جاء تلويح الرئيس
الفلسطيني محمود عباس، بإمكانية وقف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الجانب
الإسرائيلي، في حال استمرت "إسرائيل" في سياساتها الاستيطانية، ليطرح تساؤلات عن مدى جدية هذا الطرح، وما إذا كان باستطاعة عباس الإقدام على هذا الأمر.
وجاء تحذير عباس على هامش كلمة ألقاها أمام مجلس الشيوخ الفرنسي في العاصمة الفرنسية باريس الأربعاء الماضي، بعد يومين من تصويت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون "التسوية"، أو ما بات يعرف بقانون "تبييض"
المستوطنات التي أقيمت على أراض فلسطينية في
الضفة الغربية، وهو ما يعني مصادرة حق الفلسطينيين في أراضيهم التي تقام عليها المستوطنات.
وسبق أن لوحت السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني، بعد قيام جنود الاحتلال بتصفية عضو المجلس الثوري لحركة فتح، زياد أبو عين، وهو برتبة وزير في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2014، لكن دون أن يتم تطبيق القرار.
يذكر أن رئيس السلطة الفلسطينية أكد في أكثر من مناسبة، تمسكه بالتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، معتبرا هذه القضية "مقدسة" وفق قوله.
حماس تشكك
من جانبه، شكك يحيى موسى، نائب رئيس كتلة حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، بنوايا عباس بشأن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، قائلا: "كيف يمكننا تصديقه (محمود عباس) بعد تقديسه للتنسيق الأمني وتفاخره باعتقال المجاهدين في الضفة الغربية، وتسليمهم لدولة الاحتلال بغرض اعتقالهم والتخلص منهم؟".
وأضاف موسى لـ"عربي21": "هذا التصريح هو محاولة يائسة من رئيس السلطة محمود عباس المنتهية ولايته لامتصاص غضب الشارع الفلسطيني، بعد أن وجهت له دولة الاحتلال طعنة في الظهر، بمصادقتها على قانون شرعنة البؤر الاستيطانية"، كما قال.
إعادة النظر
وفي المقابل، قال نبيل أبو ردينة، مدير مكتب الرئيس الفلسطيني والمتحدث الرسمي باسم السلطة الفلسطينية، إن "الرئاسة الفلسطينية تتابع بخطورة وقلق بالغ القرارات الإسرائيلية الأخيرة، في ضوء موافقة الكنيست على قانون منح السيادة الإسرائيلية للمستوطنات التي أقيمت بشكل غير قانوني على أراض فلسطينية"، مشيرا إلى أن هذا "مخالف لكل القوانين والمواثيق الدولية".
ونوه أبو ردينة، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن "عودة الرئيس الفلسطيني من جولته الخارجية ستكشف عن رزمة من القرارات ستتخذها مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، ومن بينها إعادة النظر في موضوع التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، إذا كان هنالك ضرورة لذلك"، وفق قوله.
ورفض أبو ردينة إعطاء أي تفاصيل إضافية حول الخطوات المرتقبة التي قد يقدم عليها الرئيس الفلسطيني؛ للرد على قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير.
من جهته، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، أن "إعادة النظر في ملف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، بات مصلحة فلسطينية وضرورة لا بد منها للرد على قرارات حكومة نتنياهو العنصرية".
وأضاف أبو يوسف أن "الاجتماع القادم لأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بعد عودة الرئيس محمود عباس من جولته الخارجية، ستكشف عن مجموعة من القرارات التي سيتم إقراراها ومن ضمنها الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن الدولي؛ لفرض عقوبات على الجانب الإسرائيلي"، وفق قوله.
وألمح أبو يوسف في حديث لـ"عربي21" إلى أن "قطع العلاقات النهائية مع الجانب الإسرائيلي، هو أمر مطروح على طاولة القيادة الفلسطينية"، داعيا "المجتمع الدولي والأطراف المعنية إلى تحمل مسؤولياتهم ،فيما يتعلق بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين".
وقلل وزير الأمن الإسرائيلي، موشي يعالون، من شأن التهديدات التي أطلقها عباس بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، معتبرا أن التنسيق مهم للسلطة الفلسطينية أكثر مما هو مهم لإسرائيل.
أشكال التنسيق الأمني
ويأخذ التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي أشكالا متعددة، منها: الدوريات المشتركة، التي تعني أن تسير دوريتان عسكريتان (فلسطينية وإسرائيلية) معا على بعض الطرق في المدن الرئيسية، إلى جانب ملاحقة سلاح المقاومة، واعتقال من يشتبه بنيتهم تنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
عجز السلطة
من جانبه، رأى إسلام شهوان، أستاذ العلوم الأمنية في جامعة الأمة، والمتحدث السابق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية، أنه من الناحية العملية لا تستطيع السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، الأسباب أهمها: أن "إسرائيل هي التي تتحكم بمفاصل الدولة الفلسطينية، حيث لا تستطيع أي دورية تابعة للأجهزة الأمنية الفلسطينية التحرك مسافة 100 متر، دون أن تعطيها دولة الاحتلال إذنا بذلك".
وأشار إلى ما قال إنه "عجز السلطة الفلسطينية عن تقديم أي خدمات أو تسهيلات أو حتى شهادة ميلاد لطفل فلسطيني، دون الرجوع لهيئة الشؤون المدنية الإسرائيلية بحكم اتفاق أوسلو الذي فرض ذلك".
وتابع شهوان في حديث لـ"عربي21": "ردة فعل الجانب الإسرائيلي ستكون مؤلمة إذا أقدمت السلطة الفلسطينية على وقف التنسيق الأمني من طرف واحد، حيث من المتوقع أن يتم وقف تحول أموال المقاصة والضرائب، ما يعني انهيار السلطة الفلسطينية ماليا لعجزها عن دفع فاتورة الرواتب ونفقاتها التشغيلية؛ الأمر الذي سيؤدي إلى شلل تام في منظومة الدولة الفلسطينية كافة"، وفق تقديره.
واتفق الكاتب والمحلل السياسي، حمزة أبو شنب، بشأن عجز السلطة الفلسطينية عن وقف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي من طرف واحد؛ لأن "الدعم المالي المقدم من الدولة المانحة، وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مشروط بتوفير السلطة الفلسطينية حماية أمنية لدولة الاحتلال، وفق ما نص عليه اتفاق أوسلو قبل نحو ربع قرن من الآن"، كما قال.
وأضاف أبو شنب لـ"عربي21" أن "أقصى ما يمكن أن تقوم به السلطة الفلسطينية على أرض الواقع، هو الذهاب لمجلس الأمن كمحاولة لتبني الموقف الفلسطيني الرافض للاستيطان، دون فرض أي عقوبات ملزمة على دولة الاحتلال الإسرائيلي".