بين الكتائب والعصائب والأحزاب والجبهات والهيئات والألوية المشاركة في
الثورة السورية؛ تتعدد الرايات المقاتلة القادمة من جهات وخلفيات أيديولوجية مختلفة، ما يجعلها قلقة من المستقبل الذي ينتظرها فيما لو انتصرت العمليات العسكرية ضدها، أو حققت مباحثات التسوية نجاحات في جنيف وغيرها.
ويرى الكاتب والباحث السوري منار الرشواني، أن ثمة أزمة حقيقية تنتظر بعض دول الإقليم والدول الأخرى؛ شبيهة بأزمة المجاهدين العائدين من أفغانستان.
وقال إن "بعض القوى الموجودة على الأرض السورية أو العراقية؛ قد تحاول العودة إلى دولها، في حال انسداد الأفق القتالي أمامهم، فيما لن يكون هنالك خيار لإدماجهم في المجتمعين السوري والعراقي".
وأشار إلى أن "هذا الأمر سيلقي بسؤال كبير وقلق حول الكيفية التي ستتعامل بها دولهم مع أزمتهم"، لافتا إلى "ضرورة بناء تصور إقليمي حول هؤلاء العائدين من القتال".
مستقبل "الرايات"
وأضاف الرشواني لـ"
عربي21" إن "التصورات حول مستقبل هذه الرايات ينظر إليه من زاويتين، الأولى متعلقة بالرايات التي تقاتل تحت لافتة رفع الظلم، وهي التي ستلقي السلاح حتما، وتذوب في المجتمع، أو تنخرط في العمل السياسي، في حال تم التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية ومقنعة"، مرجحا أن "يلقي المقاتلون السوريون أسلحتهم عند انتهاء الثورة؛ لأن الهدف لديهم ليس أن يبقوا
مقاتلين إلى ما لا نهاية".
وأوضح أن "الزاوية الثانية متعلقة بالرايات التي تقاتل لأجندات وأيديولوجيات متعددة ومتضاربة أيضا"، لافتا إلى أن "
جبهة النصرة، التي أصبحت فيما بعد جبهة
فتح الشام؛ ستعقد المشهد، إذ لن تكون مسألة وضع السلاح خيارا وحيدا لها، حتى في حال التسوية الحقيقية".
وتابع: "ربما ستشهد الجبهة انشقاقات فردية، ولكنها ستبقى تعمل على تعطيل أية فرصة لأية تسوية، مع تعرضها لبعض الضغوطات، بدليل هجومها المكثف على فصائل مقاتلة في إدلب".
ورأى الرشواني أنه "ليس ثمة خلاف بين الجبهة والقاعدة، وإنما هو فك ارتباط بالتراضي، جاء من باب سد الذرائع أمام الذين يتخذون علاقة الجبهة بالقاعدة مبررا لقصف المدنيين".
وحول تعدد الرايات المقاتلة في
سوريا؛ قال الرشواني إن "تعددها مرتبط بتعدد الأجندات الإقليمية المتضاربة، المتمثلة بمحور إيران والنظام وروسيا من جهة، ومحور تركيا وقطر والسعودية وغيرها من جهة أخرى".
ولفت إلى أن هنالك أمراء حرب لديهم مصلحة في الاستمرار بالقتال، "فالمشهد معقد، وكل ذلك يدفع إلى تجذير الظاهرة".
واستدرك الرشواني بالقول إن "المراهنة على المقاتلين السوريين ستكون مجدية، فيما ستبقى الرايات الأجنبية مصدر قلق أمام أي حل"، مؤكدا أن "مصير الرايات سيبقى غير واضح لوقت طويل، وذلك بالنظر إلى أن مستقبل الأزمة برمتها غير واضح أصلا".
التفكيك والتشتت
من جانب آخر؛ رهن الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، مصير الرايات المقاتلة في سوريا بالداعمين، مصنفا إياها إلى ثلاثة مستويات؛ هي "راية الجيش الحر" و"راية الحركات الإسلامية" و"راية الحركات السلفية".
وقال أبو هنية لـ"
عربي21" إن الأخطر في سياق الحديث عن هذه الرايات المقاتلة؛ هو "سياسات ترامب" الذي أعلن أنه سيتوقف عن دعم الحركات المقاتلة المعتدلة، موضحا أن "هذا القرار دخل فعلا حيز التنفيذ قبل أسبوعين، وخاصة في الجبهة الشمالية بسوريا".
وأضاف أن المصير الطبيعي المُفكر فيه؛ هو التشتت والتفكيك، وخاصة الحركات الإسلامية، ومنها
أحرار الشام، والسلفية الجهادية المعولمة، بالإضافة إلى خمس جبهات تقاتل تحت راية الجيش الحر.
واعتبر أن "الديناميكية السياسية تعمل على أرض الواقع؛ على تفكيك الحركات المعتدلة، وإخراجها من إطار العمل العسكري، بحكم وقف الدعم لها من جهة، أو رغبتها بالدخول في معترك النهج السياسي".
وأشار إلى أن اعتماد أمريكا على قوات محلية مثل "سوريا الديمقراطية" لن ينجز لها استراتيجيتها "لأن هذه القوات لم تستطع أن تثبت الفعالية أو الكفاءة المتوقعة".
وقال أبو هنية إن "نفوذ وسيطرة كل هذه الجماعات لن يحدث لها تحولا أو تغيرا ما"، موضحا أن "مستقبلها خاضع حاليا لمستوى التوافقات الدولية".