قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو وفق ما نقلت عنه صحيفة هآرتس الثلاثاء 20 كانون الأول/ديسمبر أن بإمكانه والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إحداث تغييرات تاريخية في منطقة الشرق الأوسط، وأنه أي نتن ياهو يبدي تفاؤلا بقدرته على دفع خطوات مشتركة مع الرئيس المنتخب، لم يكن ممكنا دفعها في عهد الرئيس أوباما.
نتن ياهو استند في تفاؤله إلى اللقاءات التي أجراها مبعوثاه رئيس الموساد يوسي كوهين، والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي يعقوب ناغال في واشنطن بداية كانون أول/ديسمبر الحالي، والتي أظهرت رد فعل أمريكي إيجابي تجاه القضايا الإسرائيلية - الفلسطينية والإقليمية التي طرحت كما تعزز الأمر بتعيين - الصهيوني - ديفيد فريدمان سفيراً أمريكياً في إسرائيل، وتصريحات مستشارة ترامب عن نية الأخير المضي قدماً بمخططات نقل السفارة إلى القدس، وهو نفس المضمون الذي سمعه مبعوثاً نتن ياهو في واشنطن.
بالمقابل تبدي السلطة الفلسطينية قلق كبير ليس فقط من نية ترامب المضي قدما في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإنما أيضاً من توجه ترامب إلى نقل الملف الفلسطيني، وملف التسوية بشكل عام من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض إضافة طبعاً إلى التوقف عن إدانة التوسع الاستيطاني، والتأييد الواسع السياسي والأيديولوجي له من قبل سفير واشنطن الجديد لدى إسرائيل.
أي تغييرات تاريخية يريد نتن ياهو إحداثها مع ترامب؟ يمكن الحديث عن ثلاثة معالم أساسية فيها تتمثل بسلام إقليمي مع الدول العربية ينزع الورقة العربية من الفلسطينيين، يعزلهم ويضعفهم أكثر في المفاوضات الثنائية النهائية، ويخيّرهم بين القبول بالحلّ النهائي المفروض إسرائيلياً مع بعض المكاسب السياسية والمعنوية أو تأييد الوضع الراهن أيضاً مع تحسينات وتسهيلات اقتصادية.
يفضل نتن ياهو أولاً ما يصفه بسلام إقليمي مع الدول العربية يعكس المبادرة العربية مع تعديلها طبعاً، بما يتعلق بحق عودة اللاجئين والانسحاب من كامل الأراضي العربية عام 67 ويجعل التطبيع الرسمي والعلني مع الدول العربية مقدمة للمفاوضات، والحل النهائي مع الفلسطينيين، طبعاً بالشروط الإسرائيلية، ولكن حتى هذا لا يبدو نتن ياهو متحمّساً أو منشغلاً ، هو لا يرفض علاقات أو تفاهمات سرية مع بعض الدول العربية الخليجية تحديداً، والاكتفاء بالعلاقات المتنامية المتطورة مع مصر تحديداً - إلى حد ما الأردن - وطبعاً يعي أن أي تطبيع عربي علني يستلزم بالضرورة اتفاق وتنازلات ما في الاتجاه الفلسطيني، وهو ما لا يقبله وربما حتى لا يستطيع تقديمه إذا كان يريد أصلا.
في الاتجاه الفلسطيني يبدو نتن ياهو أكثر إصرارا ووضوحا، هو يقبل نظريا حل الدولتين ويريد العمل عليه مع ترامب، ولكن الحل الذي يقنن يؤطر الوضع الراهن، ويحدث الحكم الذاتي البلدي الموسع، باعتباره الحل التاريخي لليمين الإسرائيلي بتفصيل أكثر، لا يمانع نتن ياهو نظرياً إقامة دولة فلسطينية ليس فقط وفق الثوابت، أو اللاءات الصهيونية الثلاث لا لعودة اللاجئين، لا لتقسيم القدس، لا للانسحاب إلى حدود حزيران/يونيو 1967، وإنما مع رفض تفكيك أي مستوطنة حتى تلك النائية، ورفض اعتبارا تلك كالحدود الأساس للحل، وطبعاً مع ضمّ مناطق سى البالغة ستين بالمائة من الضفة الغربية، وأي تقنين أو تأطير رسمي للوضع الراهن مع إطلاق صفة دولة شكلاً على المناطق الخاضعة، للسلطة الفلسطينية ومكاسب معنوية ديبلوماسية سياسية واقتصادية للفلسطينيين.
نتنياهو يعرف أنه لا يملك شريكا فلسطينيا لهذا الحل، غير العادل وغير الشرعي، وغير المستدام، ولذلك سيلجأ إلى الخطة الأخرى والمتمثلة باستخدام هراوة ترامب، وهراوة جيشه، طبعاً لإجبار السلطة على القبول بالوضع الراهن، حتى دون التوصل إلى اتفاق سيكون هنا، أيضاً بعض التسهيلات والمعونات الاقتصادية للسلطة وحرية حركة للعمال والبضائع الفلسطينية، بما في ذلك غزة طبعا، وسيكون توسيع للاستيطان اعتراف وتبييض للبؤر العشوائية، وغير القانونية حتى وفق التعريف الإسرائيلي ولن يكون بناء لمستوطنات جديدة، ولكن توسيع للقائمة حالياً، وضم فعلي، ولكن غير معلن للمنطقة سي من الضفة الغربية.
نتن ياهو سيطرح على ترامب أيضاً اقتراح الاعتراف بضم إسرائيل للجولان، وطي الملف نهائياً وهو كان قد ما رفضه أوباما، وطبعاً سيعتبر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتباره اعتراف أمريكي علني، وغير مسبوق بضم الدولة العبرية للمدينة، وضمناً للرواية الإسرائيلية للصراع في فلسطين.
تبدو الخيارات جد صعبة أمام السلطة الفلسطينية، وتنحصر فعلياً بين القبول بمفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية أو القبول بالوضع الراهن، الذي يقضي على حل الدولتين، وعلى أي أمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، سيادة متواصلة ضمن حدود حزيران/يونيو 1967، وسيكون طبعا تضييق أمريكي جدّي على فكرة اللجوء إلى المنظمات والمؤسسات الدولية لتجريم الاحتلال وعقابه على ممارساته غير الشرعية والقانونية بحق الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك فإن الخيار الجدي الوحيد وحتى الواقعي أمام السلطة يتمثل بإنهاء الانقسام والمصالحة وترتيب البيت الوطني، وبلورة استراتيجية وطنية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل بشكل هادىء بعيداً عن المفاوضات البائسة والعسكرة المدمرة، تلحظ خيار المقاومة الشعبية السلمية لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، ولرفع السقف ولإجبار العالم على التدخل لإيقافها، منعاً للانفجار باعتبار أن بقاء السلطة كان وما زال مصلحة إقليمية ودولية، وحتى إسرائيلية أيضاً غير أن بقائها لا يجب أن يكون بأى حال من الاحوال مبرر وغطاء لتصفية نهائية للقضية الفلسطينية وفق الشروط الإسرائيلية.