نشرت مجلة "نيوريببلك" مقالا للكاتب شون ويليامز، عن استخدام الأنظمة الاستبدادية للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لزيادة قاعدتها الشعبية.
ويبدأ الكاتب مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بالإشارة إلى الرئيس
الفلبيني، الذي اعترف بقتل مهربي المخدرات، ورمي بعضهم من الطائرات، فمنذ وصول
رودريغو دوتيرتي إلى السلطة في حزيران/ يونيو، فإنه شن حملة شرسة ضد تجار المخدرات والمدمنين عليها، وقتل في الحملة حوالي أربعة آلاف شخص على يد القوات الحكومية، واستعاد دوتيرتي الهولوكوست، حيث قال في أيلول/ سبتمبر: "قتل هتلر 4 ملايين يهودي، والآن هناك 3 ملايين مدمن على المخدرات، وسأكون سعيدا لو قتلتهم".
ويعلق ويليامز قائلا إن "طغيان دوتيرتي وخطابه أدى إلى شجب واضح من منظمات حقوق الإنسان وقادة الدول الأجنبية، لكن الرئيس الفلبيني فتح جبهة أخرى في الحرب على المخدرات، التي لم تثر انتباه المجتمع الدولي، وفي الخريف الماضي كتبت تقريرا عن العنف في الفلبيين، وعثرت على ناقدة متحمسة في وسائل التواصل الاجتماعي، اسمها مادلين، وهي شابة جميلة بشعر طويل وعيون بنية عميقة".
ويقول الكاتب إنه عندما كتب عن حرب دوتيرتي على المخدرات، ردت مادلين بسخرية قائلة: "قد تكون من المعادين لدوتيرتي"، وجاء في تغريدتها: "رجل أجنبي لا يعرف شيئا عن بلدي"، ويعلق ويليامز قائلا: "يبدو أنها كرست ساعات اليقظة لديها لنشر حبها لدوتيرتي، ومهاجمة أي شخص يتساءل عن أفعاله وكتابة تغريدات عدة مرات في اليوم، وقالت: (هو رئيسي وأفخر به)، (اذهب إلى الجحيم)".
ويضيف ويليامز أن "مادلين هي جزء مما يطلق عليه (جيش لوحة المفاتيح)، التي عبأها وحشدها دوتيرتي وداعموه لإسكات المعارضة، وخلق وهم وجود دعم شعبي واسع لسياساته، ففي كل يوم يقوم مئات الآلاف من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن حصلوا على أجر أو مجانا بنشر أراء دوتيرتي القاتلة، ويتبادلون الأدوار في الحديث عن الفساد، وتعاطي المخدرات، وتدخل الولايات المتحدة، ويقومون بشمل تغريداتهم وتعليقاتهم براوبط تبالغ في التحزب، وتقدم معلوماتها ليل نهار".
ويعلق الكاتب قائلا إن "وسائل التواصل الاجتماعي مصممة لتظهر أن كل مستخدم متميز، ولديه شخصيته الخاصة، وأن ما يكتبه من إبداعه، إلا أن مادلين والجماعة التي تنتمي لها تلتزم بما يقوله دوتيرتي دون تغيير أو تبديل".
ويشير ويليامز إلى أن "الـ(
فيسبوك) و(
تويتر) عندما تم تأسيسهما قبل عقد من الزمان، وكانا يعبران عن مرحلة جديدة، يتم من خلالها توصيل أصوات الناس العاديين إلى جانب، وربما فوق، صوت المؤسسة الحاكمة، فمن الربيع العربي إلى حركة احتلال وول ستريت وحركة (حياة السود مهمة أيضا) والتظاهرات الأخيرة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استخدم الناشطون وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المؤيدين، وتوصيل رسائلهم بحرية، بعيدا عن رقابة السلطات، لكن الأنظمة الشمولية، مثل نظام دوتيرتي، تقوم بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية الرسمية، وقمع المعارضين والتمسك بالسلطة، فما بدأ بصفته أداة للحرية والديمقراطية بدأ بالتحول لسلاح قمع".
وتنقل المجلة عن الباحث الاجتماعي في جامعة واريك، في كوفنتري في إنجلترا إريك جينسين، قوله: "بالنسبة للأنظمة الشمولية فإنها تعد وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل متزايد جزءا من الأجهزة الأمنية"، وأضاف جينسين: "كانت هناك أشكال من المجتمع المدني ممن تبنت الفرص من أجل تواصل مفتوح، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وتبع هذا استعمار تدريجي لوسائل التواصل هذه من الشركات العملاقة والحكومة".
ويلفت الكاتب إلى أن "حملة دوتيرتي لاستخدام إعلام التواصل الاجتماعي بدأت عندما كان عمدة مدينة دافاو، حيث أدار، كما قيل، فرق موت ليحد من تعاطي المخدرات المتفشي في الشوارع والجريمة المنظمة، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، عندما قرر خوض الانتخابات الرئاسية، قام بالاعتماد على رجل علاقات عامة اسمه إريك غابونادا؛ ليجمع جيشا من إعلام وسائل التواصل الاجتماعي وبميزانية تزيد على 200 ألف دولار، واستخدم غابونادا الميزانية، ودفع لمواقع الإنترنت المعروفة لتقوم بغمر مواقع التواصل الاجتماعي بالرسائل المؤيدة لدوتيرتي، ونشر (هاشتاغات) ومهاجمة النقاد، ورغم قلة ما أنفقه على الحملات الانتخابية مقارنة مع منافسيه، إلا أنه استطاع الفوز في الانتخابات، وحاز على نسبة 40% من الأصوات، وبعد الانتصار قدم المتحدث باسم الرئيس شكره الجزيل لـ 14 مليونا من مؤيديه على وسائل التواصل الاجتماعي من (المتطوعين)".
وبحسب المجلة، فإن "الحكومة تقدم ألفي دولار للمخرب على الإنترنت ليقوم بفتح حسابات مزيفة، وغمر أمواج الأثير الرقمية بالأخبار الدعائية، ويبدو أن الفلبين مهيأة لهذا النوع من الآلة الدعائية، فمتوسط العمر هو 23 عاما لسكانها البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، ونصفهم ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم تزويد الهواتف الذكية بخدمة مجانية للـ(فيسبوك)، إلا أن المستخدم الفلبيني يدفع مقابل استخدامه المواقع الأخرى بما في ذلك الصحف، ونتيجة لهذا، فإن ملايين السكان يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي لمعرفة الأخبار كلها تقريبا، والحصول على المعلومات، ويستهلكون أخبارا تعبر عن رؤية واحدة لا علاقة لها بالحقيقة".
ويبين ويليامز أن "دوتيرتي استغل هذا المشهد الإعلامي، حيث يستطيع المخرب على الإنترنت الحصول على ألفي دولار في الشهر، وخلق حساب مزيف، ومن ثم استخدامه للترويج وغمر الوسائل الإعلامية بالأخبار المؤيدة لدويترتي، وبحسب (أفينيو)، وهي شركة لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، فإن نسبة 20% من الحسابات على (تويتر)، التي تذكر اسم دويترتي ليست حقيقية".
ويجد الكاتب أنه "بسبب استمرار الرسائل كهذه، فإن الرئيس استطاع الحفاظ على شعبيته، التي تصل إلى 80%، ومثل مادلين، فإن أنصار الرئيس يسارعون في الهجوم على كل من ينتقده، وعانت وزيرة العدل السابقة ليلى دي ليما من التحرشات والهجمات على الإنترنت، عندما فتحت تحقيقا في سياسة القتل الفوري، وما قيل عن استخدام فرق الموت في دافاو عندما كان الرئيس عمدتها، واضطر محامي حقوق الإنسان إليسر كارلوس لتغيير صفحته على (فيسبوك)، عندما تلقى تهديدات متكررة بالعنف، وفي بلد يواجه فيه الناشطون المعارضون للحكومة القتل خلال حملة دوتيرتي ضد المخدرات، فإن كارلوس يتعامل مع التهديدات بجدية، ويقول: (في بعض الأحيان، تعود إلى البيت وتكون وحيدا، وتريد شراء شيء من البقالة.. وبعدها تشعر بالخوف)".
ويخلص وليامز إلى القول إن "دولا، من الصين إلى روسيا، تقوم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لقمع المعارضة، وتعزيز قبضتها على السلطة، وهي الوسائل ذاتها التي تستخدمها الأنظمة الشمولية حول العالم، ففي الصين استخدم الحزب الشيوعي ما يطلق عليه (حزب الـ50%) من أجل نشر 450 مليون رسالة مزيفة على الإنترنت، وفي روسيا يقوم الكرملين بتمويل جيش من المخربين، الذين يقومون بالتضليل، وفي
مصر، التي ساعد فيها الـ(فيسبوك) والـ(تويتر) على الإطاحة بحسني مبارك، قامت الحكومة العسكرية بملاحقة ومتابعة وإسكات وفي بعض الأحيان قتل المعارضة، وفي الكثير من الدول تقوم الحكومات بالتجسس، وبشكل روتيني، على وسائل التواصل الاجتماعي".