يقرأ محللون وسياسيون أردنيون تحذيرات رئيس هيئة الأركان الأردنية، الفريق محمود فريحات، من "تمدد فصائل الحشد الشعبي قرب تلعفر (شمال غرب العراق) باتجاه
سوريا، ووصل
إيران بلبنان عبر حزام بري" باعتبارها رسائل سياسية إلى الدول السُنية في المنطقة وخصوصا دول الخليج.
وجاءت تصريحات الفريق فريحات، في سياق مقابلة مع محطة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وقد كشف أيضا عن استمرار "قنوات الاتصال العسكرية" مع النظام السوري من خلال ضباط الارتباط، موضحا أن "تدريب الأردن لجيش العشائر في سوريا لم يكن بهدف مقاتلة النظام السوري"، لافتا إلى أن "أخطر الوحدات العسكرية التي أعلنت ولاءها لتنظيم داعش في سوريا أو ما يعرف بجيش خالد بن الوليد تبعد عن الحدود الأردنية كيلو متر واحد".
رسائل إلى الداخل والخارج
ويرى أستاذ العلوم السياسية والنائب السابق، هايل الدعجة، أن تصريحات رئيس الأركان "حملت رسائل إلى الداخل والخارج، خصوصا بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها المملكة مؤخرا، فحوى هذه الرسالة للمواطن الأردني أن المملكة ليست بمنأى عن خطر الخروقات
الإرهابية الفكرية التي قد تنجح في جذب بعض الأردنيين وتجنيدهم"، كما قال.
أما الرسالة الثانية، بحسب قو ل الدعجة لـ"عربي21"، فهي "كانت موجهة إلى الدول السُنية في المنطقة، وخصوصا دول الخليج، بالخطر الذي يشكله المد الإيراني في المنطقة وسيطرة طهران على المشرق العربي، وضرورة أن تتنبه دول الخليج إلى مساعدة الأردن عسكريا لمواجهة أي خروقات قد تشكل تهديدا لدول الخليج أيضا".
الهلال الشيعي
وينخرط الأردن في تحالفات مع دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف محاربة "الإرهاب".
وأطلق العاهل الأردني في كانون الأول/ ديسمبر عام 2004، مصطلح "الهلال الشيعي"، عبّر فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد، تتعاون مع إيران والنظام السوري لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ
الشيعة؛ وصولا إلى لبنان.
من جانبه، يؤكد الوزير والبرلماني الأردني السابق، حازم قشوع، أن "خروج قائد الجيش للتصريح حول موضوع المد الإيراني، في سابقة هي الأولى من نوعها، يحمل رسالة مفادها أننا متيقظون وعلى أهبة الاستعداد لما يجري من حولنا، ويعطي رسالة جهوزية من قبل الجيش الأردني"، وفق تعبيره.
وأضاف لـ"عربي21": "كانت تصريحات قائد الجيش واضحة ومباشرة، حذر من توغل وامتداد الهلال الشيعي تجاه لبنان، مما سيكون له انعكاسات على مجمل الأوضاع في المنطقة وجيوب تواجد الجماعات الإرهابية، وهذا يعطينا مؤشرا بأنه لا بد من الانتباه واليقظة من تأثير امتداد هذا الهلال لمناطق نفوذ تم التوافق عليها من قبل مجلس الأمن بالإطار العام".
"فهم مذهبي"
لكن عضو حزب الوحدة (يساري)، موسى العزب، رأى في تصريحات الفريق فريحات "فهما مذهبيا للصراع في المنطقة، في وقت تعيش فيه المملكة تهديدا إرهابيا أصبح ملموسا من خلال العلميات التي تعرض لها مؤخرا، والتي تؤكد أن الخطر الحقيقي على الأردن يأتي من الإرهاب وليس من أخطار وهمية"، على حد قوله.
واعتبرالعزب أن تصريحات رئيس الأركان "تؤشر على غياب رؤية أردنية شاملة أو استراتيجية واضحة لمحاربة الإرهاب"، مضيفا "عربي21": "تلعفر تبعد عن الأردن حوالي 470 كيلومترا مربع، وبالتالي لا يوجد خطر ملموس أو طارئ على المملكة من خلال التحركات في هذه المنطقة، والمفارقة أنه في الوقت الذي يتخوف فيه الأردن من مليشيات عراقية على أراضيه، تعترف المملكة بتدريب مليشيات عشائرية ومقاتلين في سوريا"، على حد وصفه.
إقرأ أيضا: "الموك" تعيد رسم خارطة الفصائل في جنوب سوريا
من جهته، يصف الكاتب والمحلل السياسي الأردني، بسام بدارين، خطاب رئيس الأركان بـ"المقلق"، ويقول لـ"عربي21": "لست مرتاحا أن يخرج رئيس هيئة الأركان ويتحدث في القضايا السياسية الكبيرة، فالملك تحدث سابقا عن الهلال الشيعي ودفعنا الثمن سياسيا، كما أن ما يحصل في تلعفر بعيد عنا، وهو أمر أهم بالنسبة لتركيا وإيران والعراق من الأردن، إلا إذا كانت هذه التصريحات تأتي تمهيدا لتوحيد الجبهتين الشمالية والجنوبية في سوريا بالتزامن مع حديث الرئيس الأمريكي ترامب عن خلق أماكن آمنة في شمال وجنوب سوريا"، كما قال.
وفي شأن حديث الفريق فريحات عن تدريب جيش العشائر في سوريا، رأى بدارين أن "المملكة أرسلت رسائل تبريرات وتوضيحات للنظام السوري تصدر لأول مرة عن المرجع العسكري خلال الأزمة الصامتة بين عمان ودمشق"، لكنه يستدرك قائلا: "لا أعتقد أن هذه الرسائل منتجة؛ كون النظام السوري يعرف أن دور الأردن في بداية الأزمة السورية لم يقتصر على تدريب العشائر فقط"، وفق قوله.
وكان رئيس هيئة الأركان الأردنية قد أكد في المقابلة أن "الأردن، منذ بداية الأزمة السورية لم يعمل ضد نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا نهائيا.. علاقاتنا مع النظام السوري لا تزال مفتوحة.. حدودنا لا تزال مفتوحة.. العلاقات الدبلوماسية إلى غاية الآن موجودة"، كما قال.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين عمّان والنظام السوري؛ قد شهدت "شبه قطيعة" منذ بداية الحرب في سوريا على خلفية اتهام نظام بشار الأسد؛ المملكة، مرارا، بتسهيل دخول المقاتلين من الحدود الجنوبية، وتدريب المملكة لفصائل سورية، من خلال غرفة عمليات دولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أطلق عليها اسم "الموك".
ورغم قرار الممكلة بطرد سفير النظام السوري بهجت سليمان، في أيار/ مايو 2014، إلا أن الأردن أكد أن هذه الخطوة ليست إنهاء للعلاقات الدبلوماسية، وإنما هي تستهدف سليمان شخصيا بسبب تحركاته على الأراضي الأردنية.