قبل ثلاثة أسابيع كان الكثير من زبائن أبو أسامة مقاتلين من
تنظيم الدولة، يحضرون زوجاتهم وأبناءهم إلى صيدليته الواقعة على الطرف الشرقي من
الموصل للحقن أو العلاج.
أما اليوم فقد أصبح أغلب زبائنه أفراد أمن عراقيين بعد سيطرتهم على
حي كوكجالي في وقت سابق من تشرين الثاني/ نوفمبر، ويتقدمون أكثر في عمق المدينة التي ظلت تحت حكم التنظيم أكثر من عامين ونصف العام.
ومع تراجع التنظيم يتكيف المدنيون مع واقع جديد وتتكشف أمامهم صورة أوضح عما فعلوه للنجاة من العقاب والحرمان في ظل حكم التنظيم.
قال أبو أسامة وهو يقيس ضغط الدم لشرطي عراقي "سواء داعش أو الجيش: بابي مفتوح لأي شخص. إذا جاء ألد أعدائي إلى هنا ينبغي أن أعالجه."
وقال أبو أسامة إن الكثير من مقاتلي التنظيم، سواء أكانوا المحليين أو الأجانب، عاشوا في كوكجالي وإن أسرهم في الأساس هي التي كانت تتردد عليه في الصيدلية؛ لأن المقاتلين أنفسهم كانوا بعيدا (عن المدينة) في معظم الأحيان.
كانت واجهة صيدليته وما يجاورها من محال ومتاجر تحمل حرف "الزاي" إشارة إلى كلمة الزكاة، وبجوارها الرقم الذي حدده موظفو التنظيم كزكاة على الصيدلية، تدفع للخلافة المعلنة من جانب واحد.
وطمست القوات
العراقية العلامات بشعارات شيعية.
وفتح الرجل البالغ من العمر 40 عاما الصيدلية بعد سقوط الموصل في قبضة التنظيم، وبعد قرار الحكومة وقف راتبه الذي كان يحصل عليه من وزارة الصحة العراقية في إطار مساعيها لتجفيف مصادر التمويل للتنظيم. وكان أعضاء التنظيم يستولون على أموال العاملين في القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وأراد أعضاء التنظيم من أبي أسامة أن يعمل لصالحهم في مستشفى لكنه رفض؛ لأن ذلك كان يعني مبايعته الدولة الإسلامية، بينما لا يتفق مع فكرهم المتشدد.
ووفقا لفكر التنظيم، فإن عرض صور أي كائن حي أمر مخالف للإسلام لأنها يمكن أن تقود إلى الوثنية. وبعد أن وبخه أحد أعضاء التنظيم على عرض ملصق به صورة رضيع على جدار بالصيدلية، طمس الرجل عينيه بقلم أسود وفعل الشيء نفسه في كل ملصق عليه صورة بشر.
وقال الكثير من المدنيين إن تنظيم الدولة الإسلامية حظر العملة فئة 500 دينار (0.40 دولار) التي تحمل صورة تمثال وذلك للسبب نفسه.
عقاقير صينية وهندية
تأتي كل الأدوية من سوريا.. منفذ الموصل الوحيد إلى العالم مع اقتراب وحدات متنوعة من القوات ببطء من المدينة العراقية. قال أبو أسامة إن التجار السوريين يستوردون أدوية صينية وهندية رخيصة الثمن عبر تركيا، ويدفعون ضريبة للدولة الإسلامية لنقلها إلى الأسواق في الموصل.
وبمجرد وصول الأدوية إلى الأرفف التي أوشك مخزونها على النفاد، تضاعف ثمنها ثلاثة أمثال وأصبح كثيرون من زبائنه عاجزين عن شرائها، مما يضطره إلى بيعها لهم بالأجل وبات مدينا بنحو 1.25 مليون دينار عراقي (1016 دولارا).
قال أبو أسامة إنه نظرا لفرض تنظيم الدولة على النساء ارتداء النقاب الذي يغطي الوجه بالكامل، أصبح لا يستطيع معرفة الشخص المدين أو المبلغ المستحق عليه.
وعلق صهيب (43 عاما) الذي كان يقف في الصيدلية على ذلك قائلا، إنه إذا انفصل عن زوجته في مكان مزدحم أصبح لزاما عليها هي أن تعثر عليه؛ لأنه لن يستطيع تمييز وجهها من بين باقي النساء اللائي يرتدين ملابس سوداء تغطي كامل أجسادهن.
ولم يكن بوسع أبي أسامه وصف علاج لأي امرأة إلا إذا كانت مع قريب لها، وإذا رفعت امرأة النقاب عن وجهها أمامه وتصادف مرور أحد أفراد لجان الأمر بالمعروف فكان سيحاسب. لم يحدث ذلك معه قط لكن أفراد التنظيم كانوا يعاقبون مرتكبي مثل هذه الأفعال بالغرامة والجلد.
قال سكان كوكجالي إن تشريعات تنظيم الدولة كانت لا تطبق بصرامة في الحي لبعده عن مركز المدينة.
وقال سكان محليون إنه عندما استعادت القوات العراقية الخاصة الحي، ترك اثنان من المقاتلين زوجتيهما الروسيتين خلفهما. وطبقا لجندي كان يجلس في الصيدلية، حاولت زوجتاهما الفرار من الموصل بين المدنيين المشردين، لكن قوات الأمن العراقية اكتشفت أمرهما واعتقلتهما.
قال الجندي: "كانتا جميلتين بصورة تفوق الخيال".
وعلى مقربة قال عمار (27 عاما) الذي يدير متجرا للبقالة، إن أفراد التنظيم كانوا أفضل زبائنه لأنهم كانوا يملكون المال أكثر من أي أحد آخر.
وأضاف أن كل البضائع التي يبيعها كانت تأتي من سوريا، لكن هذا الطريق الآن انقطع ليستفيد تجار كثيرون من الإقليم الكردي القريب من الانفتاح في السوق.
وخارج متجر البقالة كان تاجر كردي يقوم بإنزال بضائع من عربة فان، ومن بينها بضائع تحظرها الدولة الإسلامية مثل السجائر والبسكويت المستورد من إيران، واللحوم المعلبة المستوردة من البرازيل.
قال عمار ساخرا: "مكتوب على العلبة حلال، لكنهم كانوا يقولون إنها ليست كذلك."
بين الحين والآخر كان صوت قذيفة مورتر أو دوي إطلاق رصاص يدفع الناس للتفرق في الشارع والبحث عن ملجأ، لكن البعض ممن اعتادوا على ضوضاء الحرب، كانوا بالكاد يجفلون ثم يواصلون حياتهم كالمعتاد.