قال محللون وسياسيون إن الوضع بين
مصر والسودان يتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل استمرار التوتر وحرب التصريحات، وسيل الإجراءات المتبادلة بين البلدين المجاورين، في ما يذكّر بأجواء تسعينيات القرن الماضي، في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس المخلوع "مبارك" في أديس أبابا.
وقرر
السودان الأربعاء؛ حظر دخول السلع المصرية الزراعية والحيوانية، وطلبت الحكومة من القطاع الخاص السوداني باستيراد السلع مباشرة من بلد المنشأ دون عبورها بمصر.
وكان السودان قد فرض حظرا شاملا على السلع الزراعية المصرية في آذار/ مارس الماضي، بعد حظر مماثل أيلول/ سبتمبر 2016؛ يشمل الفواكه والخضروات والأسماك المصرية، بسبب مخاوف صحية.
في المقابل، نفى السيسي في نهاية أيار/ مايو، تدخل نظامه في السودان، وقال إن سياسات مصر بشأن عدم التدخل في شؤون الآخرين "ثابتة ولم ولن تتغير"، وأن "مصر لا تتآمر"، وذلك ردا على تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير عن ضبط جيش بلاده مدرعات ومعدات عسكرية مصرية، استخدمها متمردو دارفور في معركتهم الأخيرة ضد الجيش السوداني.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية، الخميس، اعتزام وزير الخارجية إبراهيم غندور، التوجه إلى القاهرة السبت؛ في زيارة رسمية لإجراء مباحثات مع نظيره المصري سامح شكري.
وجاء الإعلان عن الموعد الجديد للزيارة، بعد أيام من إعلان وزير الخارجية السوداني تأجيل زيارته لمصر، التي كانت مقررة الأربعاء الماضي، في غمرة التوتر بين الجانبين.
الصدام قادم
ورجح رئيس وحدة
العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، جمال عبد الجواد، أن "تشهد العلاقات بين مصر والسودان مرحلة جديدة من التصعيد والتوتر، ربما تشبه التي كانت عليه العلاقات المصرية - السودانية عقب محاولة اغتيال الرئيس (الأسبق) مبارك، في منتصف التسعينيات".
ولم يستبعد في حديث لـ"عربي21" أن "يقوم السودان بسحب سفيرها، أو تجميد العلاقات السياسية"، معتبرا أن "مصر تبدو حريصة على علاقتها مع السودان؛ لأنها لاتتآمر على أحد، وتحرص على تجنب التصعيد، وسوف تحاول احتواء هذا الخلاف، ولكن أتصور أن الصدام شبه مؤكد بين الطرفين"، وفق تقديره.
وعلل توجه القيادة السياسية في الخرطوم إلى تصعيد الموقف إلى ما أسماه "انضواء السودان إلى المحور الإيراني القطري الإخواني، وإيصال رسالة لهم بأنه ضمن المحور الجديد"، وفق قوله.
إدارة الخلاف
من جهته، قال وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية السابق، محمد محسوب، إن "طريقة إدارة الخلاف لا تبشر بخير، ولكني آمل في تبني طريقة أخرى في حل المشكلات"، مضيفا أن "كل الاحتمالات مفتوحة بين الطرفين".
واستدرك محسوب في حديث لـ"عربي21": "لكنني لا أثق في طريقة إدارة الملف في الإدارة المصرية لمعرفتي بها، أما على الجانب السوداني فلا علم لي به، لكن الظاهر أن طريقة الإدارة في السودان ليست على المستوى المطلوب، وبالتالي ربما يكون الشعبان هما المطالبين بممارسة ضغوط على حكوماتهما، بحيث لا تصل العلاقات السياسة إلى طريق مغلق يضر الشعبين"، بحسب تعبيره.
وأكد أن "العلاقات ما بين مصر والسودان علاقات تاريخية، ومرت بفترات كثيرة من الفتور، وسوء الإدارة، ولكنها لم تؤد مطلقا لتدهور العلاقات الشعبية بينهما، وأي قرار يتم اتخاذه فهو يضر بمصلحة الشعبين، فعلى سبيل المثال الخطوات التي اتخذت في الستينيات بوقف الطرق البرية وسكة الحديد بين مصر والسودان لم يخسر أحد غير البلدين وشعبيهما".
ورأى محسوب أن "المشكلات بين الدول يمكن إنهائها بالطرق
الدبلوماسية والتفاوض المباشر، عندما تكون هناك علاقات مباشرة وثقة بين الجانبين، والديمقراطية هي الشيء الوحيد الذي يسمح ببناء الثقة بين مصر والسودان، ووجود حكومات منتخبة تعبر عن تطلعات الشعبين والوصول بالعلاقات إلى الوحدة"، على حد قوله.
تآمر نظام السيسي
وألقى البرلماني السابق، نزار غراب، باللائمة على النظام الحاكم في مصر، وقال لـ"عربي21" إن "الإدارة السياسية المصرية أثبتت على مدار السنوات الأخيرة، انتهاج سياسة تفوح منها رائحة التآمر من أجل خدمة أجندات مضادة للتضامن بين الدول العربية، وقد شملت تلك السياسات السودان".
وأعرب عن اعتقاده بأن "قرارات السودان الأخيرة سواء على المستويين السياسي أو الاقتصادي، تستهدف محاولة إثبات الإدارة السياسية السودانية، وأنها قادرة على اتخاذ مواقف ضد مصر"، كما قال.
فرصة السودان
أما الباحث السياسي، غاندي عنتر، فرأى أن "السودان يحاول أن يستغل الآن حالة الضعف التي يعاني منها نظام السيسي؛ كون أن هناك ضغوطا (سعودية) عليه لتسليم تيران وصنافير، ومن هنا جاء تصعيد ملف حلايب وشلاتين، باعتبارها فرصة سانحة للبشير ليقدم شيئا ملموسا لشعبه".
وأشار إلى أن "تهديد السيسي السودان بشن غارات داخل أراضيه على غرار ما حدث في ليبيا، يعد تهديدا مباشر"، مؤكدا أن "البشير لديه على الأرجح معلومات حول تآمر السيسي على نظامه في ظل دعمه المتكرر للمتمردين، ناهيك عن الخلاف الإيديولوجي بين السيسي والبشير، وكذلك دعم السودان للإخون المسلمين وفتح البلاد أمام الفارين من مصر"، على حد قوله.