فرض حال الطوارئ لم يعد حكرا على دول عربية. الإرهاب جعل اللجوء إليه ظاهرة دولية. لكن الدول الغربية التي استخدمت هذا النظام الذي يمنح السلطات الإدارية صلاحيات استثنائية، واجهت ضغوطا من الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، بضرورة عدم اتخاذ الأوضاع الاستثنائية ذريعة لفرض قيود على أشخاص ومؤسسات، أو التعامل بعنصرية مع مواطنين ومقيمين.
الحكومة الأمريكية اتخذت، بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، إجراءات غير معهودة، مثل احتجاز الأجانب من دون توجيه اتهام إليهم، والتنصُّت على أجهزة الهاتف، وتجميد أرصدة مالية، وإنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة غير المواطنين المتهمين بالإرهاب. وفي فرنسا تكرّرت الحال، وأُطلِق الرصاص على رجل بريء لمجرد وجود احتمال بأنه ينوي مهاجمة الشرطة. لذلك ظلت الصحافة الغربية ومؤسسات المجتمع المدني تذكّر السياسيين دائما بضرورة ملاءمة التدابير الاستثنائية للوضع القائم، من دون تجاوزات أو مبالغة.
خوف الغربيين من المبالغة، في إطالة مدة فرض الحال الاستثنائية، واستخدامها، تحقّق في دول مثل تركيا التي تجاوز بعض أجهزتها على حرية الناس والمؤسسات، خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة وبعدها. مصر أيضا حُكِمَت بنظام الطوارئ على مدى العقود السبعة الماضية باستثناء فترات قصيرة، فضلا عن سورية التي ظل نظام الطوارئ يحكمها طوال نصف قرن، منذ بداية عهد حافظ الأسد، وبطريقة تعدّ سابقة في القمع والوحشية، فسخط الشعب السوري من التسلُّط عليه بذريعة حال الطوارئ، وخَرَجَ إلى الشوارع والميادين عام 2011، لتغيير هذه الحال، وكانت النتيجة أن نظام الطوارئ كان السبب في ضياع الدولة برمتها.
الدول الغربية طبّقت حال الطوارئ، في فترات مختلفة، منذ خمسينات القرن العشرين، خصوصا فرنسا، لكن الوضع فيها كان مختلفا عن أوضاع دول عربية، بات نظام الطوارئ فيها وسيلة لتصفية الحسابات مع خصوم السلطة، واستعذاب فكرة «التآمر على الوطن» لتمديد الحال الاستثنائية لعقود، فانتهى الأمر بما يشبه انهيارا في بنية مؤسسات الدولة، يصعب تغييره بسهولة.
نظام الطوارئ خطر على استقرار الدول؛ فإعطاء بعض الأجهزة صلاحيات استثنائية، لفترات طويلة، يمنحه فرصة للفساد، والتدخُّل غير المشروع في حياة المواطنين، والأخطر أنه يجعل لجم هذا الفساد أكثر صعوبة، إذا قررت الدولة فعل ذلك، مثلما حدث في مصر.
الأكيد أن حال الطوارئ عدوة للعدالة، ومدمّرة لحيوية الدول واستمرارها، فضلا عن أن التمسُّك بها لفترات طويلة يحرّض الشعوب على تكرار الأحداث التي فُرِضَ نظام الطوارئ لمنعها.