تواجه الحكومة الجزائرية، ضغوطا داخلية وخارجية، للمطالبة بفتح تحقيق جدي ومعمق بحادثة وفاة محمد تامالت، الصحفي الذي توفي بالسجن في العاصمة الجزائر، في 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، خلال إضرابه عن الطعام.
وأودع الأحد، 190 إعلاميا جزائريا لائحة لدى رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة العدل بالجزائر، تضمنت المطالبة بفتح تحقيق جدي بحادثة وفاة تامالت؛ في قسم السجون داخل مستشفى باب الوادي بالعاصمة.
وترفض السلطات بالجزائر فتح تحقيق بالقضية، وقال وزير العدل حافظ الأختام الجزائري، الطيب لوح، على هامش جلسة برلمانية، الثلاثاء، إن "ظروف وفاة الصحفي واضحة، وأبان عنه بيان لإدارة السجون الذي أورد أن محمد تامالت توفي إثر إصابته بجلطة دماغية"، مشددا على أنه "لا مجال للتحقيق في القضية".
وكان تامالت (42 عاما) مقيما بلندن، وعاد إلى الجزائر في 27 حزيران/ يونيو الماضي، ليعتقل من طرف الأمن الجزائري، قبل أن يحال إلى المحكمة، حيث وُجهت إليه تهمتا "الإساءة إلى رئيس الجمهورية بعبارات تتضمن السب والقذف" و"إهانة هيئة نظامية"، وذلك استنادا للمادتين 144 مكرر و146 من القانون الجنائي، بحسب المحامي أمين سيدهم، في تصريح لـ"عربي21" آنذاك.
وقال الإعلامي الجزائري حميد يس، أحد منسقي مبادرة المطالبة بلجنة تحقيق بظروف وفاة تامالت، بعد رفض وزير العدل التحقيق في الحادثة: "الوزير ينظر بحساسية لأي مسعى في اتجاه تحقيق مستقل في ظروف الوفاة؛ لأنه يشعر بأنه متهم في هذه القضية".
وأضاف يس لـ"عربي21": "محمد تامالت كان مسجونا، وسلامته من مسؤولية الإدارة العقابية التي يشرف عليها وزير العدل. هذا زيادة على أن النيابة التي تتبع وزير العدل، وجهت تهما غير سالبة للحرية لتامالت، ومع ذلك سجنته".
الحريات الإعلامية في خطر
أظهرت حادثة وفاة تامالت بالسجن في الجزائر؛ قلقا عميقا عبّر عنه صحفيون ونشطاء حقوق الإنسان وأحزاب سياسية، ففي الوقت الذي يقر الدستور الجزائري الجديد (صودق عليه يوم 7 شباط/ فبراير 2016) صراحة، على حرية التعبير والصحافة، إلا أن الواقع يظهر غير ذلك بنظر الإعلاميين والنشطاء.
ويوضح حميد يس، الذي سبق له أن تعرض لضغوط إثر إدانته سياسة وزارة الاتصال بالجزائر بشأن تعاملها مع الصحفيين، أن "الأفق مظلم بالنسبة لحرية التعبير عموما، وحرية
الصحافة بالخصوص، بحكم مطاردة الصحفيين والمدونين بسبب أنشطتهم بشبكة التواصل الاجتماعي، والتضييق على البعض منهم ممن يشتغلون في وسائل الإعلام"، وفق قوله.
ورغم أن التفاعل مع وفاة تامالت بالسجن، عبر مواقع التواصل الإجتماعي في الجزائر، إلا أن التناول الإعلامي للقضية، سواء كان بالنسبة للفضائيات أو الصحف، كان محدودا، عدا صحيفة "الخبر" التي تتابع القضية بشكل، فيما يرى متابعون أن هذا التعتيم مرده "الارتياب من ردود فعل السلطات إزاء الصحف التي يرتبط بقاؤها بالإشهار الحكومي"، مثلما يعتقد ناصر زعيتر، النائب المستقل بالبرلمان الجزائري، في تصريح لـ"عربي21".
صورة الجزائر!
من جهته، أكد ناصر حمدادوش، النائب الجزائري عن حركة مجتمع السلم المعارضة، أن "وفاة تامالت تعد قضية كل الجزائريين، وهي تستحق التحقيق"، مضيفا: "وفاة تامالت بالسجن أضر بسمعة الجزائر دوليا، وطرحت بجد مخاوف حيال مستقبل الحريات الإعلامية عندنا، وهي بحق تشكل منعطفا حاسما، فيما ستكون عليه الحريات في بلادنا"، على حد قوله.
ويرى حمدادوش أن" رحيل تامالت بهذا الشكل يعد حالة من حالات الخرق الدستوري، والخدش للأعراف الدولية حول حماية الصّحفيين وضمانات حرية التعبير، واستهتارا واضحا بحياة الإنسان وبمهنة الصحافة".
كما عبّر الإعلامي الجزائري المقيم بتونس، عثمان لحياني، عن الموقف ذاته، لـ"عربي21": "منذ سنوات تتبنى السلطة في الجزائر المقاربة نفسها إزاء الصحافة. السلطة ما زالت تتبنى فكرة أن الصحافة جزء من منظومتها، ولا يمكن إلا أن تكون خطا وصوتا لخطابها السياسي"، بحسب تعبيره.
واعتبر لحياني أن "السلطة بالجزائر لم تتمكن على مر السنوات؛ من أن تتخلص من هذه النظرة، وأن كل حديث عن حرية الصحافة والتعبير هو ترف سياسي".
وتابع: "لا تتوفر الجزائر على أية دعامات يمكن من خلالها إقامة صحافة حرة... ليس التضييق على الصحافة والمدونيين فقط، ولكن نلاحظ أن الصحف لا تتوفر على مطابع خاصة، والإشهار ما زال محتكرا من قبل الحكومة، كما أن النصوص التشريعية للسمعي البصري مازالت حبرا على ورق".
ويعتقد لحياني أن "هذا يؤكد أن السلطة تعيش حالة احتباس تجاه الصحافة، كما أن وفاة محمد تامالت (الذي كان معتقلا) بسبب تعبيره عن رأي، ولو كنا في اختلاف حول أدواته التعبيرية، إلا أنه يؤكد إلى أي حد ترفض السلطة فكرة الصوت الآخر، مثلما ترفض أن تكون هناك أية مساحة للنقاش خارج ما ترسمه هي"، على حد وصفه.
وتتزايد الانتقادات والضغوط الحقوقية على الحكومة الجزائرية إثر النهاية المأساوية للصحفي الجزائري، إذ عبّرت منظمات دولية عن إدانتها لوفاة تامالت بالسجن، مطالبة بالتحقيق.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، السبت، تقريرا شديد اللهجة تجاه السلطات الجزائرية، بسبب تامالت، وقالت في التقرير الذي ترجمت "عربي21"، جزءا منه إن "السلطة بالجزائر تريد تركيع الصحافة الحرة، بالمقابل تدعم الصحف الموالية لها".
وتابعت الصحيفة أن "ممارسات كهذه أعاقت السير قدما نحو الديمقراطية الحقيقية في البلاد"، كما أوردت أن "وصفة حرية التعبير التي جاءت بالدستور الجديد في الجزائر تبقى فارغة".