عندما ظن الرئيس الراحل أنور السادات، بعد حرب أكتوبر عام 1973 م أن بإمكانه إقناع أمريكا بأنه الأكفأ من
إسرائيل في ضمان تحقيق المصالح الأمريكية لمكانة مصر ودورها المقبول عربيا، وتوهم أنه يمكن أن يقوم بدور الزوجة الثانية، الأكفأ من الزوجة الأولى - إسرائيل - وبذلك يفك - ولو جزئيا - التحالف الاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل..
عندما ظن السادات ذلك، فإنه كان غافلا عن "العقيدة" المنشئة والحاكمة لعلاقة أمريكا بإسرائيل فالآباء "البيوريتانيون" Puritans البروتستانت المؤسسون لأمريكا، والذين يحتكرون حكمها حتى الآن، والذين أبادوا شعوب هذه القارة وحضاراتها، قد انطلقوا إلى تحقيق "مصالحهم وأهدافهم" في إغتصاب الأرض وثرواتها، من الرؤية التوراتية التي جعلت من إبادة العبرانيين القدماء شعوب أرض كنعان (فلسطين) أمرا إلهيا وتكليفا دينيا من الرب "يهوه" إلى "يوشع بن نون" والعبرانيين القدماء.
لقد انطلق هؤلاء "البيوريتانيون" من هذه الثقافة التوراتية التي جعلت البروتستانتية عقيدتهم المقدسة، فرأوا في غزوهم للقارة الأمريكية "خروجا" من أوربا إلى أمريكا "كنعان الجديدة" يعيد إحياء الخروج العبراني القديم من أرض مصر إلى أرض كنعان، فهو خروج من ظلم الملك الانجليزي "جيمس السادس" (1603– 1625م)، يضاهي خروج العبرانيين من ظلم فرعون!.
ومن ثم فإن هذا الخروج الجديد يعيد إنجاز الإبادة - المأمور دينيا - على أرض أمريكا والتي أنجزها العبرانيون على أرض فلسطين لتصبح أمريكا وطن بلا شعب لشعب بلا أرض، كما تم على أرض كنعان في الخروج العبراني القديم.
لقد كان هؤلاء "البيوريتانيون" يتعبدون - مثل العبرانيين القدماء - بما جاء في سفر الخروج على لسان الرب لموسى عليه السلام: "اكتب تذكارا في الكتاب، وضعه في مسامع يوشع، فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء"- إصحاح 17: 14.
وبما جاء في سفر التثنية من أمر للعبرانيين القدماء بإبادة الشعوب السبعة - أو العشرة - في أرض كنعان: "سبعة شعوب دفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم، فإنك تحرمهم (تهلكهم) لا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عيناك عليهم"- إصحاح 7: 1- 3، 6، 7، 41، 16.
ولقد صنع هؤلاء "البيوريتانيون" بالهنود الحمر ما صنعه العبرانيون القدماء بالكنعانيين - الإبادة والتهجير - الترانفسير، تنفيذا لما جاء في سفر العدد من أوامر الرب للعبرانيين القدماء: "إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان، فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم، تملكون الأرض وتسكنون فيها، وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقونهم منهم أشواكا في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم في الأرض التي أنتم ساكنون فيها" إصحاح 23: 50- 53، 55.
ولوحدة عقيدة "الخروج" عند "البيوريتانيين والعبرانيين القدماء، أطلق "البيوريتانيون" الأسماء العبرانية على الأماكن والأنهار في أمريكا - حبرون وكنعان - وكذلك الأسماء على المواليد الجدد - ابراهام وسارة والعازر، وفرضوا تعليم العبرية في المدارس والجامعات، حتى أن أول دكتوراه منحتها جامعة "هارفارد" عام 1642م كان عنوانها "العبرية هي اللغة الأم" وأول كتاب صدر في أمريكا هو "سفر المزامير" وأول مجلة صدرت حملت عنوان "اليهودي" كما أطلقوا على نهر "كولورادو" الاسم التوارتي القديم "باشان"!!.
إنها توأمة يغفل عنها الذين يجعلون رعاة البقر رعاة لهم.