يشكل التحقيق الذي نشرته يوم الاثنين لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني حول الإخوان المسلمين مبادرة مرحبا بها جدا.
لا يسعى التحقيق فقط إلى رسم صورة أدق وأكثر موضوعية لجماعة الإخوان المسلمين بل يمثل حكما دامغا يسقط التحقيق السابق، والذي ما يزال إلى حد كبير طي الكتمان، وكانت قد أجرته حكومة كاميرون برئاسة السير جون جينكنز، السفير البريطاني السابق لدى المملكة العربية السعودية.
وكون التحقيق قامت بإعداده لجنة برلمانية فإن ذلك يمنحه مصداقية تفوق مصداقية أي كيان حكومي من المحتمل جدا، كما في حالة فريق جينكنز، أن يتأثر بالحاجة إلى خدمة مصلحة سياسية معينة.
يحسب للتحقيق البرلماني أنه أكد على النقاط التالية:
1) يوصي التحقيق بأن "الإسلاميين المعتدلين" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينبغي أن يجري التواصل معهم وأن يكونوا جزءا من الحوار وألا يستبعدوا من المشاركة في العملية الديمقراطية.
2) ينتقد التحقيق بشدة التحقيق الذي أجرته الحكومة البريطانية بشأن الإخوان المسلمين والذي ترأسه السير جون جينكنز، ويثير تساؤلات حول مدى مصداقية منهجيته التي تعاني من انعدام في الشفافية.
ويتهم البرلمانيون الحكومة البريطانية بإساءة التصرف في إعداد التحقيق وينتقدونها لامتناعها عن تزويد اللجنة البرلمانية بنسخة كاملة من التقرير.
إضافة إلى ذلك، يصرح البرلمانيون فيما توصلوا إليه من خلاصات، وبشكل لا لبس فيه بأنه "فإنه لمما يؤسف له حقا أن الخلاصات الرئيسية أهملت ذكر أهم حدث وقع لجماعة الإخوان و في تاريخ مصر السياسي المعاصر، ألا وهو الإطاحة بالجماعة من السلطة في مصر (أكبر الدول العربية سكانا) في عام 2013 من خلال تدخل عسكري، بعد عام واحد من انتخابها ديمقراطيا".
كما عبر البرلمانيون عن دهشتهم من أن "تقدير وزارة الخارجية البريطانية بأن فهم جماعة الإخوان "لم يحتج إلى" التحقيق في الأحداث التي أعقبت الإطاحة بالجماعة من السلطة في مصر - بما في ذلك قتل عدد كبير من المتظاهرين الذين تعاطفوا مع الإخوان في شهر آب/ أغسطس من عام 2013 واستمرار إجراءات القمع ضد الجماعة داخل مصر وفي غيرها - يعتبر إغفالا فظيعا".
3) يندد التحقيق البرلماني بكل وضوح بالحكومات العسكرية (مثل التي في مصر حاليا) ويؤكد على أنهم يتصرفون بشكل يتناقض مع القيم البريطانية، ويطالب بتطبيق المعايير على الجميع وليس فقط على الإسلاميين دون غيرهم.
4) يميز التحقيق بشكل واضح ما بين الزعم بأن جماعة الإخوان المسلمين منظمة "سرية" - وهو الأمر الذي خلص البرلمانيون إلى أنه ادعاء باطل - ووصف الجماعة بأنها "متكتمة"، وهو الأمر الذي يمكن تفهمه بالنظر إلى القمع الذي تعرضت له في مصر وفي غيرها من بلدان المنطقة.
5) على الرغم من أن التحقيق ينتقد، محقا، حقيقة أن الرسائل الصادرة عن الإخوان المسلمين تختلف في بعض الأوقات في النص العربي عنها في النص الإنجليزي، مما يسبب الالتباس ويوحي بوجود خطاب مزدوج، إلا أنه صرح بوضوح أن هذا السلوك لا يقتصر على الإسلاميين السياسيين دون سواهم وأنه يحدث داخل الجماعات السياسية من كل الألوان والأشكال.
6) يفند التحقيق بوضوح الادعاء بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت ستمضي نحو تبني تفسير ضيق للشريعة، معتبرا ذلك الادعاء لا صحة له على الإطلاق. لقد أمضت الجماعة في السلطة مدة قصيرة جدا من الزمن ولم يثبت بأي حال من الأحوال أنها كانت تسعى إلى القيام بما يدعيه عليها نقادها. بالإضافة إلى ذلك، ثمة دليل واضح على أن الجماعات المشابهة، والتي تنتمي إلى نفس المدرسة الفكرية، مثل تلك التي في المغرب وتلك التي في تونس، لم تتجه نحو ذلك إطلاقا.
7) كما اتفق البرلمانيون في تقييمهم مع الموقف الحالي للحكومة البريطانية، على أن جماعة الإخوان المسلمين لا ينبغي أن تصنف على أنها منظمة إرهابية، ويبرئ تقريرهم الإخوان المسلمين من المسؤولية عن الأعمال التي يرتكبها بعض الأفراد كرد فعل على ما يشعرون به من ظلم أو نتيجة الاضطهاد والقمع الذي يتعرضون له. ونص التقرير بكل وضوح على أن "ما يتوفر من دليل حتى الآن من داخل مصر يشير إلى أنه لو كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دعمت العنف أو أقرته، لكانت مصر اليوم مكانا أكثر عنفا بكثير".
8) كما يقر البرلمانيون البريطانيون بأن "طبيعة الإسلام ستبقي الدين والسياسة في المستقبل المنظور على درجة عالية من التداخل، ولا مفر من أن تأخذ ذلك بالحسبان الأنظمة الناشئة المنتخبة ديمقراطيا والخاضعة للمحاسبة والمساءلة".
ومع ذلك، فإنني أرى أن التقرير يعاني من نقطتي ضعف أساسيتين:
1) ينزع التقرير إلى التأكيد على عالمية ما يصفه بـ"مجموعة القيم البريطانية" معتبرا هذه المجموعة واحدة من المعايير التي ينبغي أن يحكم على المجتمعات الأخرى بناء عليها، أو التي بموجبها يقرر ما إذا كانت هذه المجتمعات صالحة لأن يتعامل معها أم لا. يتفق المسلمون مع باقي البشر في الإقرار بمجموعة من حقوق الإنسان الأساسية، وهذه هي التي في الأغلب جرى النص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما الإصرار على "الانسجام" أو "التوافق" مع كل ما يدعى أنه مجموعة القيم أو المعايير البريطانية، فهذا أمر غير واقعي ولا يمكن إلزام الناس به لما بين الشعوب من تفاوت وتنوع ثقافي.
2) أنا وكثير من المصريين سنختلف مع تصريح البرلمانيين بأنه " كان يتوجب على وزارة الخارجية البريطانية التعبير بشكل أوضح عن قلقها إزاء انعدام الكفاءة وعدم الشمول والطبيعة والسلوك الضيق لحكومة الرئيس محمد مرسي في مصر". أرى بأن هذه العبارة غير صائبة وهي في الأغلب انطباع تشكل بسبب الدعاية المغرضة التي يروج لها خصوم الإخوان المسلمين.
بادئ ذي بدء، لم يكن تقييم السنة اليتيمة التي حكم فيها الدكتور محمد مرسي هو الهدف من التحقيق البرلماني. ثانيا، لم تكن تلك السنة الوحيدة في السلطة - حسبما أعلم - موضع أي تقييم علمي وموضوعي وتفصيلي. بل إن معظم الشخصيات التي كانت مشاركة في تلك الإدارة، بما في ذلك الرئيس محمد مرسي نفسه، تقبع الآن في السجون، ولا يمكن الوصول إليهم والاستماع إليهم. مما يؤسف له أن معظم ما يذكر عن تلك السنة من أحكام وتقييمات إنما مصدرها خصوم الإخوان المسلمين.
وبينما نعترف ونقر بأن أخطاء ارتكبت، إلا أننا نعتقد جازمين بأن الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا في انقلاب عسكري لا يمكن، ولا يجوز، أن تبرر (كما استنتج التحقيق الأخير محقا) تحت بند أي من الثغرات المزعومة أو الأخطاء التي تنسب إلى الدكتور مرسي وإدارته.
في الخلاصة، أعتقد جازما بأن تقييم البرلمانيين للسنة التي قضاها مرسي في السلطة في غير محله وغير مبرر على الإطلاق.
ومع ذلك، ورغم ما سلف، لازلت أعتقد بأن تحقيق البرلمانيين قد أنصف الإخوان وكشف ما في تحقيق حكومة كاميرون حول الإخوان المسلمين من أخطاء وثغرات.
أرجو أن يمهد تقرير لجنة الشؤون الخارجية السبيل نحو تغيير سلوك الحكومة البريطانية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، التي ينبغي أن ينظر إليها على أنها قوة من أجل الخير وجزء من الحل الذي تنتظره مصر والمنطقة لأزماتهما وليست جزءا من المشكلة.