نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها أليسون سميل، تقول فيه إن المسؤولين الألمان أكدوا يوم الثلاثاء أنهم رفضوا طلبا من الحكومة التركية للتجسس على معارضيها في ألمانيا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذا التوتر يعد الأخير في العلاقات بين الطرفين، في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، لتوسيع سلطاته من خلال استفتاء عام، لافتا إلى أن التوتر بين
تركيا وعدد من الدول الأوروبية زاد في الأسابيع الأخيرة، في وقت حاولت فيه تركيا توسيع نطاق عملها بين الأتراك الذين يعيشون في
أوروبا والذين يستطيعون التصويت في الاستفتاء، الذي لا يضمن أردوغان الفوز فيه.
وتكشف الكاتبة عن أن التوتر الأخير يركز على مؤيدي رجل الدين فتح الله
غولن، الذي يعيش في بنسلفانيا، ويتهمه أردوغان بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة في شهر تموز/ يوليو الماضي في تركيا، مشيرة إلى أنه منذ ذلك الحين قامت حكومة أردوغان بفصل عشرات آلاف الأشخاص المشكوك بدعمهم لغولن من وظائفهم في الجامعات والمدارس والإعلام والمؤسسات الحكومية.
وتذكر الصحيفة أن الصحيفة الرائدة في ألمانيا "زيدواتشة زايتونغ" ومؤسستي بث عامتين، قالت إن تركيا قدمت قائمة من 300 اسم وحوالي 200 صديق لهم ومدارس ومجموعات أخرى، يعيشون بين الثلاثة ملايين تركي الموجودين في ألمانيا، تفترض أنهم يدعمون رجل الدين المنفي غولن.
ويورد التقرير نقلا عن صحيفة "زيدواتشة زايتونغ"، قولها إن القائمة أعطيت لرئيس المخابرات الخارجية برونو كاهل من نظيره التركي في مؤتمر الأمن السنوي المنعقد في ميونخ.
وتلفت سميل إلى أن وزير الداخلية الألماني ثوما دي ميزييري لم يبد تعجبه يوم الثلاثاء من التقارير، ولم يؤكدها صراحة، لكنه كان واضحا في أن حكومته رفضت الطلب التركي، وستستمر في رفضه، وقال للصحافيين خلال زيارة إلى مدينة باسوفي جنوب ألمانيا: "أنشطة التجسس جرائم يعاقب عليها القانون الألماني ولن يُسمح بها.. وهذا ينطبق على الدول الأجنبية كلها والوكالات الاستخباراتية كلها"، وأضاف دي ميزييري: "قلنا لتركيا أكثر من مرة بأن هذه الأمور لا تنجح، وبغض النظر عن موقف الشخص من حركة غولن، فإن القانون الألماني هو الذي يسري هنا، ولا يتم التجسس على المواطنين الذين يعيشون هنا من وكالات أجنبية".
وتنقل الصحيفة عن كاهل، قوله للمجلة الإخبارية "دير شبيغل"، إن "تركيا حاولت إقناعنا على مستويات مختلفة بأن (مؤيدي غولن يعملون في ألمانيا).. لكنها لم تنجح إلى الآن".
ويفيد التقرير بأن السلطات الألمانية قامت بدلا من تنفيذ طلب الحكومة التركية، بتحذير بعض الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا بأنهم قد يواجهون صعوبات إذا ذهبوا إلى تركيا، بعد تصنيف الحكومة التركية لهم بأنهم مؤيدون لغولن.
وتذهب الكاتبة إلى أن "تلك التقارير هي آخر مثال للتدخلات التركية في أوروبا، حيث انتقد أردوغان لاستغلاله انفتاح الديمقراطيات الغربية للسعي وراء سلطات استبدادية إضافية لنفسه، وعارضت كل من ألمانيا وهولندا وغيرها أن يرسل أردوغان وزراء بارزين في زيارات لأوروبا الغربية؛ لعقد لقاءات جماهيرية لدعم الاستفتاء الذي قد يحد من الحريات المدنية في تركيا إن نجح".
وتقول الصحيفة إن "أردوغان أصبح أكثر حدة في مهاجمته لحلفاء تركيا في أوروبا كلما اقترب التصويت على الاستفتاء، فعندما مٌنع بعض الوزراء الأتراك من الظهور، اتهم أردوغان الهولنديين، الذي احتلهم النازيون في الحرب العالمية الثانية، بأنهم يتبنون أساليب نازية".
وينوه التقرير إلى أن السلطات التركية لم تعلق على هذا الخلاف الأخير، لكن الصحيفة التركية اليومية "حرية" قالت إن وزير العدل التركي بكير بوزداغ قال قبل أسبوع إن مسؤول الاستخبارات الخارجية الألماني كاهل سخر من المخابرات التركية برفضه الأدلة بشأن مؤيدي غولن.
وتورد سميل نقلا عن وزير الدفاع التركي فكري إسيك، قوله إن كاهل "إما أن يكون أعمى أو أطرش، أو أنه يشعر بالحاجة لإخفاء المشتبه بهم في محاولة الانقلاب"، في الوقت الذي ذكرت فيه وكالة الأنباء الألمانية بأن القائمة وزعت على نطاق واسع على السلطات الأمنية الفيدرالية وعلى مستوى الولايات.
وتبين الصحيفة أن وزير داخلية "لوور ساكسوني"، وهي إحدى الولايات الست عشرة في ألمانيا، بوريس بستوريوس، غرد على "تويتر" قائلا إن المسؤولين حذروا عددا من الأتراك بأنهم قد يواجهون مشكلات إن ذهبوا إلى تركيا بعد أن ظهرت أسماؤهم على القائمة، وكتب على "تويتر": "لوور ساكسوني تخبر أولئك المتأثرين لتحذرهم عندما يسافرون إلى تركيا"، وقال للمراسلين بأن هناك 10 إلى 15 شخصا معنيا بهذا التحذير.
وبحسب التقرير، فإن دي ميزييري سارع إلى إحباط أي جهود تركية لمنع الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا من زيارة تركيا، قائلا بأنه من مصلحة تركيا، التي تعاني من ركود في الحركة السياحية "أن ترى حركة سياحية منتظمة من ألمانيا"، منوها إلى قول السلطات الألمانية مؤخرا بأنها تحقق في احتمال تجسس الأئمة الذين تعينهم تركيا في ألمانيا، حيث لا تزال تلك التحقيقات مستمرة.
وتنوه الكاتبة إلى أن السياسيين الألمان، ابتداء من المستشارة أنجيلا ميركل، أوضحوا أنهم يرفضون المقارنة مع النازية، وبرروا منع ظهور بعض السياسيين الأتراك بسبب مخاوف أمنية.
وتنقل الصحيفة عن رئيس البندستاغ نوربيرت لاميرت، قوله في خطاب له يوم الاثنين، بأن الاستفتاء التركي المزمع إجراؤه في 16 نيسان/ أبريل يهدف إلى "تحويل نظام هش لكنه ديمقراطي إلى نظام استبدادي، ومحاولة الانقلاب الثانية هذه قد تكون ناجحة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله تقرير على الراديو السويدي، بأن الجهود التركية للضغط على حلفائها الأوروبيين بشأن مؤيدي غولن وصلت إلى أبعد من ألمانيا، حيث ذكرت وكالة "رويترز" من ستوكهولم، أن إذاعة "أس آر" أن حكومة أردوغان تضغط على مؤيدي غولن في السويد -من خلال اتحاد الديمقراطيين الأوروبيين الآتراك، وهو مجموعة ضغط تعتقد المخابرات الألمانية بأنه على علاقة بحزب أردوغان- للإخبار عن زملائهم.