لن تُنتج الاستعراضات السياسيّة الحاليّة اتّفاقا لوقف القتال والقتل في حلب. فالنظام السوريّ مصمّم على السيطرة على المدينة. والفصائل المقاتلة فيها مشتّتة متفرّقة ضعيفة التسليح، وغير قادرة على مواجهة آلة حرب النظام المدعوم من روسيا وإيران ومقاتلي حزب الله.
الوضع ليس في مصلحة المعارضة سياسيّا أيضا؛ فاليد العليا في كلّ الجهود التي تُبذل لوقف الحرب في المدينة لروسيا. أوروبا لا تملك سوى إصدار البيانات السياسيّة التي لا تُترجم أيّ فعل مؤثّر على الأرض. واشنطن في شبه غيبوبة سياسيّة تفرضها عمليّة الانتقال الرئاسيّ. الدول العربية غائب دورها، وتركيا تُخضع موقفها من سوريا لحساباتها المصالحيّة التي لا تلتفت كثيرا إلى مصالح الشعب السوري.
الراهن في حلب بائس. والمقبل أشدّ بؤسا.
ذاك أنّ النظام يريد أن يُخضع أحياء حلب الشرقيّة لهيمنته بغضّ النظر عن حجم الكارثة الإنسانيّة التي يتسبّب بها. والفصائل المقاتلة تقول إنّها لن تنسحب من المدينة، وستقاتل حتّى النهاية مهما كان الثمن أيضا. المأساة أنّ معظم هذا الثمن يدفعه المدنيّون الأبرياء الذين باتوا سلعة يتاجر بها النظام وداعموه، وبعض الفصائل المعارضة ورعاتها.
قد لا يتمكّن النظام من فرض سيطرته على أحياء المدينة الشرقيّة بالسرعة التي يدّعيها، لكن تحت موازين القوة الحاليّة، سيسيطر النظام على حلب، ولن تؤدّي إطالة المعركة إلّا إلى زيادة معاناة السكّان الأبرياء.
غير أّنه رغم تأكيد الفصائل المقاتلة أنّها ستستمرّ في القتال ولن تغادر المدينة، ثمّة احتمال كبير أن يُنتج الضغط الميدانيّ وغياب آفاق تحقيق انفراج سياسيّ قرارا من معظمها بقبول العرض الروسيّ الخروج من المدينة. فعلت فصائل مقاتلة ذلك في الغوطة ومناطق أخرى، حين اقتنعت بعبثيّة استمرار الصمود. ووافقت جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) التي تقاتل في حلب أيضا على ترتيبات مشابهة في السابق.
لكنّ سيطرة النظام على حلب لن تحقّق النصر الذي يروّج له، ولن تنتهي الحرب الأهليّة في سوريا بانتهاء القتال في حلب لمصلحة نظام الأسد. فذاك أمر مستحيل خارج تسوية سياسيّة شاملة،
لا تبدو هذه التسوية محتملة في أي وقت قريب.
ذاك أنّه لا فرصة لتحقيق حلّ سياسيّ في سوريا من دون انخراطٍ أمريكيّ روسيّ كامل. ويعرف النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون أنّ واشنطن غارقة في شأنها الداخليّ الآن، وأنّ أشهرا طويلة ستمرّ قبل أن تتسلّم الإدارة الجديدة الحكم وتبدأ بالالتفات إلى القضايا الخارجيّة. ويستغل النظام وحلفاؤه، روسيا خصوصا، هذا الفراغ السياسيّ لتغيير الحقائق على الأرض، وانتزاع المزيد من المكتسبات.
تحتاج الفصائل المقاتلة أن تتعايش مع هذه الحقيقة أيضا، وأن تدير معاركها وفقا لميزان القوة الذي يفضّل النظام وحلفاءه، إلى درجة تجعل من استمرار القتال في حلب خيارا عظيم الكلفة عليها وعلى المدنيّين من شعبها.
الحرب جولات. حلب جولة يبدو أنّ لا فرصة للمعارضة في كسبها. فللنظام حلفاء يزوّدونه بكلّ ما يحتاج من دعم لأخذها. أمّا المعارضة الوطنيّة في حلب، كما في غيرها من مدن سوريا، فهي ضحيّة خذلان حلفائها، وضحيّة سرقة ثورتها من قبل إرهابيّين لم يؤمنوا يوما بها، وقوى أجنبيّة لا ترى إليها إلّا ميدانا للمساومة. مأساة حلب هي جزء من الحصاد المرّ لهذا الواقع.