أدلى المستشار الأسبق لمجلس الوزراء السعودي، الجنرال المتقاعد، رئيس مركز "الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية" بمدينة جدة، أنور
عشقي، بتصريحات مثيرة للجدل، إلى صحيفة مصرية، الأربعاء، كشف فيها وجود "تنسيق سعودي -
إسرائيلي".
وعلل ذلك بحاجة
السعودية إلى التنسيق مع دول المنطقة كافة، في إطار عملية التسوية السلمية، مؤكدا -في الوقت ذاته- أن سبب معارضة مصر (يقصد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) لرحيل بشار الأسد عن حكم
سوريا هو خشيته من أن يمنح ذلك "قبلة الحياة" للإخوان في مصر، باعتبار أن الإخوان في سوريا يسيطرون على المعارضة السورية، وفق اعتقاده، بحسب عشقي.
وتناول المسؤول السعودي السابق في حواره مع صحيفة "المصري اليوم"، التقارب السعودي - التركي، والخلافات المصرية - السعودية، منحيا -في الجانب الأكبر منها- باللائمة على الإعلام في كلا الجانبين، موضحا أن توقف السعودية عن إرسال شحنة البترول، المقررة عن شهر تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، إلى مصر يأتي باتفاق سابق مع الإدارة المصرية، نتيجة الظروف الاقتصادية التي تمر بها المملكة، وحتى تفي بالتزاماتها مع الدول الأخرى، وفق قوله.
وأكد أن السعودية سعت في الفترة الأخيرة إلى إحداث حالة من تقريب وجهات النظر بين تركيا ومصر، لكنها لم تنجح في ذلك، برغم مساعيها الدائمة، بحسب تعبيره.
وخصصت الصحيفة سؤالها الأخير، الذي وجهته إلى عشقي، للإشارة إلى أنه "أعقب لقاءه الأخير مع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية لقاء آخر بين الأمير "تركي الفيصل"، مدير المخابرات السعودي السابق، بالجنرال الإسرائيلي "يعقوب عميدرور"، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، متزامنا بترحيب وسائل الإعلام السعودية بهذه اللقاءات التنسيقية.. فهل يمهد هذا لتطبيع العلاقات "السعودية - الإسرائيلية" على المدى القريب؟"، بحسب تساؤل الصحيفة.
فأجاب عشقي بالقول: "السعودية دولة كبرى في المنطقة العربية، وهي طرف فاعل في كافة القضايا الإقليمية في العراق وسوريا وفلسطين، وهذا الدور الذي تضطلع به المملكة يستوجب التنسيق مع كافة الأطراف الفاعلة في عملية تحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل".
السيسي يخشى وصول الإخوان للسلطة بسوريا
ومجيبا عن السؤال حول أسباب الخلاف الحاد في المواقف بين مصر والسعودية بشأن مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، والأزمة السورية، قال عشقي إن الخلاف مرتبط بتخوف مصر (يقصد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) من أن يؤدي رحيل الرئيس السوري بشار الأسد إلى وصول المعارضة السورية للسلطة، حيث تعتقد مصر بأن لجماعة الإخوان سيطرة عليها، والتي سيؤدي وصولها للسلطة في سوريا لمنح "إخوان" مصر "قبلة الحياة" من جديد، ما يشكل مزيدا من الضغط على الحكومة المصرية في ظروفها الحالية".
وأضاف: "لذلك؛ يقول ممثلو الحكومة المصرية في المحافل الدولية إن الأولوية في سوريا تتمثل في تقويض إمكانات المنظمات الإرهابية في سوريا، و"الحفاظ على كيان ومؤسسات الدولة السورية"، وفق قوله.
لا قنوات اتصال يومية بين القاهرة والرياض
وعرج الحوار، الذي تم عبر الهاتف بين "المصري اليوم" وعشقي، بعد ذلك، إلى الخلاف السعودي - المصري الأخير؛ إذ أرجع عشقي السبب الرئيس في تأجيجه إلى أنه "بلا شك، غياب قنوات الاتصال اليومية بين البلدين لإدارة هذه الاختلافات، والتنسيق في شأنها"، على حد تعبيره.
ووصف ما يراه البعض من أن وقف شحنة البترول إلى مصر من قبل شركة أرامكو كان ردا على التصويت المصري في مجلس الأمن لمصلحة مشروعي قرارين متنافسين في شأن حلب الأسبوع الماضي.. بأنه" خطأ تداوله الناس".
وقال إن "التزامن ليس من باب عقاب مصر، كما حاولت بعض وسائل الإعلام المُغرضة الإيحاء بذلك، أو مساومة "الشقيقة الكُبرى" على مواقفها الخارجية تجاه القضايا السياسية".
وأضاف: "أود التأكيد بأن كلمة مندوب السعودية في الأمم المتحدة عن تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي جاء من باب العتاب، وليس من باب الهجوم".
وكانت شركة أرامكو السعودية أبلغت وزارة البترول المصرية بشكل رسمي بأن شحنة الشهر الحالي من البترول لن تُرسل إلى مصر، دون أي توضيح لهذا القرار، وفق "المصري اليوم".
لكن عشقي علق قائلا: "الاتفاق بين المملكة ومصر، الذي تم توقيعه خلال زيارة الملك سلمان إلى القاهرة في أبريل الماضي، والذي نص على توريد 700 ألف طن شهريا من المواد البترولية المكررة من السعودية لمصر لمدة 15 عاما، كان يتضمن بندا مفاده أن هذا الإمداد سيتوقف خلال شهر أكتوبر، وهذا بعلم المسؤولين في مصر؛ لأن المملكة سيكون لديها التزامات مع دول أخرى".
وأردف: "هذا البند مُعلن لمصر منذ توقيع الاتفاقية، وأكدنا على المسؤولين المصريين هذا الأمر قبل التوقف عن إمداد البترول، ودائما تسعى المملكة إلى التوازن بين التزاماتها تجاه مصر، التي تعهدت بها، والتزامها على الجانب الآخر بتنفيذ "استراتيجية 2030"، التي تهدف لبناء الاقتصاد السعودي، وفق قوله.
وشدد على أن "احتمال امتداد التعليق إلى وقف كامل هو احتمال غير مطروح على الإطلاق، والمملكة ملتزمة بكافة تعهداتها تجاه مصر، والتوقف هذا الشهر مُتفق عليه من جانب الطرفين، وله أسباب خارجة عن إرادة المملكة، والسعودية في حاجة ماسة لدعم مصر السياسي، وكذلك فإن مصر في حاجة للدعم ذاته".
"خاشقجي محسوب على الجماعة"
وعن وجود "بعض الأصوات السعودية الإعلامية، مثل "جمال خاشقجي"، التي أوضحت أن التوقف له صلة بتصويت مصر على مشروع القرار الروسي بشأن سوريا"، بحسب مزاعم الصحيفة، علَّق عشقي بالقول: "أحد الأسباب وراء تأجج الاختلاف الأخير بين مصر والسعودية، هي الأصوات الإعلامية من كلا البلدين، التي تتبنى منهج التفريق لا التجميع".
ووصف عشقي "جمال خاشقجي" بأنه ليس مُقربا من الدولة، ولا يعبر عن وجهة نظر المملكة الرسمية، مشيرا إلى أن المملكة أكدت في مرات سابقة أنها ليس لها متحدثون رسميون لها، ومدعيا أن خاشقجي "محسوب على الجماعة التي لها تحيز واضح، ويعتقد الكثيرون أن وجهة نظره مُعبرة عن المملكة، وهو اعتقاد مغلوط، وكُل بيانات المملكة الرسمية توضح ذلك دون مغالطة أو مواربة"، حسبما قال.
وتساءلت الصحيفة: "لكن من الواضح أن علامات الخلاف بين مصر والسعودية بدأت تطرح نفسها بقوة خلال عهد الملك سلمان، خلافا لما كانت عليه خلال عهد الملك الراحل عبدالله؟.
فأوضح عشقي أن "الملك عبدالله يمثل مرحلة وتوجها، والأمير سلمان مرحلة أخرى، فالسعودية مرت بثلاث مراحل تاريخيا، الأولى: مرحلة التأسيس، بَطَلاها الملك سعود والملك فيصل، ومرحلة التمكين، التي تحول فيها الشعب السعودي من الانتماء للقائد إلى الانتماء للنظام، وانتقاله من مرحلة الرعوية السعودية إلى المواطنة السعودية خلال فترة كل من: الملك فهد والملك عبدالله، والمرحلة الثالثة في عهد الأمير سلمان، القائمة على سياسة الاحتواء، وتجميع كافة القوى العربية؛ لمواجهة التحديات الخارجية".
"سياسة الاحتواء".. وتنسيق مع مصر
وشدَّد الجنرال السعودي المتقاعد على أن "سياسة الاحتواء" لم ولن تكون عاملا في توسيع هوة الخلاف بين مصر والسعودية، مستدركا: "لكن المملكة لها خصوصيتها في سياستها الخارجية، وكذلك مصر لها الاستقلالية الكاملة في تحالفاتها، بما يخدم مصالحها في المقام الأول، والعلاقات الثنائية بين البلدين ثابتة، لكن التكتيك مختلف"، حسبما قال.
وحول التشكيك الإعلامي من بعض المنابر الإعلامية السعودية عن حجم القوة العسكرية المصرية التي شاركت في "عاصفة الحزم"، قال عشقي إن هذه الأصوات السعودية الإعلامية تهدف لتأجيج العلاقات بين البلدين، وإن حديثها منبت الصلة عن الخطاب الرسمي للمملكة، التي أكدت كامل تقديرها لحجم الدور المصري، من خلال نشر قواتها البحرية عند مضيق باب المندب لمواجهة الحوثيين، وبعض القوات الجوية المصرية التي شاركت أيضا، كما أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى خطبه"، بحسب عشقي.
وعن توجّه السفير السعودي، أحمد عبدالعزيز قطان، إلى المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، الذي أحاطه الكثير من الأقاويل، أكد عشقي أن الزيارة كانت على خلفية ارتفاع وتيرة الخلاف المصري - السعودي، وسعي المملكة لاحتواء هذه الخلافات، التي أسهم الإعلام في تأجيجها، وذلك ليقوم السفير السعودي بترتيب زيارة وفد مصري رفيع المستوى إلى المملكة خلال المرحلة المقبلة، وتفعيل دور المجلس التنسيقي المصري - السعودي، على مستوى الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبحث آليات تنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الدولتين، وعلى رأسها مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية.
تقارب السعودية مع تركيا وحماس
وانتقالا بالحديث إلى "التقارب السعودي – التركي" في الفترة الأخيرة، اعتبر عشقي أنه لن يؤثر على العلاقة بين الرياض والقاهرة، بأي حال من الأحوال، مؤكدا أن "من تقرر طبيعة تحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة هي المملكة نفسها، حسبما تقرره مصالحها، وليس لمصر وصاية عليها، فلكلا البلدين رؤيته لمصالحه، لطالما لم تمس أمنه القومي مباشرة أو تقوّض مصالحه".
وحول أن تركيا، مُمثلة في رئيسها رجب طيب أردوغان، تعادي السلطة الحالية في مصر، وتدعم جماعة الإخوان، بحسب الصحيفة، قال إن المملكة تُقدر هذا الخلاف بين البلدين، وإنها سعت في الفترة الأخيرة لإحداث حالة من تقريب وجهات النظر بين البلدين، وتجاوز الأزمة الأخيرة؛ بتقديم تنازلات من الطرفين، لاعتبارات تتعلق بتحالف استراتيجي في المنطقة تكون فيه الدولتان ضالعتين فيه، لكنها لم تنجح في ذلك، برغم مساعيها الدائمة.
وعما إذا كان يمكن اعتبار موافقة السعودية على طلب سابق لزيارة "حماس" تطبيقا لمفهوم "الاحتواء"، الذي تحدث عنه، قال عشقي إن قبول طلب زيارة قيادات حماس جاء لتقدير مواقفها حيال الأزمة السورية، ولثباتها على مبدئها بخروجها من سوريا، وإدانتها لحملات العنف من قبل النظام، كما أنها كان لها موقف جيد في أزمة اليمن؛ بتأييدها الشرعية، مردفا أن الزيارة كانت مجرد جلسة استماع لوجهات النظر فقط.
"إسرائيل عدو عاقل وإيران صديق جاهل"
وأخيرا، حول الجدل الدائر بشأن حضوره أحد المؤتمرات التي نظمها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في الفترة الأخيرة بواشنطن، مع المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، داري جولد، قال عشقي: "لم أشارك في هذا المؤتمر بصفة رسمية حكومية، ولكن بصفة رئيس لمركز أبحاث دراسات الشرق الأوسط بجدة، وتصافحنا بعد انتهاء الجلسة، وأرى أنه لا عيب في ذلك".
واستطرد: "كما أنني التقيت الإسرائيلي داري جولد، بصفته مديرا لمركز القدس للأبحاث، لا بصفة مسؤول إسرائيلي، وحين سُئلت عن الفرق بين إسرائيل وإيران، قلت إن إسرائيل هي عدو عاقل، وإيران صديق جاهل، وعدو عاقل قد يكون أفضل من صديق جاهل".