طلب أستاذ شريعة ودراسات إسلامية من أصدقاء صفحته على "فيسبوك"، إبداء آرائهم حول ظهور الواعظات والداعيات على الفضائيات، فتراوحت مواقفهم بين الرفض، والتحفظ، والتشكيك بجدوى الظهور، والاهتمام بالمادة المقدمة من غير اكتراث بجنس من يقدمها.
يستند الرافضون لظهور الواعظات والداعيات في البرامج الفضائية، على فتاوى شرعية تحرم ذلك الظهور، وتحذر منه، لأنها تعتبر المرأة فتنة بصوتها وصورتها.
سئل الفقيه السعودي عبد الرحمن بن ناصر البراك: "ما حكم ظهور
المرأة الداعية على التلفاز بحجابها الشرعي، وذلك لغرض الدعوة والفتوى؟ فأجاب "الأصل أن المرأة فتنة بصورتها وصوتها، قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)" (متفق عليه).
وتابع: "ولذلك حرص المتبعون للشهوات على إدخال المرأة في جميع برامج الإعلام المسموعة والمرئية.. وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تخرج في القنوات ولو كانت متحجبة باسم الدعوة والفتوى، فإنه يستمع إليها ما لا يحصى من الرجال، وهي إنما خرجت في القناة بدعوى تعليم النساء".
ووفقا للفقيه البراك، فإن "مشاركة المرأة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تترتب عليها مخالفات شرعية من خروج بلا حاجة، ومخالطة للرجال، وتصوير لشخصها وإن كانت محجبة، وفي ذلك من المفاسد التي جاءت الشريعة بسد الطرق إليها".
وأشار البراك في فتواه إلى أن "المرأة قد تتبرج في لباسها وإن كانت متحجبة"، ثم قرر أنه "لا يجوز للمرأة أن تخرج في القنوات الفضائية داعية أو مفتية أو معلمة، بل يجب أن يقتصر نشاطها في الدعوة العامة على بنات جنسها في بيت أو مدرسة أو مسجد في مصلى النساء".
من جهته، قال أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة أم القرى، ناصر صبرة الكسواني: "تراوحت أقوال العلماء بخصوص حكم عمل المرأة في وسائل الإعلام المرئية مذيعة أو واعظة بين التحريم والجواز بشروط"، لافتا إلى أنه يميل إلى الرأي الثاني الذي يجيز للمرأة الظهور بالشروط التي تحفظ لها كرامتها وأنوثتها".
وذكر الكسواني في جوابه عن سؤال "
عربي21": "ما هي الشروط الشرعية الواجب توافرها لجوار ذلك؟ خمسة شروط، جاءت كالآتي: ارتداء اللباس الشرعي الصحيح، وعدم وضع المساحيق التي تزيدها نضارة وجمالا، وعدم الخضوع بالحديث بالتكسر والخروج عن قواعد الحياء المتعارف عليها في المجتمعات المسلمة القريبة من الشرع".
وقال: "عدم الاختلاط بالرجال بما يؤدي إلى الألفة، وأن تمس الحاجة إليها في ذلك المجال من العمل بحيث لا يوجد رجال لتأديته".
وتعليقا على التصنيف الثنائي المتداول الذي يعتبر ظهور الواعظات والداعيات على الفضائيات دليلا على الانفتاح والمرونة، وتحريمه دليلا على التشدد والانغلاق، رفض الكسواني ذلك التصنيف، طالما أن مرجعيتنا جميعا في إصدار الأحكام وإنزالها هي الكتاب والسنة وسيرة سلف الأمة وفق المنهج الذي وضعه علماؤنا لفهم النصوص الشرعية، على حد قوله.
وأوضح الكسواني أن من أفتى بتحريم ظهور الواعظات والداعيات على الفضائيات أخذ بالأحوط، مشددا على ضرورة الالتزام بالشروط المذكورة وعدم تضييعها.
وفي السياق ذاته، بيّن الداعية محمد سعيد أبو جعفر أن الإسلام لم يمنع المرأة من المشاركة فيما أباحه لها من وجوه البر والخير، وطلب العلم والتعليم وما إلى ذلك.
ولفت إلى أنه من خلال دراسته للحديث النبوي والسيرة وجد أن المرأة شاركت في الجهاد على أشكال مختلفة، بدءا من المساعدة والتطبيب إلى المشاركة في القتال، لذا فإن للمرأة حضورا ومشاركات في أغلب الميادين.
وبخصوص ظهور الداعيات والواعظات على الفضائيات، قال أبو جعفر لـ"
عربي21": "لست مع القول بالتحريم، لأن من قال به ليس لديه دليل قطعي، وما أراه جواز ذلك بشروطه وضوابطه".
وذكر أبو جعفر أن القائلين بتحريم ظهور الداعيات على الفضائيات، استندوا إلى قاعدة سد الذرائع، تخوفا مما قد يترتب على ظهورهن من مفاسد، ووقوع الفتنة، في حال تضييع الشروط، وعدم مراعاة الضوابط.
ونبّه أبو جعفر إلى وقوع مخالفات فيما يتعلق بظهور الواعظات والداعيات على الفضائيات، مثل ظهور بعضهن بلباس لا تنطبق عليه مواصفات اللباس الشرعي وشروطه، وظهور بعضهن متزينات وما إلى ذلك.
وبرؤية مغايرة رأى عماد أبو قاعود، إمام وخطيب مسجد، يحمل شهادة الدكتوراه في تفسير القرآن وعلومه، أن للمرأة حق الظهور على الفضائيات كما هو حق للرجل، إذا ما امتلكت المؤهلات والمهارات التي تمكنها من ذلك مع عدم التوقف كثيرا عند جنسها.
وأبدى أبو قاعود تحفظه على القول بأن "ظهور الداعيات ومقدمات
البرامج الدينية على الفضائيات يثير الفتنة، لأن تقدير الفتنة مسألة نسبية وليست معيارية، فما يراه بعضهم فتنة، قد لا يكون كذلك عند غيرهم، لاختلاف أعراف الناس في ذلك"، على حد قوله.
وأوضح أبو قاعود في حديثه لـ"
عربي21"، أن التحذير من وقوع الاختلاط حال ظهور الداعيات ومقدمات البرامج أمر مبالغ فيه، لأن الاختلاط إن كان لسبب وحاجة فهو جائز ولا شيء فيه، كما أن نظر الرجل للمرأة ونظرها إليه إن كان لسبب وحاجة فهو كذلك جائز ولا مانع منه.
وذكر أبو قاعود أن طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء في المجتمع النبوي تختلف عما هي عليه حتى في مجتمعات المتدينين في زماننا، ومن أمثلة ذلك أن "الرجال والنساء كانوا يتوضئون في زمان الرسول جميعا" كما في صحيح البخاري وإن تعددت آراء العلماء في توجيه هذا الحديث.
وللحصول على وجهة نظر تمثل موقف الداعيات المشاركات في برامج فضائية، تواصلت "
عربي21" مع بعضهن، إلا إنهن اعتذرن عن المشاركة، لأنهن لا يرغبن بالدخول في مساجلات مع أي طرف، وعبرت إحداهن عن رأيها بأنها تمارس أمرا جائزا ولا حرمة فيه، وهي مقتنعة تماما بذلك.
من جهتها، ذكرت الشاعرة والناشطة الدينية كوثر منصور أنها دُعيت ذات مرة للظهور على فضائية لمحاورتها في بحث أعدته، إلا إنها امتنعت عن ذلك بسبب فتوى حرمت عليها الظهور حينذاك.
لكنها استدركت قائلة في حديثها لـ"
عربي21": "لو دُعيت الآن إلى مثل ذلك فإنني سأستجيب، لأنني بت مقتنعة بجواز ذلك بشروطه الشرعية المنصوص عليها، كالمحافظة على اللباس الشرعي، والابتعاد عن التزين، وما إلى ذلك من شروط".
وفي السياق ذاته، قالت الإعلامية والناشطة الإسلامية، منال عبد الجليل العواودة: "لا أعترف بلفظ الواعظات الدينيات، وأؤمن أن الإعلام الهادف يحتاج إلى شخصيات متميزة بالعلم والوقار والتمكن والمهنية، التي تشد نظر المتابع وسمعه إلى المضمون وأهدافه".
وتابعت: "نعم ظهور الإعلاميات صاحبات الرسالة الدعوية يدل على طبيعة الدين، فهذا الشكل مطلوب وله حاجة.. فلا بد أن يقوم الإعلام على عاتق الرجل والمرأة لأنهما يعمران الأرض معا، وعليهما تقع المسؤولية في صلاح الأمة وإصلاحها".
واعتبرت العواودة أن "الحاجة ملحة لوجودهما بشكل يليق بالرسالة الربانية التي ضيقها كثير من المتشددين حتى حرموا ظهور المرأة ومنعوها من دورها في صناعة الأمة وحمايتها فظهرت إعلاميات وفضائيات على النقيض بدعوتها إلى التحرر، فواجهوا به آراء المتشددين الذين حرموا ما أحل الله".
وأوضحت العواودة لـ"
عربي21" أن "المرأة لكونها تميل بفطرتها للجمال، فقد انشغلت بعض الإعلاميات في فضائيات هادفة، ولها رسالة متناغمة مع الشرع، وظهرن بمظهر فيه زيادة اهتمام بالشكل، ومبالغة في الاستعراض بالملبس، ما لفت نظر الناس، وجعل الأداء جامدا وأعاق توصيل الهدف من الطرح".
وخلصت العواودة إلى القول: "على الإعلام الهادف أن يوازن في إظهاره للمرأة والرجل على حد سواء بشكل ينسجم مع شريعتنا الغراء، بلا إفراط ولا تفريط، ولا إسفاف ولا مغالاة، فخير الأمور وأعدلها الوسط".