مع حلول الذكرى الـ29 لانطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "
حماس"، يبدو أن الحركة التي تعتمد المقاومة المسلحة سبيلا لتحرير
فلسطين؛ تواجه تحديات غير مسبوقة، تتمثل أساسا في
الحصار والتحولات السياسية في المنطقة، رغم بعض أوراق القوة التي تمتلكها.
مرحلة صعود
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون؛ إن حماس التي انطلقت في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1987، "تعيش مرحلة صعود في جوانب مختلفة، أولها الجانب العسكري، وتمكنها من مراكمة قوتها العسكرية، وهو أحد أبرز إنجازاتها، والثاني هو صعودها السياسي، رغم ما تتعرض له المنطقة من إضطرابات، وهي ما زالت تحافظ على حلفاء لها وموقع قدم في المنطقة"، وفق قوله.
وأوضح المدهون لـ"
عربي21"؛ أن حماس التي "تتبنى النهج المقاوم، أضحت لها فاعلية إقليمية، ولهذا يتم استحضار مواقفها في الصرعات الدائرة، كما تطالب أحيانا بمواقف نحو بعض الأحداث التي تعصف بالمنطقة"، معتبرا أن حماس التي تسيطر على قطاع
غزة منذ عشرة أعوام "تمكنت من الصمود وإدارة الحصار، وما زالت تمتلك القدرة على الاستمرار في الحكم".
ورأى المدهون أن حماس "لا يمكن تجاوزها الآن؛ وهي تفكر بشراكة فتح في قيادة الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تشهد أنظمتها الداخلية تطورا"، مضيفا: "وأصبحت جزءا أساسيا في النظام السياسي الفلسطيني؛ بشكله المقاوم والوطني والفصائلي، رغم أنها لم تستطع حتى اللحظة الدخول لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ وهذا أحد إخفاقاتها"، وفق تقديره.
إلا أن "دخول حماس لمنظمة التحرير، يحتاج أن تقدم بعض المرونة والتنازلات"، مع العلم أن حماس ترفض الاعتراف بـ"إسرائيل"، أو أن تكون جزءا من عملية التسوية التي ترعاها أمريكا، أو أن تلتزم بالاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، وكل هذا "يحول دون انخراطها في المنظومة السياسية الإقليمية الرسمية"، وفق المدهون.
ورأى أن "حماس أخفقت في الضفة الغربية، ولم تتمكن من أن يكون لها دور أكثر فاعلية؛ بسبب الهجمات الأمنية الإسرائيلية وملاحقات السلطة الفلسطينية"، موضحا أن الحركة "فشلت في إنهاء الانقسام والوصول إلى صيغة مشتركة للمصالحة، مع التأكيد على أن حركة فتح والرئيس محمود عباس يتحملون مسؤولية ذلك أيضا"، كما قال.
الهجمات الأمنية
من جانبه، أشار الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله إلى أن انطلاقة "حماس شكلت إضافة وأزمة للحالة الفلسطينية".
وتابع، في حديث لـ"
عربي21": "تمثلت الإضافة في حالة العنفوان الثوري التي لا حدود لها، والأزمة فلأنها انطلقت باعتبارها بديلا وحالة مختلفة عن الكل الفلسطيني، واعتقدت أنها الأقدر لوحدها على قيادة الساحة الفلسطينية"، على حد قوله.
وأوضح أن "كافة الحوارات التي بدأت عقب انطلاقتها بعام واحد في السودان؛ فشلت في دمجها في النظام السياسي الفلسطيني العام (منظمة التحرير الفلسطينية)". وقال: "حتى اللحظة تبدو وكأنها خارج المنظومة السياسية ككل، وهي بذلك تشكل مشكلة للحالة السياسية الفلسطينية التي انتهت بانقسام نهايته لن تكون قريبة".
ولفت عطا الله إلى أن "الإنجازات الأبرز لحماس؛ أنها تمكنت من تحشيد الشارع الفلسطيني لصالح الكفاح والمقاومة ضد الاحتلال، وبذلك تمكنت من تحقيق قدر من التحدي ضد إسرائيل، واستطاعت أن تكون جزءا من الواقع الفلسطيني لحد مكنها من أن تحظى بثقة الفلسطينيين".
حسابات هادئة
وأضاف: "في المقابل كان لدى حماس رغبة بالتفرد في الحكم، وحين دخولها على مسار قيادة الشعب الفلسطيني لم تستفد من تجارب الآخرين"، معبرا عن اعتقاده بأن "حماس لم تكن مؤهلة للعمل السياسي، ولم تُجر حسابات هادئة، وكانت تفتقد للنضوج السياسي الكافي، وهو ما أدخلها والشعب الفلسطيني في عدة إرباكات"، وفق تقديره.
ورأى عطا الله أن "حالة الاندفاع السياسي لدى حماس أدت لنتائج سلبية، أما الاندفاع نحو المقاومة فكان له ميزات إيجابية"، مشددا على أهمية أن تقوم حماس بـ"عملية مراجعة، وأن تجري حسابات دقيقة كي تكون جزءا من هذه السلطة التي أسست بقرار دولي".
وبيّن أن "هناك خلافا برامجيا بين حماس ومنظمة التحرير، وعليه لا يمكن أن تكون حماس ببرنامجها جزءا من هذه المنظمة التي لها برنامج من الصعب أن لا تتفهمه حماس على الأقل"، معتبرا أن "طريق الصدام المسلح مع الاحتلال بحاجة لمراجعة؛ لأن الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على غزة؛ انتهت دون تحقيق ما يعادلها من إنجازات على صعيد تحرير الأرض أو رفع الحصار"، كما قال.
أما على صعيد علاقتها الإقليمية، فقال عطا الله: "موقف حماس مما حدث في مصر كان خاطئا، وهذا أثّر سلبا على واقع غزة وعزز الحصار"، منوها لأهمية أن "تبحث حماس كيف تصوب علاقتها مع الإقليم ومع مصر"، وفق تقديره.
وتمكنت حماس من السيطرة على قطاع غزة عام 2007، وذلك بعد اشتباكات مع القوات التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ومنذ ذلك الحين، يعيش القطاع حصارا خانقا يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، وشهد تشديدا من الجانب المصري بعد الانقلاب.