وضح النائب
الفلسطيني الإسرائيلي باسل غطاس لأول مرة منذ إدانته وسجنه، الظلم الذي دفعه للتحرك، وكان غطاس، عضو القائمة المشتركة في الكنيست الإسرائيلي اعتقل في نهاية كانون الأول/ ديسمبر؛ لاتهامه بتهريب هواتف نقالة للسجناء الفلسطينيين.
وقامت محكمة في بداية هذا الشهر بإدانته بتهم تزوير وانتهاك الثقة، وتهريب رسالة وجهاز إلكتروني إلى السجن، وسجن لمدة عامين، وتم إلغاء التهم بتقديم دعم مادي للقيام بأعمال إرهابية كجزء من صفقة مع النيابة الإسرائيلية، وأجبر غطاس على الاستقالة من منصبه بصفته نائبا في القائمة المشتركة.
ويوضح غطاس لأول مرة منذ إدانته الدوافع التي جعلته يحضر الهواتف للسجن، وماذا يأمل بأن يتحقق نتيجة لسجنه.
وينشر موقع "ميدل إيست آي" رسالة غطاس، التي ترجمتها "
عربي21"، وفيما يلي نصها:
لم تمض سوى ساعات على مغادرتي سجن كتسعيوت في نقطة بعيدة من صحراء النقب، قبل أن تبدأ الحملة الشرسة علي، التي اكتملت بالقصص الزائفة التي قامت على تسريبات من الشرطة.
ففي أنحاء إسرائيل كلها حفلت قنوات التلفزة ومواقع الإنترنت بعناوين صارخة: "نائب عربي في الكنيست في خدمة الإرهاب"، ومعها قصص مليئة بالاتهامات الزائفة، وبأنني هربت إلى داخل السجن "رسائل مشفرة تحتوي على تعليمات للقيام بنشاطات إرهابية".
واستمرت حملات التشهير هذه، التي صورتني عرابا للإرهاب حتى اليوم الذي وقعت فيه على اتفاق التماس مع النائب الإسرائيلي العام.
وخلال المعاناة الكاملة التي عشتها خلال الأشهر القليلة الماضية، تعرضت لمعاملة سيئة، وحرمت من الإجراءات القانونية العادلة، التي هي من حق كل مواطن، فقد تجاوزت المؤسسات الإسرائيلية في حالتي الخطوط الحمراء كلها.
وفي تحركات غير مسبوقة تم سحب الحصانة البرلمانية عني، وتعرضت للتحقيق، وتم اعتقالي لخمسة أيام، في أثناء عطلة أعياد الميلاد وتبعتها 10 أيام إقامة جبرية في البيت، وتصرفات الراديكالية هذه ضد عضو برلمان كانت استثائية وغير مسبوقة.
وفي الوقت الذي واجه فيه أعضاء يهود في الكنيست ووزراء وشخصيات عامة تحقيقات، "وفي النهاية اتهامات ومحاكمات وعقوبات"، وفي حالات مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي والرشوة وقضايا مالية خطيرة في إسرائيل، إلا أن أحدا منهم لم يعامل بطريقة قاسية، أو حرم من الإجراءات القانونية.
وفي فترة لاحقة قرر النائب العام توجيه تهمة لي دون السماح لي أولا بحضور جلسة استماع مضمونة في القانون، التي عادة ما تعطى للشخصيات العامة، ولم أعط هذا الحق إلا بعد تدخل "عدالة" المركز الفانوني لحقوق الأقليات في إسرائيل، الذي هدد بتقديم استئناف أمام المحكمة العليا.
وكنت منذ اليوم الأول واضحا بأن ما فعلته كله لا علاقة له بالأمن، حيث كان تصرفا شخصيا بدوافع إنسانية وأخلاقية، كنت مستعدا لتحمل المسؤولية عنه.
فمنذ انتخابي لأول مرة عام 2013، كنت مهتما بالسجناء السياسيين الفلسطينيين، لكننا لم نكن قادرين، بصفتنا أعضاء فلسطينيين في البرلمان الإسرائيلي، على عمل أي شيء له علاقة بهذه القضية، فكان من حقنا زيارة السجناء، ولم تقم إلا قلة منا بزيارتهم دوريا، حيث استمعنا خلال هذه الزيارات لشكاواهم من الأوضاع اللاإنسانية الفظيعة التي يعانون منها وعلى قاعدة يومية.
وإحدى الجرائم الرهيبة التي عانى منها السجناء الفلسطينيون هي حرمانهم من حق الاتصال مع عائلاتهم وأقاربهم من خلال الهاتف، وكذلك الوقت المحدد الذي تخصصه السلطات الإسرائيلية للزيارات لهم، ولم يكن يسمح للسجناء إلا باستقبال أٌبناء عائلاتهم الأقربين، ومرة كل أسبوعين، مع أنه، وشكرا للصليب الأحمر الدولي، سيتم تخفيض الزيارة إلى مرة كل شهر بدءا من تموز/ يوليو.
ومن المهم فهم أن السجناء الفلسطينيين هم سجناء إداريون، لكنهم مصنفون "سجناء أمنيين"، وهم مقارنة مع بقية السجناء، فإنهم يتعرضون للتمييز، بخلاف "السجناء الأمنيين" اليهود، الذين يتمتعون بحقوق السجناء "العاديين".
وتعد أحكام السجن الإداري التي تطبقها إسرائيل خرقا واضحا لـ "قواعد نيلسون مانديلا"، التي صادقت عليها الأمم المتحدة، والمتعلقة بمعاملة السجناء، وأشير بشكل خاص إلى انتهاك القاعدة (2) من المادة (1)، التي تحرم بوضوح أي تمييز بين السجناء، بالإضافة إلى قاعدة (58) المادة 1 (ألف) و1(باء)، التي تؤكد حق السجناء بالاتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم عبر وسائل الاتصال وبقية الوسائل واستقبال الزوار.
وكنت بعد كل زيارة أتابع هذه القضايا المتعلقة بالاعتقال وأوضاع السجن مع مصلحة السجون الإسرائيلية والوزير المسؤول عنها، وركزت على المطالب العادلة والسماح بهاتف عمومي في كل عنبر من عنابر السجن تحت الرقابة الكاملة لمصلحة السجن، وأن يسمح للأقارب كلهم بالزيارة.
ولسوء الحظ، فإننا فشلنا رغم الجهود التي بذلناها لتغيير السياسات القاسية، ونتيجة لهذا ظل السجناء السياسيون الفلسطينيون وعائلاتهم يواجهون التحرشات الخطيرة والاضطهاد، التي لا يمكن أن يقبلها أي شخص لديه ضمير إنساني وأخلاقي ثابت.
ولا تزال إسرائيل تواصل منعهم من الحقوق الرئيسية من التحدث لأقاربهم عبر الهاتف، ومنعهم من رؤيتهم لعشرات السنين.
وفي أحد السجون، في الجنوب، استطاع السجناء الحصول على الهواتف من خلال السكوت الضمني لسلطات السجن، ولهذا حاولت العائلات الفلسطينية بالطرق كلها تهريب هواتف نقالة لأبنائهم الأعزاء.
وبناء على هذا السياق، قررت مساعدة السجناء الفلسطينيين والتواصل مع عائلاتهم، وكان علي تحمل التبعات في حالتي في مناخ متطرف من التحريض والعدوانية.
فمن جهة، كان علي أن أتعامل مع تشويه الحقائق والأخبار المزيفة التي سربتها الشرطة للإعلام، ومن جهة ثانية تهديد السلطات بأنها ستقوم قانون الطرد الجديد، الذي تم تمريره، ويسمح لـ 90 عضوا في الكنيست طرد عضو آخر.
وفي أثناء المفاوضات خلال جلسة الاستماع في مكتب النائب العام ومحامي الاتهام العام، استطعنا التوصل إلى صفقة لتجنب إجراءات قانونية طويلة تستمر لسنوات في مناخ معاد.
وتم حذف الاتهامات الخطيرة التي تم تقديمها في البداية إلى الكنيست، وهي الاتهامات ذاتها التي كانت ستؤدي إلى سجني مدة 10 سنوات.
وبالتشاور مع فريق المحاماة المتميز، وبالطبع مع عائلتي، قمت بدراسة الخيارات المتاحة كلها، وأخذت بعين الاعتبار الأطراف الأخرى المتهمة معي في الوقت ذاته، وقررت قبول الصفقة، وتحمل النتائج بما في ذلك الاستقالة من الكنيست، وقبول سجني لمدة عامين.
ورغم الثمن الباهظ الذي سأدفعه، فإن هناك فرصة للفت انتباه الرأي العام المحلي والدولي لقضية السجناء السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والظروف اللاإنسانية التي يواجهونها، بما في ذلك السجن الإداري، ولو قاد هذا كله إلى نتيجة سأكون سعيدا بأن التضحية التي قدمتها أدت إلى ثمار.