كانت تأمل.
حمل العدد الأخير من "روايات الهلال المصرية" الصادر في نيسان/ أبريل الماضي إعلانا عن عدد أيار/ مايو الجاري من السلسلة، بصورة الغلاف باسم الكاتب برقم الإصدار، و"روايات الهلال" تصدر من الأساس عن "دار الهلال" المصرية الحكومية الموالية للنظام الانقلابي المصري. و"دار الهلال" أسسها "جورجي زيدان" عام 1892م، و"روايات الهلال" بدأت في الصدور في عام 1949م لتصدر
رواية واحدة شهريا، بداية من "المملوك الشارد" لمؤسس "دار الهلال". ويغلب على الروايات الطابع الخاص بالترجمة الغربية، بالإضافة إلى نشر أعمال عربية كيفما اتفق، وكما هو معروف من النخب المُسيطرة عليها من تجنب الأعمال التي تحث على مُقاومة الطغاة وتصوير الأوضاع في عالمنا العربي على حقيقتها، فضلا عن المجاملة وقواعدها المتعارف عليها في الإصدارات الحكومية التي لا تراعي قواعد الربح والخسارة.
أما اسم الرواية التي كان من المُفترض أن تصدر عن السلسلة للشهر الحالي، فهو: "السادة الرئيس القرد"، وهي لكاتب سوداني، وعلى موقع روايات الهلال تم الإعلان عنها، بل صدر "كتاب الهلال" للشهر الماضي بإعلان على صفحة كاملة من صفحاته، كما ضمت مجلة "الهلال" لشهر أيار/ مايو الحالي استعراضا كتبته مديرة تحرير "روايات الهلال" نقلت فيه مقطعا من الرواية، ونُشِرَ على الصفحة 209، مع إعلان آخر مجمع عن إصدارات السلسلة للشهر الحالي.
من المفترض أن تدور الرواية الخاصة بالكاتب السوداني "عبد الحميد البرنس" حول أجواء مُتخيلة، ورئيس تحرير السلسلة صحفي معروف بولائه للنظام الحالي فلن يختار في سلسلة تتبعه ما يعارضه، لكن اسم "الرئيس القرد" أثار شهية المخابرات العسكرية وأمن الدولة الانقلابيين، وقد عرفا باسم الرواية وهي تقارب الصدور، فما كان منهما إلا أن أوقفا نشرها، للمرة الأولى في تاريخ السلسلة. وحتى تاريخه، وقد قارب الشهر على الانتهاء، ولم يصدر عن السلسلة لا رواية "الرئيس القرد" ولا غيرها.
وإمعانا في الفعل السلبي والالتفاف عليه بالكذب، قال رئيس مجلس إدارة "دار الهلال"، في تصريحات صحفية، إنه لا يعرف شيئا عن هذه الرواية.
ومن ناحيته، قال رئيس تحرير السلسلة في تصريحات صحفية: "لم أتلق حتى الآن أي مذكرة رسمية أو اتصال من مسؤول رسمي في دار الهلال لأرد عليهم بشكل رسمي".
صار المنع في مصر هو الأغلب، ما اشتبه بعنوان أو تم ذكر لقب "الرئيس" وإن كان العمل المذكور أشرف على اختياره والإعداد لنشره أتباع الرئيس أنفسهم، فلم يعد الأمر يسير بشكل رسمي، بل صار رئيس تحرير سلسلة مشرفة على رواية عادية تقوم على الخيال وأحيانا الفانتازيا، ليس فيها من مشكلة إلا أن كلمة "الرئيس" وردت في العنوان إلى جوار "القرد" (لم يقل العنوان من هو الرئيس).. يقول لا أعرف ماذا يحدث، ورئيس مجلس الإدارة لإحدى أعرق المؤسسات المصرية يقول إنه لا يعرف شيئا عن رواية تم الإعلان عنها لمرات خلال الشهرين الماضي والجاري وفي الإصدارات الرئيسية لمؤسسته!
هذا نموذج ما جنته وتجنيه النخب الانقلابية على أوطان كنا نتمنى أن تتنسم عبير الحرية.. وإن لم تجن أوطاننا نفسها على أحد..!