أعادت اللهجة الحادة للمسؤولين الأتراك بعد ساعات من المجزرة التي ارتبكت في بلدة خان شيخون بريف إدلب إلى الواجهة التساؤلات بشأن مستقبل تعاطي تركيا مع الملف السوري في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها هذا الملف سياسيا وميدانيا.
الرئاسة التركية هاجمت بشدة النظام السوري وحملته مباشرة المسؤولية عن المجزرة، وقال المتحدث باسمها إبراهيم كالن: "هذه ليست الجريمة الأولى التي يرتكبها النظام السوري، فهذا النظام يقتل شعبه منذ أكثر من 6 سنوات بكافة الأساليب الوحشية والبربرية".
أما رئيس الحكومة بن علي يلدريم فسارع إلى مهاجمة النظام ورأسه ووصف ما جرى بالوحشية، مضيفا أن "الشخص الذي يرأس هذا النظام لم يقلق أبدا من استهداف الأطفال والنساء بالغازات الكيميائية"، فيما أعلن عن نية أنقرة تشريح جثمان واحد من عشرات ضحايا الهجوم ممن وصلوا إلى المشافي التركية لتلقي العلاج لمعرفة طبيعة السلاح المستخدم في الهجوم.
تصريح يلدريم في هذا المجال، سبقه تصريح لافت لوزير الصحة رجب أقداغ، أكد فيه أن أنقرة توصلت بالفعل إلى نتائج تشير إلى أن قصف خان شيخون كان هجوما بالأسلحة الكيماوية دون أن يكشف عن تفاصيل هذه النتائج وآليات التوصل إليها.
هذه المواقف أتبعت بموقف عملي لوزارة الخارجية التركية التي وجهته لشركائها في ما بات يعرف بمسار أستانة الموازي لمسار جنيف، حيث قالت الوزارة إنها ذكرت روسيا وإيران بمسؤولياتهما في منع انتهاك وقف إطلاق النار في سوريا.
وجاء على لسان المتحدث باسم الوزارة حسين مفتي أوغلو أن تركيا قدمت مذكرات للسفارتين الروسية والإيرانية في أنقرة بشأن هجوم خان شيخون في دلالة على تحرك تركي بمسار آخر هذه المرة.
أمام هذا الخطاب التركي، هل من بات الصحيح القول إننا أمام تطور جديد تسعى تركيا لاستثماره لرفع سقف تحركها في الملف السوري؟، وهل من الممكن المراهنة على تحرك ميداني أو سياسي تركي في ظل استحقاق سياسي داخلي لأنقرة يتمثل بالاستفتاء على التعديلات الدستورية منتصف الشهر الجاري؟
السقف التركي
تعليقا على هذه التساؤلات يرى الكاتب والمحلل السياسي والمختص بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج أن "السقف التركي في القضية السورية بات معروفا وواضح الملامح سواء سياسيا أو عسكريا خاصة بعد الإعلان الأخير لأنقرة عن انتهاء عملية درع الفرات".
ويضيف الحاج في حديثه لـ"عربي21": "السقف التركي منذ فترة طويلة لم يعد يتحدث عن إسقاط النظام، إنما يتحدث عن حل سياسي ضمن مسار جنيف أو أستانة مع موقف واضح برفض بقاء الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية".
الصحفي المختص بالشأن التركي صالح عياد يتفق بدوره مع الدكتور الحاج في توصيف حالة السقف التركي الذي لم يعد كما كان، مرجعا الأسباب في ذلك إلى انخراط الدولة التركية في "مواجهة التنظيمات الإرهابية"، ويوضح بالقول: "لولا العمليات التي نفذتها في الداخل التركي لما ذهبت تركيا نحو محاربة داعش في عملية درع الفرات وتغير هدف إقصاء نظام الأسد".
ويضيف عياد في حديثه لـ"عربي21" بالقول إن "حدة موقف الحكومة تجاه ما جرى في خان شيخون نابع من تمسكها بموقفها من أن نظام الأسد هو أساس البلاء، واستخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي يؤكد على صوابية الموقف التركي أنه من الأولوية بمكان إقصاء بشار الأسد ومن ثم محاربة المنظمات الإرهابية وهو الموقف التركي الأول من الثورة السورية".
ما المنتظر؟
يربط الدكتور الحاج والصحفي عياد بين المنتظر من تركيا تجاه الملف السوري تحديدا وملف المجزرة في خان شيخون على وجه الخصوص بالاستحقاق الداخلي في البلاد متمثلا بالاستفتاء على التعديلات الدستورية في السادس عشر من الشهر الجاري كعامل مقيد لأي تحرك تركي في المستقبل.
وفي هذا الخصوص يرى الصحفي صالح عياد أن الموقف التركي وإلى حين موعد الاستفتاء سينحصر في مواقف سياسية وإعلامية فقط، "بانتظار انتهاء هذا الاستحقاق الذي قد يشهد ما بعده موقف أقوى ربما يكن على شكل تحركات وتحالفات سياسية مغايرة".
ويوضح قائلا: "مسار أستانة الذي انخرطت فيه أنقرة شبه انتهى ووقف إطلاق النار المتمخض عنه لم يعد موجودا على الأرض، كما أن زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة إلى روسيا لم تحقق نتائجها المرجوة تركيا".
في ذات الاتجاه يرى الدكتور سعيد الحاج أن السبب الداخلي المحدد للسقف التركي والمتلخص باستحقاق الاستفتاء حاضر بقوة، "فتركيا لا تريد في هذه المرحلة أي مغامرات ميدانية، بل إن جزءا من الإعلان عن انتهاء درع الفرات مؤخرا كان يهدف إلى تسجيل انجاز سياسي معين وضمان عدم حدوث مفاجآت تؤثر على الرأي العام".
ويؤكد الدكتور الحاج أنه من غير المنطقي انتظار الكثير من الدور التركي في هذه المرحلة، لأسباب أخرى "لعل أهمها أن القرار في الملف السوري لم يعد تركيا أو إقليميا بل دوليـا، وتحديدا روسي- أمريكي".
غير أن الدكتور الحاج يستدرك ويرى أن ثمة ما يمكن فعله تركيا على الأقل من "خلال استثمار ما حدث لممارسة عدة أدوار في مقدمتها للضغط الدبلوماسي بالتنسيق مع دولة قطر لإدانة النظام السوري وصولا لتفعيل البند السابع أو على الأقل ممارسة نوع من الضغط على روسيا وإيران لوقف انتهاكات النظام".
ويلفت الحاج إلى نقطة مهمة "تتمثل في إمكانية ممارسة المسؤولية السياسية والأخلاقية كدولة عضو في الآلية الثلاثية لمراقبة وقف لإطلاق النار المنبثقة عن مفاوضات أستانة، وهو ما مارسته فعليا من خلال الرسائل التي وجهتها الخارجية التركية للسفارتين الروسية والإيرانية بهذا الخصوص".
ويختم بالقول إنه "من الممكن لتركيا أيضا في هذا الظرف تفعيل دورها كدولة داعمة للمعارضة السورية بالإضافة إلى الدور الإنساني والإغاثي"، دون إغفال فرصة "استثمار ما تمتلكه أنقرة من أدلة على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية وتوجيهها للمحاكم الدولية لدعم موقفها السياسي في تأييد المعارضة بشأن مصير رئيس النظام بشار الأسد".