يلقي التوتر الحاصل بين
تركيا وعدد من الدول الأوروبية بظلاله القاتمة على مستقبل وفرص انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، وفيما إذا كانت
الأزمة الحالية ستقطع ما تبقى من آمال بالقبول المستقبلي .
ويثير رفض دول أوروبية لفكرة انضمام تركيا تساؤلات حول كون الرفض مجرد موقف للأحزاب اليمينة والقومية المتطرفة أم أنه جزء من رأي عام في أوروبا لا يقبل وجود دولة مسلمة بحجم وحضور وتاريخ تركيا في النادي المسيحي كما يسميه أردوغان.
وعلى وقع الأزمة المتصاعدة بين تركيا وهولندا والنمسا وسويسرا وقبلها ألمانيا أعلن
الاتحاد الأوروبي خفض الدعم المالي المقدم لغايات مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد.
وقال المفوض الأوروبي المختص بشؤون الجوار يوهانس هان إن الاتحاد "أوقف برامج دعم عدد من البرامج التي لم تحقق تقدما في خطوات مرجوة بتركيا".
وقال هان لوسائل إعلام إن "البرامج التي أوقفت لم يحدث فيها تقدم منشود من البرامج المتعلقة بسيادة القانون".
وأشار إلى أن المفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها للاتحاد الأوروبي "متجمد فعليا" وذلك لعدم فتح فصول جديدة من المفاوضات معها وتوقف المفاوضات عند نقاط معينة دون تقدم.
ومنذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا العام الماضي أطلق الاتحاد الأوروبي سلسلة من التصريحات التي انتقدت تركيا في إطار ملاحقة العناصر المتورطة بالانقلاب بدعوى الحريات.
وقال هان وهو دبلوماسي نمساوي إن "تركيا لا تتحرك حاليا للأسف في اتجاه أوروبا بل بعيدا عنها".
لكن الاتحاد الأوروبي دعا تركيا في بيان رسمي صدر عنه إلى "تجنب التصريحات المبالغ بها" في ظل الأزمة التي نشبت على خلفية منع وزراء ومسوؤلين أتراك من لقاء الجاليات التركية المؤيدة لتعديل النظام في تركيا ليصبح رئاسيا.
وشددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني في بيان الاتحاد على أن "المسائل المثيرة للقلق لا يمكن حلها إلا عبر قنوات التواصل المفتوحة والمباشرة" مشيرة إلى أن الاتحاد سيواصل "تقديم المساعدة لما فيه مصلحة العلاقات بين الاتحاد الاوروبي وتركيا".
من جانبه دعا وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا عمر تشيليك الاثنين إلى "إعادة النظر" في الاتفاق التاريخي الموقع مع الاتحاد الاوروبي لوقف تدفق المهاجرين إلى أراضيه والموقع في 18 اذار/مارس 2016.
وبدوره وصف نائب رئيس الوزراء التركي نور الدين جانيكلي أوروبا بـ"الرجل المريض بشدة" في إشارة إلى اللقب الذي استخدم في منتصف القرن الـ19 لوصف الامبراطورية العثمانية المتهاوية بـ"الرجل المريض."، وأضاف "من الآن فصاعدا سنشهد انهيار أوروبا.
المحلل السياسي والكاتب التركي محمد زاهد غول قال إن هناك نفسا أوروبيا عاما ظهر في استطلاعات الرأي العام في العديد من دول أوروبية يشير إلى عدم رغبة في وجود تركيا ضمن هذا النادي.
وقال غول: لـ"
عربي21" إن هذه التوجهات الأوروبية الجديدة بدأت تتعالى نبرتها بعد تزايد حظوظ الأحزاب اليمينية المتطرفة وهو الأمر يحمل تأثيرات سلبية على العلاقات التركية الأوروبية بشكل عام.
وبشأن الرغبة التركية بالانضمام للاتحاد الأوروبي قال غول إن صعود الأحزاب المتطرفة بات مهددا للاتحاد الأوروبي ذاته في الوقت الذي فقد فيه بريقه منذ مدة ولم يعد كالسابق.
وأضاف: "صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة أذكى الخلافات الأوروبية والهويات القديمة وبات العداء اليوم أوروبيا أوروبيا وربما دخلنا بمرحلة تفكك الاتحاد برمته والحماس التركي للانضمام للاتحاد لم يعد كالسابق".
ولفت إلى أن قناعة السياسيين الأتراك تقول أن فكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي أصبحت من الماضي لكن في الوقت ذاته لن تتخلى تركيا عن الملف بسهولة كدولة مرشحة للعضوية خاصة أنه يعطيها مكانة دولية.
وأشار إلى أن الحكومة في تركيا والأحزاب السياسية وحتى الشعب "يدركون أنهم لن يكونوا في يوم من الأيام جزءا من هذا الاتحاد وهذه القناعة تولدت في الماضي فما بالك بعد صعود الأحزب المتطرفة هذه الأيام".
وشدد على أن تركيا ستبقى حريصة على المشاركة في أي لقاءات أو مفاوضات بغض النظر عن النتائج في ظل الشراكات الكبيرة الجيدة مع دول أوروبا خاصة في القطاع الاقتصادي.
وقال غول إن تركيا حصلت على العديد من الميزات خلال الأعوام الماضية "لكن الأوروبيين إجمالا لم يعد لديهم الكثير ليقدموه لتركيا".
وعلى صعيد بدائل الاتحاد الأوروبي لتركيا قال غول: "إن من الصعب إيجاد البديل لعلاقات وشراكات تجارية واقتصادية بينت على مدار أكثر من خمسة إلى ستة عقود من الزمن ووجود جالية ضخمة من الأتراك في أوروبا تقدر بربع المسلمين هناك".
وأوضح أن حديث الرئيس أردوغان سابقا عن مجموعة شنغهاي كبديل "لا يمكن مقارنته بالاتحاد الأوروبي" موضحا أن مجموعة شنغهاي أمنية عسكرية ولا تقارن بنوعية العلاقة الاقتصادية بين تركيا وأوروبا.
ودلل غول بمثال على حجم العلاقة بين تركيا وألمانيا بالقول إن "العلاقة الاستراتيجية وعمليات التبادل بين البلدين تبلغ نحو 40 مليار دولار وهذا الأمر يمكن لأي بديل أن يعوضه وإذا أرادت تركيا البحث عن بدائل فإنها بحاجة إلى سنوات للحصول على هذا الأمر".