نشرت صحيفة "صندي تلغراف" مقالا للمعلق كون غوكلين، يقول فيه إن سقوط مدينة
حلب قد يكون بداية لفصل دموي جديد في
سوريا التي مزقتها الحرب.
ويقول الكاتب إن "قوات النظام السوري تحكم السيطرة على مدينة حلب، وسيثبت أن نصرها مثل رقصة حرب زائفة، فمنذ محاولة قوات المعارضة السيطرة على المدينة الثانية في سوريا صيف عام 2012، تحولت حلب إلى مركز حملة دموية للتخلص من النظام السوري، وفي البداية كانت المدينة العريقة حلب تضم 2.3 مليون نسمة، وكانت في السابق المركز الصناعي الرئيسي، ولم تتأثر بالتظاهرات المعادية للنظام، التي اجتاحت البلاد كجزء مما أطلق عليه الربيع العربي عام 2011".
ويستدرك كوغلين في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "حلب أصبحت جزءا من الاضطرابات؛ لقربها من تركيا، التي قدمت منذ البداية دعمها للجماعات السنية التي كانت تعمل على الإطاحة بالنظام الديكتاتوري العلوي، الذي كان حليفا لا يستغنى عنه لإيران الدولة الشيعية القوية".
ويشير الكاتب إلى أن "التنافس بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار
الأسد سابق للنزاع السوري، لدرجة وصل فيه البلدان إلى حالة من المواجهة الشاملة؛ بسبب دعم نظام الأسد المقاتلين الأكراد من عناصر حزب العمال الكردستاني (بي بي كي)، الذين تعدهم تركيا إرهابيين، ولهذا لم يضيع أردوغان وقته في استثمار اندلاع التظاهرات المعادية للحكومة في سوريا؛ أملا في تحقيق حلمه بالإطاحة بنظام الأسد".
ويلفت كوغلين إلى أن "دعم تركيا للمقاتلين كان ضروريا عندما قاموا بهجومهم عام 2012، بشكل أجبر قوات الحكومة على التراجع من حلب، وحصلت بعض الفصائل على دعم من الدول الغربية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، اللتين شعرتا بالرعب من الطريقة التي عامل فيها النظام المتظاهرين، وإطلاقه العنان للعنف، وانضمتا إلى المطالبات الدولية الداعية إلى تغيير النظام في دمشق، وفي الوقت ذاته انضمت القوى السنية، مثل السعودية ودول الخليج، للدول التي دعمت المعارضة، حيث وجدت الفرصة سانحة لإهانة المرجعات الدينية في
إيران، الذين يعدون سوريا رصيدا استراتيجيا مهما".
ويبين الكاتب أن "الهجوم على حلب عام 2012 لم يكن حاسما، وأدى إلى تقسيم المدينة بين الفصائل المتنافسة الموالية للنظام في غرب المدينة والجيب الكبير للمعارضة المسلحة في الشرق، وأصبحت المدينة بشكل سريع رمزا للنزاع المر بين المعارضة وداعميهم الغربيين والسنة من جهة، وبين النظام المترنح وداعميه في طهران".
وينوه كوغلين أن "ميزان القوة لم يتغير إلا بعد تدخل
روسيا في النزاع السوري عام 2014، حيث بدأ ميزان الحرب يتحول لصالح نظام الأسد وداعميه، وجاء التدخل الروسي بعد عام من تراجع الولايات المتحدة وبريطانيا في آب/ أغسطس، عن معاقبة الأسد وقصفه عندما استخدم السلاح الكيماوي في نواحي دمشق، رغم تحذير الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد بأنه سيواجه عقابا حاسما لو تجاوز (الخط الأحمر)، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، خاصة أن دعمه للمعارضة السورية ظل فاترا طيلة الوقت".
ويفيد الكاتب بأن "روسيا لاحظت ضعفا في الموقف الغربي، ولخوفها من خسارتها حليفا مهما في سوريا، خاصة أنها تحتفظ بقاعدة عسكرية في طرطوس، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرر تبني الخيار العسكري، وهو تحرك غيّر ميزان الحرب، وبشكل حاسم، لصالح نظام الأسد، وأسهم القصف الجوي الحاسم، والمشاركة القتالية للحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية، مثل حزب الله، على مساعدة نظام الأسد للقيام بهجوم مضاد ضد المقاتلين، بدرجة أمنت السيطرة على حلب، وبذلك أحكمت سيطرتها على المدن السورية كلها".
ويجد كوغلين أن "سيطرة النظام على ما تبقى من مناطق المعارضة في حلب ستكون نصرا زائفا، خاصة ان الكثير من مقاتلي المعارضة أقسموا أنهم سيواصلون الحرب لو أجبروا على الانسحاب من حلب، وهو ما يعني عدم نهاية الحرب الأهلية، التي ستدخل عامها السادس، وأدت إلى مقتل مئات الآلاف، وشردت الملايين، ولو خسر المقاتلون المدن الرئيسة والبلدات، فإنهم سيلجؤون إلى حرب العصابات، ويعرف الروس جيدا من تجربتهم في أفغانستان أثناء عقد الثمانينيات من القرن الماضي، فعالية هذه التكتيكات، عندما تكبد جيش الاتحاد السوفيتي هزيمة مخزية على يد مقاتلين بأسلحة بسيطة" .
ويقول الكاتب: "يجب على الأسد العلم أن الوحشية التي مارسها على المدنيين، الذين وجدوا أنفسهم وسط الحرب، لم تؤد إلا إلى دفع الرجال والنساء الذين يقاتلون من أجل المعارضة لمزيد من التشدد، فقد مضت الأيام التي كان يتحدث فيها القادة الغربيون لدعم المعارضة المعتدلة العلمانية، التي ستقوم بإنشاء نظام على الطريقة الديمقراطية الغربية في سوريا بعد رحيل الأسد، ففي هذه الأيام فإن غالبية الذين يقاتلون ضد الروس والإيرانيين وبقية الجماعات الموالية للأسد هم من المقاتلين السنة الإسلاميين الأشداء، الذين يريدون تحويل الشرق الأوسط، بناء على الصورة التي يريدونها، وهزيمة إيران الشيعية".
ويخلص كوغلين إلى القول إنه "لهذه الأسباب كلها، فإن تركيا والسعودية لن تتعاملا مع سقوط حلب بطريقة بسيطة، وبخلاف هذا، فإنهما ستواصلان دعم الجماعات التي تعتقدان أنها قادرة على قتال النظام السوري والإيرانيين، وهذا كله يشير إلى أن سقوط حلب لن ينهي الحرب، بل سيحدد بداية فصل دموي بربري جديد في هذا النزاع".