قال محللون سياسيون إن
تركيا تجاوزت مسألة الشكليات والبرتوكولات الدبلوماسية مع
إيران، وحساسيات العلاقة التي كانت تغلف الخطابات المعلنة والمضمرة، لتذهب إلى مستويات متقدمة من التشاركية في أكثر ملفات المنطقة حساسية واشتعالا.
وعلى إثر ذلك؛ أثيرت تساؤلات حول موقع
السعودية من العلاقة بين تركيا وإيران، وحول المدى الذي وصلت إليه التنافسية السياسية بين الأطراف الثلاثة.
تصعيد غير حقيقي
ورأى المحلل السياسي الأردني، عامر السبايلة، أن المنطقة تمر في مرحلة تعيد فيها تشكيل نفسها وفقا لقواعد المصالح والمعطيات على أرض الواقع، موضحا أنه "من الطبيعي والحالة هذه؛ أن تكون التحالفات لحظية أو آنية، قد تدوم لشهور أو سنين قليلة، ثم تتغير".
وقال لـ"
عربي21" إن "تركيا وإيران تربطهما مصالح مشتركة وعلاقات استراتيجية تحكمها الجغرافيا"، ذاهبا إلى أن "التصعيد التركي تجاه إيران غير حقيقي".
وأضاف أن "الأتراك يسعون إلى تحقيق تماهٍ مع المنطقة، من خلال إحداث توازن مع ممثل الشيعة (إيران)، في حين أنهم يعدّون أنفسهم -ربما بمعزل عن السعودية- ممثلين للسنة".
ورأى السبايلة أنه "لا توجد مسافة صفر بين أضلاع هذا المثلث القلق، وحتى إن السعوديين يمدون قنوات اتصال مع الإيرانيين بحيث تبقى فكرة الصدام بين الطرفين بعيدة".
العداوة والصداقة معا
من جهتها؛ قالت الكاتبة اللبنانية، موناليزا فريحة، إن العلاقات التركية-الإيرانية "قامت دائما على العداوة والصداقة في آن"، موضحة أن "هذا يعني أن المصالح الاقتصادية كانت دائما تفرض على الجانبين تطبيعا رغم كل الخلافات".
وأضافت لـ"
عربي21" أن "المرحلة المقبلة ستشهد تصاعدا في مستويات التوتر بين الجانبين، وخاصة في محاولة تركيا استثمار تصاعد النبرة الأمريكية تجاه إيران مع تسلم الإدارة الأمريكية الجديدة للسلطة، وسيظهر هذا التوتر للواجهة من جديد".
ولفتت إلى أن التوتر بين تركيا وإيران، والصراع على النفوذ في المنطقة؛ ليس جديدا، في حين أن الهدوء الذي ساد عقب التسوية الروسية-التركية كان مؤقتا.
وبينت فريحة أن "تصاعد الضغط الأمريكي على إيران؛ ساهم بشكل موازٍ في تصاعد المواقف الخليجية-الإيرانية، الأمر الذي يرشح العلاقات السعودية-التركية إلى تحقيق مستوى جديد من التعاون، في ظل الزخم السياسي، والتوتر الجديد في المنطقة".
تصفير المشاكل
أما المحلل السياسي السعودي خالد الزعتر؛ فرأى أن تركيا ذهبت إلى أبعد نقطة ممكنة في علاقاتها مع إيران، متكئة على سياسة سعت تركيا إلى انتهاجها في بداية الألفية؛ تتمحور حول تصفير المشاكل مع دول الإقليم.
وأضاف أن هذه السياسة التركية "ظهرت بوادرها بتكثيف التعاون والتنسيق مع إيران وروسيا، حتى وصلت هذه العلاقة إلى حد ربط أمن تركيا واستقرارها بأمن واستقرار إيران".
وأوضح الزعتر لـ"
عربي21" أن سياسة تصفير المشاكل "وضعت تركيا أمام الكثير من التحديات، من حيث إحداث توازن في علاقتها مع دول الإقليم، من خلال الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وهذا أمر في غاية الصعوبة، في ظل ما تشهده المنطقة من توترات، وبخاصة بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران".
ولفت إلى أن تركيا "عجزت عمليا عن تقديم استجابة ناجحة لهذا التحدي، مستشهدا بـ"التغير الذي حصل في اللهجة التركية تجاه إيران بعد زيارة
أردوغان الأخيرة للرياض، وخصوصا مع تصاعد التوتر بين السعودية وإيران".
وقال الزعتر إن موقف تركيا الأخير "لا يعني أن أنقره اليوم هي أقرب للرياض، أو إنها أقرب لإيران، فهي لا تزال في مرحلة إعادة صياغة سياسة لم تظهر بوادرها بعد، وإن كانت قد تبدو أقرب للموقف السعودي، إلا أن ذلك ليس كفيلا بالحكم عليها".
السلوك الإيراني ومفاتيح الحل
وحول العلاقة بين السعودية وإيران؛ بيّن الزعتر أنه "بالرغم من التوتر المتصاعد بينهما؛ إلا أن باب الحوار ما زال مفتوحا بين البلدين اللذين يبديان نوعا من الاستعداد الخجول للحوار، في سياق جهود خليجية تبذل من الكويت على وجه الخصوص".
واستدرك بالقول إن استمرار الحوار وتحسين العلاقة بين الرياض وطهران "مرتبط بالحلقة المفقودة، وهي تغيير السلوك الإيراني في المنطقة، حيث تنظر إليه الرياض على أنه يهدف لزعزعة استقرار المنطقة" وخصوصا دول الخليج.
ورأى الزعتر أن "من الصعب الحكم على أن أحد أركان هذا المثلث يمتلك مفاتيح الحل جميعها، فهناك شبكة معقدة من التحالفات الدولية والإقليمية، وأطراف صراع متعددة؛ كل منها في جعبته مفتاح للحل مختلف عن الآخر".