تظهر بجلاء المخاوف الكردية من اجتماع لوزان الذي انعقد خلال الأيام الماضية في مدينة لوزان السويسرية، برعاية
روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة كل من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، وبعض الدول الأخرى المعنية بتسوية الأزمة السورية.
هذا يعيد إلى الأذهان معاهدة لوزان عام 1923 التي جاءت على أنقاض معاهدة سيفر عام 1920. كان ذلك بفضل النضال المضني للسياسي الكردي "شريف باشا" الذي تمكن من إدراج ثلاثة بنود تخص القضية الكردية آنذاك؛ في جدول أعمال معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء في العاصمة الفرنسية باريس صيف عام 1920، ممّا منح للقضية الكردية موطئ قدم في المحافل الدولية، وباتت اللبنة الأولى صوب تحقيق الحلم الكردي في بناء الدولة القومية أسوة بالقوميات المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أنّ الدولة العثمانية حاولت مراراً وتكراراً جعل القضية الكردية شأناً داخلياً يمكن حله ضمن إطار التوافق الوطني، إلّا أنها لم تتمكن من زجّها في زاوية ضيقة وإخراج المسألة من التوظيف الداخلي، حيث نصّت معاهدة سيفر على التحقيق في حلّ المسالة الكردية ضمن البيئة المتاحة، فيما لو اجتاز الكرد المراحل اللاحقة تبعا لإرادة الدول الراعية حينها، وطالبوا بالاستقلال عن الدولة التركية، ورأت دول الحلفاء الكرد مؤهلين لذلك، فيصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى حكومة مصطفى كمال أتاتورك الاعتراف بذلك..
ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير، حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية.
وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمثابة حكم إعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيق المعاهدة. وهنا جاء عقد معاهدة لوزان، بعد الهزائم الكبيرة التي مني بها الجيش اليوناني أمام حشود الجيش التركي، وظهور كمال أتاتورك بهيئة الرجل المنتصر، وبذلك عادت لتركيا أمجاد الإمبراطورية العثمانية بعدما تفكّكت الإمبراطورية المزعومة. وقامت حكومة أتاتورك بإعادة العلاقة مع جارتها روسيا، بعد قطيعة دامت لسنوات إبان حرب القرم بين البلدين، وعقدت سلسلة من المباحثات على فترات: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت الفترة مماثلة ما بين ربيع وصيف عام 1923. وبذلك نُسفت معاهدة سيفر شكلاً ومضموناً.
وتتضمّن معاهدة لوزان أن تتعهد أنقرة بمنح مواطنيها الحقوق الكاملة في المساواة والعدالة أمام قانون الدولة التركية، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما دون ذكر معاهدة سيفر.
وعدّ الكرد هذه المعاهدة ضربة قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم.. وبذلك يتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي، ولا سيما كل من بريطانيا وفرنسا، ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلّا أنّ هذا الورق أصبح وقوداً للنضال التحرري الكردي فيما بعد، وبالتالي فإنّ التاريخ يعيد نفسه من خلال عقد اجتماعات في كواليس لوزان بين كيري ولافروف حول وضع خريطة جديدة للمنطقة، بعد انتهاء صلاحية سايكس بيكو.
وهنا تكمن الخطورة حول مستقبل الكرد، وتقسيم بلادهم مرة أخرى دون إرادة الشعب الكردي، في ظل انقسامات حادة داخل البيت الكردي ذاته. وفي هذه المرحلة بالذات؛ بإمكاننا تحميل السياسة الكردية المسؤولية الأخلاقية الكاملة؛ إذا ما تم أمر تكرار لوزان للمرة الثانية؛ أولا: لانعدام خطاب سياسي كردي موحد طيلة فترة الأزمة السورية، وثانيا لهشاشة التحالفات التي خاضها الكرد في الفترة ذاتها ممّا يظهر الكرد بمظهر ثوار تحت الطلب للجهات النافذة والطامعة لاستغلال مخرجات الأزمة في
سوريا.