نشرت صحيفة " الغارديان" تقريرا لمراسلها في مدينة
درسدن فيليب أولترمان، يعلق فيه على الانقسام المرير بين سكان المدينة حول الوضع في مدينة
حلب، الذي أدى إلى نصب حافلتين مقلوبتين رأسا على عقب، ما أدى إلى نقاش حاد في المدينة بين اليمين واليسار.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن أهمية هذا النقاش تنبع من أن المدينة دمر معظم بنيانها أثناء الحرب العالمية الثانية، لافتا إلى أنه بالنسبة لبعض سكان درسدن، فإن البرج المكون من حديد صدئ ليس إلا محاولة لحرف الأنظار عن جمالية وسط المدينة، وبالنسبة للآخرين فإنه دعوة جريئة للتذكر بأن المدينة ذاتها كانت أنقاضا وركاما ليس في زمن بعيد.
ويلفت الكاتب إلى النصب الجديد الذي كشف عنه في المدينة الواقعة شرق ألمانيا، وأطلق عليه اسم "نصب"؛ من أجل إعادة خلق الصور الأكثر سريالية من الحرب الأهلية السورية، حيث تم نصب ثلاث حافلات بطريقة عمودية في حلب؛ من أجل وقف رصاص القناصة.
وتذكر الصحيفة أن الفنان السوري الألماني
مناف حلبوني (32 عاما)، قام بتركيب النصب أمام الكنيسة المشهورة "فراون كيرش"، وذلك قبل أسبوع من الذكرى الـ72 على بداية الحرب العالمية الثانية، التي قام من خلالها الحلفاء بالقصف، ودمروا معظم المدينة، وقتل جراء ذلك أكثر من 25 ألفا من السكان معظمهم مدنيون.
ويستدرك التقرير بأن البعض في درسدن اعتبروا أن منظر الحافلات استفزاز، ومحاولة لمنع تظاهرة نظمتها الحركة المعادية للإسلام "
بيغيدا"، التي استخدمت ساحة "نيوماركت" نقطة للاحتشاد والتعبئة.
ويورد أولترمان أن حركة البديل اليمينية المتطرفة شجبت في بيان لها العمل الفني لحلبوني، وقالت إنه عبارة "عن إساءة استخدام حرية الفنان"، مشيرا إلى أنه تم تصميمه خصيصا "لازدراء سكان درسدن، ودفع (بيغيدا) بعيدا عن الحاجز" أي النصب، حيث يغطي علامة إعادة وحدة ألمانيا بقطع من الحديد.
وتنوه الصحيفة إلى أن عملية افتتاح النصب قادت إلى مشاهد مضطربة، حيث تدافع المعارضون للنصب والمؤيدون له وبأعداد كبيرة أمامه، لافتة إلى أن صوت الجماهير غطى على كلمة عمدة المدينة ديرك هيلبرت، حيث سخروا منه وأطلقوا صرخات الاستهجان، قائلين له: "اذهب من هنا".
وبحسب التقرير، فإن حلبوني هاجم بيان حزب البديل، الذي وصفه بأنه "متجول بلا جذور"، وقال ساخرا إن حزب البديل محق في كونه دون جذور؛ "لأن الحرب حرمتني من طفولتي، وقتلت أصدقاء شبابي وشردتهم في أنحاء الأرض كلها"، وأضاف حلبوني: "منذ ذلك الوقت أنا في حالة ترانزيت؛ لأنني أشعر أن الناس يجدون صعوبة في تقبلي بصفتي ألمانيا".
ويبين الكاتب أن والد مناف السوري قابل والدته الألمانية عندما كان طالبا يدرس الهندسة المعمارية، وانتقل الاثنان إلى دمشق عام 1979، حيث ولد مناف، وظل يعود إلى ألمانيا في شبابه، لافتا إلى أنه لا يزال يتذكر كنيسة "فراون كريش" عندما كانت دمارا، ويعمل منذ عام 2009 من مدرسة الفنون الجميلة في المدينة.
وتنقل الصحيفة عن ناشط متطرف على صفحة "فيسبوك"، قوله إن العمل الفني هو محاولة مقصودة لفضح سكان درسدن، والتقليل من معاناتهم، وكتب قائلا: "منذ انهيار الجدار يسمح لنا بأن نكون جناة لا ضحايا".
ويفيد التقرير بأن عمدة المدينة هيلبرت، وهو عضو في الحزب الليبرالي، تلقى هذا الشهر تهديدا بالقتل، بعدما انتقد محاولات خلق "أسطورة الضحية"، قائلا إن درسدن "لم تكن مدينة بريئة"، مشيرا إلى أن داعمي العمدة يقولون إن الحزب الليبرالي حصل على تمويل لبناء
نصب تذكاري داخل كنيسة "بوسمان" الذي ستكتب عليه أسماء 19 ألف ضحية من ضحايا الغارات أثناء الحرب العالمية.
ويقول أولترمان إن متحف الفن المعاصر المشرف على نصب حلبوني يقوم بالتحضير لمعرض يروي معاناة الفارين من بولندا أثناء الحرب، مشيرا إلى أن رافعات قامت يوم الاثنين برفع الحافلات التي جاءت من بيروت، حيث صرخ قال أحد السكان: "هذا أمر تافه وفضيحة كبيرة"، وأضاف: "انتظر وشاهد ماذا سيحدث في الأسابيع المقبلة".
وتختم "الغارديان" بالإشارة إلى قول أحد المشرفين على النصب إن الحافلات تساعد الجيل الجديد على التعامل مع الرعب والدمار اللذين تسببت بهما الحرب.