لاقت خطبة الجمعة الماضية التي عممتها وزارة الأوقاف في شرق
ليبيا، عن
العلمانية؛ ردود فعل غاضبة، بعدما طالبت الخطبة بضرورة "التصدي لأصحاب هذا التيار، ومصادرة كتبهم، ومراقبة صفحاتهم الشخصية"، بحسب بيان للوزارة على صفحتها الرسمية.
وجاءت الخطبة تحت عنوان: "دور العلمانيين في إفساد المجتمع بنشر كتب الضلالة والرذيلة".
وعلى الأثر، أطلقت مجموعة من الناشطين والكتاب الليبيين، حملة توقيعات موسعة ضد تيار "الوهابية" المنتشر في الشرق الليبي، مطالبين بضرورة إرسال "دعاة" ليبيين وتونسيين إلى السعودية من أجل "إنقاذ" المملكة من خطر الإلحاد والشعوذة، في إشارة تهكمية لدعاة "المداخلة" الذي يتلقون من السلطة الموالية للواء خليفة
حفتر.
وكانت مديرية أمن المرج، بشرق ليبيا، قد أعلنت في 20 كانون الثاني/ يناير الجاري، عن مصادرة شاحنة كُتب قادمة للبلاد، قائلة إنها تدعو "إلى الشيعة واليهودية والنصرانية والصوفية والإخوان المسلمين والعلمانية والإباحية والإلحاد"، بحسب بيان للمديرية.
وأثارت هذه الهجمة المفاجئة، ومصادرة مئات الكتب لمفكرين عرب وأجانب، عدة تساؤلات حول أسباب اتخاذ هذه الإجراءات، ولماذا الصدام الآن بين تيار "
السلفية" الداعم لحفتر، وبين التيار المدني في الشرق الليبي.
تصعيد خطير
وأدانت اللجنة الوطنية لحقوق الانسان بليبيا (مستقلة)؛ هذه الممارسات، واعتبرتها "تصعيدا خطيرا ضد شريحة المثقفين والكتاب"، مطالبة منظمة "اليونسكو" ومفوضية الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان، بضرورة "التحرك العاجل لوقف هذه الممارسات والافعال المشينة والخطيرة"، بحسب بيان للمنظمة.
من جانبه، أكد وزير الأوقاف الليبي السابق، سالم الشيخي، أن "وزارة الأوقاف في الشرق الليبي مكّنت تيار الفكر المدخلي والمتشددين منهم من المساجد؛ لأنها تيارات داعمة للمشروع الانقلابي الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر".
وأوضح لـ"عربي21": "في حين جهات الأمن تصادر الكتب للمثقفين والمفكرين، تسمح وتدعم إنشاء المعاهد والمدارس، ونشر الكتب والأشرطة التي تدعو إلى أفكار هذه التيارات"، كما قال.
وقال المدون الليبي، فرج كريكش، لـ"عربي21": "ما حدث؛ ليست معركة سياسية، ولا تدافعا بين تيارات أيدولوجية، لكنها معركة عتيدة مع الجهل وعدم الاطلاع فقط"، وفق تقديره.
بيان للمثقفين
من جانبها، رأت الباحثة الليبية فى التاريخ، خيرية حفالش، أن "المواجهة لم تكن مع التيار السلفى أصلا، لكنها كانت مع إدارة البحث الجنائي فى وزارة الداخلية، بعد مصادرتها لشحنة كتب في مدينة المرج، لكن السلفيين اعتبروها حربا معهم وهاجمونا".
وأكدت خفالش، وهي إحدى الموقعات على البيان الرافض للمصادرة، لـ"عربي21"، أن "عددا من المثقفين وقعوا بيان إدانة واستنكار لما حدث في الشرق الليبي"، مشيرة إلى ان "هناك تصعيدا؛ لأن الموضوع مفتوح على كل الاحتمالات، كون ما حدث ليست هزلا"، لكنها "استبعدت حدوث صدام مسلح".
وقال عضو المؤتمر الوطني الليبي السابق عن مناطق الشرق الليبي، فوزي العقاب، أن "ما حدث من وزارة الأوقاف وقبلها مديرية الأمن؛ تطور خطير ضد أي توجه داعم للمدنية والديمقراطية"، موضحا أن ما جرى "شكّل خيبة أمل لكثير من الليبيين الذين يتوقون لعيش حر وكريم"، وفق قوله لـ"عربي21".
صدام مجتمعي
وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي، رمضان بن طاهر، أن "هناك تحالفا بين التيار الوهابي وبين معسكر خليفة حفتر"؛لمواجهة تيار الإسلام السياسي المناهض للأخير"، مضيفا لـ"عربي21": "أتوقع حدوث صدام مجتمعي مسلح مع هذا التيار من قبل المجتمع الليبي وتياره المدني الرافضين لهؤلاء، لكنه صدام مؤجل الآن لاستقواء السلفيين بحفتر".
وقال الناشط المدني من بنغازي، تامر الهدار، إن "الصدام كان متوقعا مع هذا التيار، فالدلائل كانت واضحة في حال وجهنا الأعين شطر المشرق، للمملكة السعودية، وما يعانيه مجتمعها من سطوة هذا التيار.
واعتبر الهدار أن "هذه الحادثة (مصادرة الكتب) وما تبعها من خطب تحريضية على التيارات الفكرية والدينية الأخرى، كالصوفية، لاقت استهجان المجتمع الليبي الذي بطيبعته يرفض الوصاية الدينية"، وفق قوله لـ"عربي21".
وصادرت إدارة البحث الجنائي بالمرج الليبية؛ مجموعة كبيرة من الكتب التي كانت قادمة من الخارج، ومنها: رواية "حبيبي داعشي"، للكاتبة هاجر عبد الصمد، وهي رواية اجتماعية اعتبرها النقاد من أهم الروايات التي كشفت وجه تنظيم الدولة، وكذلك الكتاب الشهير "بروتوكولات حكماء بني صهيون"، وكتاب "حديث الجنود" للكاتب الأردني أيمن العتوم، ويتحدث عن الأحداث الطلابية في الأردن، ورواية "يوسف يا مريم" للكاتب، يامي أحمد، وهي رواية عاطفية لا علاقة لها بالتشيع، وهو ما قابله مثقفون في ليبيا بحملة تهكمية على تبرير مصادرة الكتب بمحاربة فكر الشيعة والإخوان المسلمين والعلمانية، وهو التبرير الذي استخدمته سلطات شرق ليبيا.