نشرت صحيفة "البيريوديكو" الإسبانية مقالا للصحفي والكاتب الإسباني، رامون لوبو، تحدث فيها عن التدخل الأمريكي في
سوريا. وقال الكاتب إن هذا التدخل يأتي بعد فترة وجيزة من اعتلاء الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد
ترامب، سدة الحكم، ليتحوّل في ظل هذه الظروف إلى لاعب "البلياردو" في الرقعة الجغرافية السورية.
وقال الكاتب، في مقاله التي ترجمته "عربي21"، إن ما قام به ترامب هو بمثابة حيلة قديمة تندرج تحت مظلة "الألعاب السحرية" السياسية. فتدخل ترامب في التراب السوري، ما هي إلا حركة بائسة لإخفاء المشاكل الداخلية في صلب الإدارة الأمريكية وحجبها عن الأنظار، كما يقول الكاتب.
وذكر الكاتب أنه، وخلال مدة زمنية قصيرة على رأس الإدارة الأمريكية، أصبح في رصيد ترامب العديد من المشاكل، على غرار شبهة وجود علاقة بين أعضاء فريقه وروسيا قبل الانتخابات، إضافة إلى التنسيق المزعوم مع مخابرات فلاديمير
بوتين لإلحاق الضرر بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. ويضاف إلى كل ذلك، تشعب الفوضى في إدارة يمكن أن تفجرها تغريدة.
وقال إنه تنبعث من قضية العلاقة مع
روسيا رائحة فضيحة، ولكن لا يزال من غير الواضح في هذه المرحلة ما إذا كان سينتهي مسار القضية الروسية بمساءلة ترامب أو عزله.
وأورد الكاتب أن إطلاق ترامب 59 صاروخا من نوع توماهوك ضد قاعدة تابعة للنظام السوري، حليف موسكو، له إيجابيات ومخاطر. فقد حمل هذا التدخل في طياته ثلاث رسائل للعالم، مفادها أن ترامب مستقل عن الكرملين، وأن المزاعم التي تتحدث عن تبعيته لبوتين، ليست إلا إشاعات زائفة وأخبارا وهمية. كما جاءت هذه الضربة لتؤكد للجميع أن لترامب القدرة على اتخاذ قرارات لم يجرؤ على اتخاذها سلفه باراك أوباما، الذي عجز عن الرد على هجوم الأسد الكيميائي سنة2013.
وبين الكاتب أن ترامب لم ينتظر حتى يتم الكشف عن الجهة المسؤولة عن هجوم خان شيخون، فقد اكتفى بخبر استعمال غاز السارين الفتاك في هذا الهجوم. وعلى الرغم من أنه لم يتم إثبات أن بشار الأسد هو المسؤول عن الهجوم، إلا أن استهداف المدنيين يتطابق مع تاريخ وعقلية النظام السوري. وفي الأثناء، امتنع ترامب عن استشارة حلفائه أو الكونغرس، واكتفى بتحذير روسيا قبل وقت قصير من الهجوم.
وأضاف الكاتب أنه بعد ست سنوات من الحرب التي طال أمدها، ونتج عنها حوالي 400 ألف قتيل، إضافة إلى خمسة ملايين لاجئ وسبعة ملايين نازح، لا زالت الحرب السورية تفتقر لخطة واضحة لوضع نهاية لها. ويعاني ترامب من المشكلة ذاتها التي لطالما أثقلت كاهل سلفه أوباما، والمتمثلة في عجزه عن تحديد حلفاء ثابتين له.
وأوضح الكاتب أن الآثار الجانبية للتدخل الأمريكي جلية، حيث لم يتمكن البيت الأبيض من حل المشكلة الأساسية على الأراضي السورية. وفي ظل هذه الظروف المتأزمة، اتفق القادة الغربيون، فيما يتعلق بالتعامل مع المعضلة السورية، على إغلاق الأبواب أمام ضحية الحرب الأولى، أي اللاجئين السوريين.
لكن الأثر السلبي الأكثر خطورة بالنسبة لترامب، يتمثل في إمكانية دخوله في حرب باردة مع روسيا التي تعتبر حامية الأسد الرئيسية، لأسباب استراتيجية. وفي الأثناء، قد يشعر بوتين بخيبة أمل بسبب قرارات ترامب الذي ساعده على دخول البيت الأبيض.
وأشار الكاتب إلى أنه من المقرر انعقاد اجتماع في الأسبوع المقبل بين وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، وبوتين؛ اللذين كانت تربطهما علاقة تجارية متميزة. وسيكون الهدف الأول لهذا الاجتماع تلطيف الأجواء وحل سوء التفاهم بين البلدين.
وقال الكاتب إن التدخل الأمريكي في سوريا هو بمثابة تجسيد لاستراتيجية ساكن البيت الأبيض الحالي، والتحول الذي طرأ عليها. وقد أقر هذا التدخل تحول استراتيجية ترامب من الانعزالية تحت شعار "أمريكا أولا" إلى شعار "العمل كالمعتاد". وعلى العموم، سوف يعود كل شيء إلى سالف عهده، على الأقل في الشرق الأوسط، باستثناء مفاجآت الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بقراراته.