كشفت وثائق لدى الاستخبارات الأمريكية أن انفجارا "غريبا" وقع في المحيط الأطلسي قبل 37 عاما، بدا فيما بعد أنه كان تجربة نووية أجرتها
إسرائيل وجنوب أفريقيا، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وفي افتتاحية "يديعوت أحرونوت"، الخميس، قال الصحفي رونين بيرغمان، إن "القمر الصناعي الأمريكي للتجسس، التقط في 22 أيلول/ سبتمبر 1979 ومضة مزدوجة فوق جنوب المحيط الأطلسي، وأثارت الومضة العاجلة فزعا في أروقة البيت الأبيض وبلغ الرئيس جيمي كارتر بها على الفور"، موضحة أنه يحتمل أن تكون هذه تجربة نووية سرية اجتهد أحد ما لإخفائها.
وطرح ثلاثة مشبوهين فوريين: الاتحاد السوفييتي، وجنوب أفريقيا، وإسرائيل، حين كان الاشتباه من التعاون المحتمل بين الدولتين الأخيرتين في مجال النووي.
وعادت لتطرح كل بضع سنوات ادعاءات متنوعة ومتضاربة حول طبيعة تلك الومضة: ففي البداية اعتقدوا في الولايات المتحدة بأن هذه كانت تجربة نووية، ولكن بعد ذلك تراجعوا وقالوا إن "هذا خلل في القمر الصناعي".
والآن، لأول مرة منذ ذاك الصباح، يتبين بشكل رسمي بوثائق للاستخبارات الأمريكية توجد أدلة على أن هذه كانت تجربة نووية مشتركة بين نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وإسرائيل، بحسب "يديعوت أحرونوت".
"سرية للغاية"
ومن جملة وثائق سرية للغاية وشهادات تكشف في موقع "أرشيف الأمن القومي"، لجامعة جورج تاون وبالتوازي في "يديعوت أحرونوت"، يتبين أن الاستخبارات الأمريكية تؤمن في معظمها بأن إسرائيل وجنوب أفريقيا وحدتا القوى في التجربة النووية، موضحة أن هذه كانت التجربة الأولى لإثبات أن "بوليصة التأمين" التي أقامتها إسرائيل كي تتأكد من ألا تقع كارثة ثانية تعمل بالفعل، بحسب تعبير الصحيفة.
وتابعت: "تنطوي المكتشفات الجديدة على معلومات مفاجئة أيضا عن مصدر التسريب عن التجربة: فالوثائق والشهادات تتضمن أسماء مسؤولين إسرائيليين كبيرين سربا المعلومة عن التجربة السرية"، حيث تنشر جملة الوثائق الخميس إلى جانب تحليلات واسعة كتبها البروفيسور أفنير كوهن من معهد "ميدلبري" للدراسات الدولية في مونتريه، إلى جانب باحث الأرشيف والتاريخ النووي د. وليم بار.
انفجار غريب
فور الانفجار الغريب سارعت الولايات المتحدة إلى توجه إصبع اتهام نحو إسرائيل وجنوب أفريقيا، ووضع ثلاثة من أصل أربعة علماء جندتهم الـ"سي آي إيه" تقريرا تنكشف أجزاء منه لأول مرة، تقول إن "الإشارات (من القمر الصناعي) تتطابق ومظاهر التفجير النووي في الغلاف الجوي".
واستندت استنتاجاتهم إلى مادة استخبارية متجمعة، بما في ذلك قياس الإشارات في منطقة أستراليا، وبقرة واحدة في الدولة نفقت وعثر في دمها على مادة إشعاعية كثيرة يتميز بها التفجير النووي.
ومع أن تلك الأدلة بقيت سرية حتى اليوم، يقتبس البروفيسور كوهن مقابلة أجراها في الموضوع مع الأدميرال ستانسفيلد تيرنر، رئيس الـ"سي آي إيه" في تلك الفترة والذي قال إنه يؤمن بأن إسرائيل وجنوب أفريقيا كانتا مسؤولتين عن التفجير.
الرئيس كارتر هو الآخر اقتنع بذلك، في البداية على الأقل، وكتب في مذكراته في يوم التفجير يقول إنه "توجد أدلة على تفجير نووي في منطقة جنوب أفريقيا، فإما أن تكون جنوب أفريقيا وإسرائيل استخدمتا السفن أو لا شيء".
وقبل بضع سنوات من ذلك شك كارتر بالتعاون الإسرائيلي-الجنوب أفريقي وطلب إيضاحات بهذا الشأن من رئيس الوزراء مناحيم بيغن، فأجابه هذا جوابا متملصا وادعى بأن إسرائيل لا تساعد جنوب أفريقيا في تطوير سلاح نووي، ومع ذلك، لم يرد بيغن على السؤال بشأن التعاون النووي مع دولة الأبرتهايد، والتي أصبحت في تلك السنين معزولة في العالم.
"خلل في القمر الصناعي"
في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979، أمر البيت الأبيض بتشكيل لجنة خبراء في التحقيق في القضية، وعند نشر استنتاجاتها قررت على نحو مفاجئ: "هذه ليست تجربة نووية بل إنها أغلب الظن خلل في القمر الصناعي".
ومن الجدير بالذكر أن مجرد الإعلان أن إسرائيل هي التي نفذت التجربة بعد نصف سنة فقط من التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد، والتي كانت تعتبر الإنجاز الأكبر لكارتر، وكان يفترض بالولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على اسرائيل، حيث قال البروفيسور كوهن إنه "من ناحية كارتر فإن القول إن إسرائيل نفذت تجربة نووية لا يقل عن كابوس رهيب".
طمس سياسي
وبالتالي فقد توصلت اللجنة عمليا إلى استنتاجات كانت مريحة للجميع، بينما وصف تقرير سري لجهاز الاستخبارات في البنتاغون استنتاجات اللجنة بأنها "طمس سياسي"، مدعيا بأن هذه كانت تجربة نووية، واعترف فيزيائي كبير كان عضوا في اللجنة في وثيقة سرية بأنها قامت "بعمل خفيف وليس جديا".
اما رئيس اللجنة، البروفيسور جان رواينا، فسمع من أحد تلاميذه الإسرائيليين في معهد ماساشوستس للتقنية، في عام 1980 التفاصيل الحقيقية عما حدث في المحيط الأطلسي، وحسب الوثائق، فإن ذاك "المصدر" الإسرائيلي كان الدكتور أنسلم يرون، أحد قادة مشروع "يريحو" والخبراء الرواد للصناعة الجوية.
بدوره، قال العميد احتياط عوزي عيلام، رئيس لجنة الطاقة الذرية في الفترة إياها، معقبا على التسريب: "عرفت الدكتور يرون جيدا وقد كان رجلا مميزا وكفؤا ونموذجا جد مستقل ونوعي، وكان رجل مشروع الصواريخ ولم تكن له علاقة في المواضيع النووية، وعليه فإن القصة وكأنه أفاد بمعلومة لا تبدو لي غريبة".
وتابع: "ومن حيث الموضوع نفسه، فإن قضية الومضة المزدوجة هي أغلب الظن خلل في القمر الصناعي الأمريكي، ولست أنا ولا إسرائيل مشاركين فيها بأي سبيل".
وبعد وقت قصير من التجربة نشر مراسل شبكة "سي بي إس" في إسرائيل دان رفيف، نبأ عاصفا أن إسرائيل وجنوب أفريقيا تقفان خلفها، وسافر إلى الخارج وبث من هناك النبأ كي يتملص من الرقابة.
ومصدر رفيف، الذي كان خفيا حتى اليوم يتبين هو أيضا في الوثائق الجديدة لكوهن، وهو: النائب السابق إلياهو شبايزر، المسؤول الكبير في حزب العمل والمقرب من شمعون بيريز.
ورفض رفيف الأربعاء، التعقيب على ذلك أو تناول هوية مصدره، أما الدكتورة أورا شبايزر، أرملته، فعقبت بقولها: "حسب معرفتي لزوجي لم يكن شخصا يمكن أن يسرب".
ومع أن الوثائق الجديدة لا تشكل "مسدسا مدخنا" بموجبه يمكن القول بيقين إن تلك كانت بالفعل تجربة نووية مشتركة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا، إلا أن المعلومة الجديدة التي تنشر اليوم ستشكل شهادة أجنبية أخرى على أن لدى إسرائيل سلاحا نوويا، وأنها تعاونت مع دولة الأبرتهايد كي تحقق ذلك.
واختتمت "يديعوت أحرونوت" بقولها: "إذا كانت إسرائيل بالفعل سعت إلى اجراء تجارب نووية، مثلما يزعم في وسائل الإعلام الأجنبية، فقد كانت بحاجة إلى هدف جغرافي مناسب، وكانت جنوب أفريقيا الشريك الكامل، فالدولة المعزولة بسبب حكم الأبرتهايد العنصري كانت تواقة للمساعدة العسكرية والتكنولوجيا الحديثة، وإسرائيل كما يتضح من الوثائق الجديدة، لم تترد في توفير ذلك لها".