نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا أعده سكوت بيترسون، عن المستقبل ما بعد
تنظيم الدولة وخروج مقاتليه من
الموصل، أشار فيه إلى التحديات الكبيرة، خاصة في مجال المصالحة الوطنية.
وتحدث الكاتب مع عقيد في الجيش
العراقي عن مهنية الجيش، والتغير الذي حصل عليه، بحيث أصبح قادرا على مواجهة تنظيم الدولة وهزيمته في آخر معاقله المدنية في العراق، وعندما سئل عن رأيه في المستقبل قال إنه ليس متفائلا.
ويعلق التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا إن "العقيد، مثل العراقيين كلهم، يخشى من تحديات المصالحة الوطنية في الموصل ومحافظة نينوى، بل في العراق كله، التي ستكون أصعب من الانتصار في الحرب، وهذا أمر مهم؛ لأن الموصل كانت رمزا لحكم التنظيم في العراق، ومدينة متعددة الهويات وبمؤسسات ضعيفة، وهي امتحان لمرحلة ما بعد الجهاديين".
وتقول الصحيفة إن "التحديات كبيرة، ويجب تجنب اندلاع الاقتتال الطائفي والاثني، الذي منح تنظيم الدولة استغلال الحرمان الذي عانى منه السنة في عراق ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003".
وينقل بيترسون عن العقيد، قوله: "لا أستطيع التكهن أو التخيل؛ لأن كل شخص يتبع قراره، وقرار طائفته ومصالحه الخاصة"، حيث يرى العقيد أن الانتصار العسكري في الموصل هو "بمثابة التقدم للجيش العراقي وليس السياسيين"، الذين يضعون عقبات أمام المصالحة.
ويشير التقرير إلى القمة التي انعقدت في واشنطن، برعاية وزارة الخارجية الأمريكية، وشاركت فيها الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، واستمع الحاضرون لخطط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهزيمة تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة أن المحللين يرون أن هزيمة الجهاديين في العراق وسوريا باتت محتومة، ويحذرون في الوقت ذاته من أن الانقسامات المتعددة التي سبقت ظهور تنظيم الدولة ستبقى، بل إنها تفاقمت نتيجة حكم الجهاديين، الذين استهدفوا
الشيعة والأكراد والمسيحيين وأبناء السنة، بالإضافة إلى عدد آخر من الأقليات في شمال العراق، ما يعني أن عملية المصالحة الوطنية وعلى المستوى المحلي ستكون صعبة في الموصل وما حولها.
وينقل الكاتب عن الزميل في مؤسسة "تشاتام هاوس" ريناد منصور، قوله: "هناك الكثير من المشكلات في الموصل وفي محافظة نينوى، التي طغى عليها ظهور تنظيم الدولة، ولا تزال قائمة"، ويضيف منصور: "استخدم السياسيون (تنظيم الدولة) لتبرير المشكلات كلها والوضع الاقتصادي ومصادرة الأراضي والمناطق المتنازع عليها"، ويتابع قائلا: "لديك المشكلات التقليدية التي تتقاطع مع بعضها -مشكلات السنة والشيعة والأكراد والشيعة- لكن هناك مشكلات أخرى طائفية الطابع، التي أصبحت الآن أكبر أكثر من أي وقت مضى منذ 2003".
ويلفت التقرير إلى أن إحدى هذه المشكلات هي الاقتتال الشيعي في بغداد على التأثير، حيث يدعو البعض إلى المصالحة مع السنة والأكراد، فيما لا يريد الآخرون المصالحة، مشيرا إلى أن المشكلة ذاتها حاضرة لدى حكومة إقليم كردستان.
وتنوه الصحيفة إلى أن سكان الموصل لا يزالون يعانون من صدمة أكثر من ثلاث سنوات من الحكم الوحشي للتنظيم، لافتة إلى أن الترحيب الأولي به عام 2014 كان رد فعل على الإجراءات القاسية التي مارستها حكومة نوري المالكي.
ويستدرك بيترسون بأنه "رغم العبارات التصالحية لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، فإنه لا توجد خطط لدى حكومة بغداد لزيادة التمثيل السني في الحكومة، ولا رغبة لديها لحل الخلافات مع
الأكراد، وفي الموصل وأبعد منها، لا يوجد قادة سنة يتحدثون باسم السنة، ويقول منصور: (لدينا خطة عسكرية واضحة وانتصار عسكري في الأمام، لكن لا توجد خطة حقيقية (سياسية) توافق عليها الأطراف)، ما يعني أن مرحلة ما بعد تنظيم الدولة في الموصل والمنطقة حافلة بالنقاط الساخنة، وتمثل تحديا لصناع السلام وحل الخلافات، فعلى سبيل المثال واجهت البيشمركة مليشيات أزيدية في سنجار قرب الحدود السورية، ما أدى إلى سقوط ضحايا بين الطرفين، بالإضافة إلى أن التمييز بين المتعاونين مع تنظيم الدولة والتفريق بين الحقيقة والواقع هو تحد آخر".
ويورد التقرير نقلا عن مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد السلام الأمريكي أسامة الغريزي، قوله: "أهدافنا الرئيسية في الوقت الحالي من التحرير هي منع أعمال عنف انتقامية"، وأضاف: "نتعامل مع المصالحة كونها عملية وليست نتيجة وهي طويلة وتمر بمراحل".
وتفيد الصحيفة بأن الوسطاء العاملين مع معهد السلام والأمم المتحدة يقومون بالتعاون في حل الخلافات المحلية، ومحاولة إحباطها قبل وقوعها وخروجها عن السيطرة، مستدركة بأن "عملية المصالحة، التي تتعلق بالأقليات المظلومة، مثل الأزيديين والصابئة والمسيحيين والتركمان، يجب أن تكون جزءا من مصالحة أوسع وهي غير موجودة، وهنا يجب أن تتقدم المصالحة ضمن مصالحة وطنية أوسع".
ويذهب الكاتب إلى أن "الانتصار في الموصل يظل رمزيا رغم أن بعض ملامح المعركة تميزت بنبرة طائفية، والاستثناء كان تصريح العبادي مع بداية الحملة في تشرين الأول/ أكتوبر، بأن العراقيين بطوائفهم كلها سيتحدون بعد المعركة تحت ظل العلم العراقي".
وينقل التقرير عن مسؤول في الأمم المتحدة، قوله: "ما بدأ في الموصل يجب أن ينتهي في الموصل"، وأضاف المسؤول أن "الموصل إما أن تقع تحت سيطرة نخبة صديقة لبغداد، أو يمكن أن تدمر وتترك تعاني من نزاعات صغيرة، وهذه مدينة لن تزدهر مرة أخرى"، مشيرا إلى أنه "لا توجد عملية متفق عليها حول ما تقتضيه المصالحة".
وتؤكد الصحيفة أن التحديات ستظل قائمة في الموصل من الشكاوى السنية من حكم الشيعة في بغداد، وسيطرة الأكراد على مناطقهم، بما في ذلك مدينة كركوك.
ويقول الغريزي للصحيفة إنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاقيات مصالحة، فإنه يجب على الوسطاء ملاحقتها ومراقبتها، والتأكد من التزام الاطراف بها، وإلا "فإنه سيلقى بالثقة من النافذة".
ويكشف بيترسون عن أن الأمم المتحدة ومعهد السلام العالمي يقومان الآن بالتوسط في نزاعات بين الأزيديين والصابئة، بالإضافة إلى العمل على تشجيع الحوار بين الأزيديين والسنة.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن الأزيديين يرون أن السنة ساعدوا تنظيم الدولة، لكنهم يعترفون بوجود بعض السنة الذين ساعدوهم، ويقول الغريزي إنه "لا يزال لديهم موقف يتهم السنة كلهم، ونريد مساعدتهم للتفريق والتخلص من النظرة التي تقول إن كل سني هو من تنظيم الدولة".