وقد تأتي تلك اللحظة التي تبحث فيها عن عزيز فلا تجده، تجد في بحثك بين ركام أوله ونهايته سواء. تحاول أن تجد أثراً يبعث فيك الأمل، ولا تمل. وهناك سترى الجثة الهامدة التي كانت أكثرهم إستسلاما للموت، كيف عرفت ذلك؟! عرفته من هدوء الموت الذي عاشه، وهو يتقبله رغما عنه، لأنه في بقعة من الأرض نار، عاث فيها الأشرار، ومضى وحيداً يشكو سره إلى عالم الأسرار.
قصة تكررت خلال 95 يوماً من الحرب عشرات المرات.
لا رعب أقسى من طمأنة أطفاله، وعلى ما يبدو أنه خائف أكثر منهم، يهدئهم ويمسح على رأسهم، ويضمهم حيناً ويستنشقهم أحياناً تحسباً أن يكون نفسه أو نفسهم الأخير.
لا كذبة صغيرة أو كبيرة إلا استخدمتها، بيضاء، سوداء، ملونة، رغم أنهم كانوا يعرفون قي قرارة أنفسهم أني كاذب.. كاذب.. كذاب.
تستعجلني أصوات وأضواء القنابر والقنابل والصواريخ إلى حيث النقطة التي أتصورها أكثر أمانا: (تحت درج الطابق العلوي) أو (تحت درج السطح) لمن منزلهم طابق واحد.
هناك أتمم.. أخفض صوتي أرفعه، أهمس أحياناً وأصيح أخرى بصوت مرتفع هو للصراخ أقرب: يا رب أدركنا..
ما زلت أشعر ببرد جسد أطفالي، وما زلت أرجف لرجفتهم في تلك اللحظة، هل الخوف أم البرد القارص بل الخوف.
أصبح (الدار) سجنا صغيراً داخل سجن كبير، يرفض جميع قاطنيه مغادرته لأن نسبة الموت المئوية عالية جدا.
رائحة الدم، كم أكرهها، وهي السائد في عالم عطور العنف والقتل، أغمض عيني، وأنفي يستنشق الظلم الذي عاشه المقتول الذي لا يعرف لم قتل.
قوانين خاصة لا أدركها لجهلي أولا في شريعة الغاب، وأدهى وأمر من ذلك يقين باطل القاتل.
هنا بقعة لم يمسها دم، لأن صاحبها مات كمدا، هاله ما رأى فقرر هو الموت بهدوء دون ضجة.
وآخر أدرك أجله فعجل به، بترك جرعة دواء لمرض مزمن فجاء حتفه حسب ما يشتهي أن يموت صمتا.
لا حياة هنا.. موت في موت في موت.. أعتذر للإنسانية.. فهنا توقفت لغة الكلام.