"
تقويض نظام الحكم،
إطالة اللسان، تغيير بنية المجتمع، إثارة نعرات إقليمية".. عبارات يصفها مراقبون بـ"المطاطة" تزخر بها التشريعات الأردنية، قادت العشرات من الناشطين السياسيين والمتقاعدين العسكريين والمعلمين إلى محكمة أمن الدولة؛ بعدما عبروا عن آرائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو نفذوا اعتصامات احتجاجية سلمية.
ويعد الناشط العمالي والسياسي محمد السنيد؛ من بين العشرات الذين وجهت لهم هذه التهم، ففي 22 تشرين الأول/ أكتوبر عدلت محكمة أمن الدولة التهمة الموجهة له من "التحريض على تقويض نظام الحكم" إلى "إطالة اللسان".
ولا يعرف السنيد حتى يومنا هذا -كما قال لـ"
عربي21"- "ما هي الأفعال التي قام بها لتقويض نظام الحكم"، قائلا: "لم أخالف الدستور، وعبّرت عن رأيي بحسب الدستور الأردني، وقمت بالاعتصام لإعادة العمال المفصولين من العمل، ولا يستوجب ذلك عرضي على محكمة عسكرية".
وبحسب محامين؛ فإن هذه العبارات "المطاطة" تتوزع بين قوانين العقوبات، ومنع الإرهاب، ومنع الجرائم الإلكترونية، وغيرها من القوانين التي تنتهي بالناشطين إلى الوقوف أمام محكمة أمن الدولة، التي وسعت التعديلات الدستورية في عام 2011 من صلاحياتها؛ بعدما شملت بند النظر في قضايا الإرهاب.
ووجه مدعي عام أمن الدولة الأردنية، الثلاثاء، تهما لـ18 معتقلا سياسيا من أصل 20 اعتقلوا مؤخرا، أبرزها التحريض على تقويض نظام الحكم، وفقا للمادة 149 من قانون العقوبات الأردني.
وتنص المادة 149 من قانون العقوبات الأردني على أنه "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة؛ كل من أقدم على أي عمل من شأنه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة، أو التحريض على مناهضته، وكل من أقدم على أي عمل فردي أو جماعي؛ بقصد تغيير كيان الدولة الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو أوضاع المجتمع الأساسية".
وأوضحت المحامية المختصة بقضايا محكمة أمن الدولة، لين الخياط، أن المادة 149 من قانون العقوبات "لم تستخدم في تاريخ القضاء الأردني قبل عام ،2011 عندما اشتدت وطأة المسيرات في الربيع العربي، واستخدمت أول مرة في تاريخ 1 نيسان/ أبريل ،2011 عندما وجهتها محكمة أمن الدولة لمعلمين اعتصموا على الدوار الرابع بالقرب من مبنى رئاسة الوزراء".
وقالت لـ"
عربي21" إن "بعض التهم تستوجب القيام بأعمال مادية كي تتحقق، ولا يكفي فيها التعبير عن الرأي، فهناك تهم تتحدث عن زعزعة الاقتصاد الوطني، وتغيير في البنية السياسة أو الاجتماعية للمجتمع، وهذا يعني أن الفعل يجب أن يكون مرتبا بزمن ضمن عمل، لذا فإن القرارات النهائية للمحاكم في هذه الحالة تكون إما براءة، أو تحويل التهمة إلى إطالة لسان وتجمهر غير مشروع".
وأضافت أن "الأصل في التشريعات العقابية أن تكون واضحة بالنص، وأن لا يتم التوسع بتفسير الفعل على حساب البراءة لغاية التجريم"، مشيرة إلى أن "العبارات الواردة في القانون مطاطة، وتحتمل أكثر من معنى، وتغفل أن الأصل في الأشياء الإباحة، والتجريم هو الاستثناء".
تخوفات سياسية
واثارت
الاعتقالات والتهمة المسندة للمعتقلين؛ تخوفات أطياف سياسية أردنية، واستهجن حزب جبهة العمل الإسلامي حملة الاعتقالات التي طالت عددا من الشخصيات الوطنية ونشطاء الحراك الشبابي والشعبي، داعيا الحكومة للإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف ما وصفه بـ"سياسة تكميم الأفواه، والتضييق على الحريات".
ومن جهته؛ حذر عضو حزب الوحدة الشعبية، عبدالمجيد دنديس، من أن "تقود هذه الاعتقالات إلى مزيد من الاحتقان والتأزيم"، واصفا التهم الموجهة للمعتقلين بأنها "سياسية، وتمس حرية التعبير".
وقال دنديس لـ"
عربي21" إن "هذه الاعتقالات جاءت في ظرف سياسي نواجه فيه على المستوى الوطني تحديات كبيرة، في مقدمتها مواجهة قوى التطرف والإرهاب، إضافة للواقع المعيشي الصعب نتيجة للسياسات الاقتصادية للحكومات"، مؤكدا أنها "تستهدف مصادرة حرية الرأي والتعبير، وتسعى إلى قطع الطريق على أي تحرك شعبي مفترض".
وجهة نظر الحكومة
بدوره؛ تحدث رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، عن أسباب الاعتقالات، في رده على استفسارات النواب، الأحد الماضي، قائلا إن "الأردن يحافظ على القانون، ويحترم حرية التعبير، والمعتقلون متهمون بتهمة أعمال تحريضية من شأنها أن تثير الرأي العام".
وأكد الملقي أن "الموقوفين ما زالوا قيد التحقيق، وشأنهم أمام القضاء الأردني الذي لا يشكك أحد في نزاهته".
إدانة حقوقية
من جانبها؛ قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "موجة الاعتقالات التي تستهدف
نشطاء سياسيين ومناهضين للفساد في الأردن؛ تثير قلقا تجاه احترام الأردن لحرية التعبير والتزامه بالإصلاح الفعلي".
وأضافت في تصريح خاص لـ"
عربي21": "يجب إطلاق سراح جميع هؤلاء الأشخاص ما لم يثبت تورطهم في جرائم حقيقية، وليس فقط قيامهم بأعمال مناصرة سلمية".
وبينت المنظمة أن "السلطات الأردنية استخدمت تهمة (تقويض نظام الحكم السياسي) المذكورة في قسم الإرهاب من قانون العقوبات، لسنوات طويلة ضد النشطاء، وعلى السلطات التوقف عن استخدامها لتكميم
المعارضة السلمية".
وإلى جانب المادة 194 من قانون العقوبات الأردني؛ تنص المادة 195 من القانون نفسه على "معاقبة من ثبتت جرأته بإطالة اللسان على الملك بالسجن لثلاث سنوات، ويتضمن ذلك إرسال رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى الملك، أو القيام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامته، أو يفيد بذلك، وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال".