تحولت مدينةُ مراكش المغربية إلى عاصمة دولية للمناخ والمحافظة على البيئة، حيث انطلقت منها، منذ السابع من هذا الشهر وحتى 18 منه، أشغالُ "مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ"، في دورتها الثانية والعشرين، المسماة اختصاراً (COP22).
يُعد هذا المؤتمر من أضخم القمم التي يعرفها العالم، حيث جمع بين جنباته في هذه القمة 20 ألف مشارك من مختلف بلدان المعمور، بحضور 30 رئيس دولة، و3300 منظمة غير حكومية مُعتَمدة، ناهيك عن الأطقم الإعلامية والصحفية، والشخصيات المدعُوَة، والعلماء والخبراء والأكاديميين ذوي الاختصاص. أما جذور القمة فترجع إلى نتائج مؤتمر "ريو دي جانيرو" عام 1992، الذي تبنى مشاركوه "اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغيّر المناخ"، التي وَضعت بدورها إطارَ عمل "يهدف إلى تثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند نسبة معينة لتجنب التدخلات الخطيرة الناشئة عن الأنشطة البشرية". ومنذئذ توالت المؤتمرات بداية من قمة برلين سنة 1995، وحتى لقاء باريس في السنة الماضية (2015)، الذي حضرته 195 دولة، ووقعت على نتائجه بلدان وصل عددها 177 بلدا، وصادقت عليها 95 دولة حتى الآن، وهو في الواقع إنجاز جماعي تم تحقيقه في زمن قياسي لا يتعدى الثمانية أشهر، مما جعله في نظر الكثير من المراقبين أبرز إنجاز تحقق خلال الثمانية أعوام الأخيرة.
تجدر الإشارة، من جهة أخرى، إلى أن القيمة المُضافة لقمة باريس "كوب 21"، تكمن في كونها وضعت نصّاً قانونياً متوازناً ومتوافقاً عليه حول ما يهدد الكون من مخاطر بيئية، وما يجب على دول العالم أن تتحمل من أدوار ومسؤوليات، أبرزها وضع العنصر البشري والتنمية المستدامة في صُلب انشغالات المجتمع الدولي. ثم إنه نص أو اتفاقية انتصرت فيه إرادات دول ذات تأثير وازن في المحافظة على البيئة أو، بالعكس، الإضرار الجسيم بها، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، الملوث الثاني في العالم، والصين غير البعيدة عنها على سبيل المثال. يُضاف إلى ذلك، سعيُ الاتفاق إلى إدخال مبدأ الإلزامية على التوافقات الحاصلة في قمة باريس 21، وحشد التأييد العالمي لاحترام الالتزامات المتبادلة بين الأطراف. ومن هنا يمكن التأكيد على أن "كوب 21"، المنعقدة أواخر 2015 في باريس، وضعت إطاراً اتفاقيا دولياً للعمل المشترك في مجال المحافظة على التوازن البيئي في العالم، ومهّد بذلك لقمة مراكش "كوب 22" لتكمل مسيرة البشرية نحو بيئة متوازنة وسليمة، وذلك بوضع الإجراءات الكفيلة بتنفيذ إتفاق باريس، أي الآليات والوسائل التي تُنقل الخطط والأفكار والاستراتيجيات إلى أعمال ومنجزات ملموسة في الواقع.
يُنتظر إذن من قمة "كوب 22" الملتئمة منذ الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 في مدينة مراكش المغربية، أن تنتقل بالنقاش بين الأطراف المشاركة إلى توافقات حول الآليات والإجراءات المطلوبة لإدخال خطط قمة باريس إلى حيز التنفيذ، أي جعل الدول واعيةً التزاماتها، ومحترمة لها، وفاعِلة من خلال التنفيذ والتطبيق على صعيد سياساتها الوطنية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالبيئة والتحديات المناخية، وأن تجعل مفهوم الاستدامة في سياساتها التنموية أولوية الأولويات، وأن تكون مالِكة القابلية لتكييف خططها الداخلية مع الالتزامات الدولية التي وقعت عليها، أو صادقت على مضامينها بعد قمة "كوب 21" في باريس، وهو ما تحوم حوله الأسئلة الكبرى والعميقة، لاسيما بالنسبة للدول الكبرى، المُلوثة بشكل ضار للبيئة العالمية بفعل صناعاتها الكبيرة.. هل تستطيع حقا عدم الانصياع لمركباتها الصناعية الضخمة، وإلزامها بالامتثال للتعهدات الدولية ذات الصلة بإنقاذ الكون مما تتعرض له بانتظام بيئته من انهيار وتقهقر مستمرين.
يُدرك المشاركون في قمة "كوب 22"، كما أدرك نظراؤهم في القمم السابقة، أن ثمة صعوبات في حجم التحديات تنتظر الإجراءات التي من الممكن أن تُسفر عنها قمة مراكش الجارية، والتي قد تحول إما دون تحقيق تطبيق سليم للإجراءات، أو قد تشوب تطبيقاتها شوائب تقلل من نتائجها، وتجعل مفعولها محدوداً. أما نوع هذه الصعوبات، فيمكن حصرها في نمطين من التحديات، يتعلق أولهما بكلفة تطبيق الإجراءات، أي تنفيذ الالتزامات، أي ما يمكن أن نسميه "التمويل" Financement، في حين يخص النمط الثاني من التجديات "التشريعات البيئية"، أي ترسانة القوانين والمؤسسات المطلوبة لجعل التوافقات حول إنقاذ كوكبنا ممكنة ومطبقة.
لقد بات واضحاً من القمم التي سبقت "كوب 21" العام الماضي أن العالم في حاجة إلى ما يساوي 100 مليار دولار كل سنة لتنفيذ السياسات الوقائية في مجال البيئة والمناخ الدوليين، وهو رقم يمكن التغلب عليه بشكل جماعي ومتضامن، لكن قد يشكل عائقاً حقيقياً إن تقاعست بعض الدول عن الالتزام به. وقد أثبتت التجربة أن الحاجة ماسة لتكاتف الجهود، ووعي الدول ضرورة الالتزام بالمساهمة المتوازنة في تغطية الكلفة حماية كوكب الأرض من التدهور المتصاعد التي يطاله بانتظام، ثم إن العدالة تقتضي أن تتحمل كل دولة بحسب نسبة إضرارها بالمناخ والبيئة. ما النمط الثاني من التحديات فيخص وضع تشريعات متقدمة وفعالة، تنطوي على قواعد ومبادئ ذات تأثير ناجح في اتجاه حماية المناخ والبيئة داخل البلدان والأوطان، وهنا لابد من أن تلعب البرلمانات والمؤسسات التشريعية أدوارا مركزية في صياغة التشريعات والنصوص القانونية المتطورة.. إن الخطر المُحدق بكوكبنا أي بحياتنا كبشر، واضح وملموس ومتصاعد بانتظام، وكل تأخر أو تقاعس في عدم تحمل المسؤولية الجماعية للإنقاذ سيكلف البشرية ثمنا باهظا. إنه ثمن انقراض الحياة من كوكبنا.